فيضان المخيمات... أمطار وصقيع ورياح تحاصر مهجَّري إدلب

20 يناير 2021
مئات العائلات تضررت (مرهف الجدوع)
+ الخط -

أمطار الخير الغزيرة التي تساقطت على محافظة إدلب كانت مأساة للنازحين، فالخيام التي كانت المأوى الأخير لهم تحولت إلى برك ماء أو حفر طين

نازحون كثر تضرروا مباشرة بسبب الأمطار الغزيرة التي تساقطت على إدلب في الأيام الأخيرة. الوضع كارثي في المخيمات المتضررة، كما يقول محمد حلاج، مدير فريق "منسقو استجابة سورية"، في حديثه إلى "العربي الجديد"، موضحاً أنّ قسماً من العائلات لجأ إلى مراكز الإيواء القريبة من المخيمات التي تقيم فيها، بينما اتجه بعضها إلى المساجد، بالإضافة إلى قسم اتجه إلى خيام قريبة لم تتضرر بشكل كبير. أما العائلات التي لم تجد خياراً أمامها، فبقيت في الخيام المتضررة نفسها من دون أن تغادرها.
الناشط الإعلامي خضر العبيد، يقول لـ"العربي الجديد": "تأثرت المخيمات، في معظمها، بالعاصفة التي ضربت المنطقة، وهناك كثير من الخيام التي اقتلعت يسبب الرياح السريعة التي أعقبت هطول الأمطار، أمس الأول الإثنين، خصوصاً في مخيمات منطقة كللي في ريف إدلب الشمالي، بالإضافة إلى تضرر المنازل مسبقة الصنع التي بنيت أخيراً، إذ هدمت المياه بعضها، وألحقت ببعضها الآخر أضراراً كبيرة، لا سيما أنّ أسطح هذه البيوت من الشوادر البلاستيكية". 

يتابع: "يمكن تقدير الأضرار الناجمة عن الأمطار بنحو 70 في المائة من المخيمات، تحديداً المخيمات العشوائية التي بنيت فوق أراضٍ ترابية، ولجأ نازحون لوضع حجارة داخل خيامهم ليتمكنوا من رفع أغراضهم عن مستوى المياه". يتابع العبيد أنّه بالنسبة للاستجابة فقد كانت ضعيفة، وقد حاولت فرق الدفاع المدني التخفيف عن النازحين بفتح طرقات للمخيمات، مع محاولة تصريف المياه، لكنّ كميات المطر كبيرة والجهود لم تكن كافية. يتابع أنّ "هناك إصابات، مع وفاة طفل في أحد المخيمات بسبب انهيارات وقعت في المنازل المؤقتة، فيما كثير من النازحين لم يناموا منذ حوالي 48 ساعة، ولم يجدوا مأوى وبقوا في خيامهم الغارقة في المياه معتمدين على الحجارة التي فرشوها في أرض الخيام في محاولة لتجفيف ممتلكاتهم المبللة". 
يلفت العبيد إلى أنّ الأضرار لا تقتصر على مخيمات إدلب وحدها، إنّما تمتد إلى مخيمات عفرين التي تساقطت فوقها الثلوج، بالإضافة إلى تضرر مخيمات الباب وجرابلس، على الرغم من عدم هطول كميات أمطار كبيرة كما حدث في مخيمات إدلب.
من جهته، يصف بهجت أبو عهد، مدير مخيم الدير الشرقي في منطقة كللي، في حديثه إلى "العربي الجديد"، وضع المخيم بـ"المأساوي" بسبب العاصفة المطرية التي ضربت المنطقة، فلا توجد لدى النازحين مواد للتدفئة أو مؤن غذائية، وهم بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية في ظلّ عدم قدرتهم على الاستعداد للعواصف المطرية ومواجهتها، خصوصاً أنّ خيام نازحي المخيم مصنوعة من البطانيات والأغطية. أما عبد السلام يوسف، مدير مخيم أهل التح في باتنتة، بريف إدلب، فيؤكد لـ"العربي الجديد"، أنّ النازحين في المخيم يعيشون أوقاتاً صعبة جداً، إذ إنّ الأمطار الغزيرة دخلت إلى معظم خيامهم البالية، وهم في حيرة من أمرهم، إذ لجأ البعض لشراء البلاستيك لفرشه فوق أرض الخيمة من الداخل وتغطيتها من الخارج، فيما غادر آخرون المخيم إلى أماكن أخرى، وما زالت العائلات تتخبط بحثاً عن حلول. يتابع أنّه لا استعدادات لمواجهة أيّ ثلوج متوقعة أو عواصف هوائية قد تضرب المنطقة، وذلك بسبب الفقر المنتشر هناك، مناشداً المنظمات الإنسانية اتخاذ تدابير تخفف عن النازحين محنتهم.

غرقت المخيمات في إدلب (عز الدين إدلبي/ الأناضول)
غرقت المخيمات (عز الدين إدلبي/ الأناضول)

وتسببت العاصفة المطرية التي ضربت مناطق شمال غربي سورية بتضرر 145 مخيماً، وقطعت العديد من الطرقات المؤدية إليها، وفق بيان صدر عن فريق "منسقو استجابة سورية". وبحسب البيان، الأحد الماضي، "بلغ عدد الخيام المتضررة كلياً 278 خيمة، وجزئياً 513 خيمة، مع أضرار واسعة في طرقات المخيمات ومحيطها تجاوزت 8 كيلومترات". تابع الفريق أنّ الأضرار توزعت ابتداءً من مخيمات خربة الجوز، غربي إدلب، وصولاً إلى المخيمات الحدودية باتجاه ريف حلب الشمالي، بالإضافة إلى محيط مدينة إدلب ومعرة مصرين وكللي وحربنوش وكفريحمول وحزانو وزردنا. وهو ما أدى إلى تشرد مئات العائلات ونزوح بعضها إلى أماكن اخرى وانتقال جزء بسيط إلى دور العبادة ومراكز الإيواء.
لم يسلم النازح أحمد أبو خليل، المقيم في مخيم بمنطقة كللي، من مياه الأمطار التي اجتاحت خيمته. يقول لـ"العربي الجديد"، إنّه لم يجد مأوى سوى الخيمة الكبيرة في المخيم والتي تعتبر جامعاً، فنقل إليها أطفاله وعاد لينتشل الأغراض التي في خيمته الغارقة، كالملابس والأغطية، تعينه في ذلك زوجته. يوضح أنّه حفر قناة لتصريف المياه التي دخلت إلى خيمته باتجاه الخارج، وبعدما ذهبت المياه، تحولت أرضها إلى طين موحل، فنقل القليل من الحجارة ووضعها في الداخل ليضع أغراضه فوقها كي تجف.
وما يخيف النازحين أيضاً في الوقت الحالي هو تدني درجات الحرارة بشكل حاد، خصوصاً أنّ الثلوج تساقطت، أمس الثلاثاء، في عفرين، كما انخفضت درجات الحرارة في معظم مناطق إدلب، فيما القسم الأعظم من النازحين يفتقر إلى مواد التدفئة الضرورية لمواجهة الحرارة المنخفضة. ومع تكرار هذا الوضع في كلّ عام ومحاولة جهات إنسانية مختلفة وضع حلول جذرية، كبناء مساكن موقتة، فإنّ عدد المتأثرين بالعواصف المطرية والهوائية ما زال كبيراً، ويحتاج إلى جهود ضخمة وتكافل من الجهات الناشطة في المنطقة كافة. في هذا الإطار، يقول الناشط الإعلامي مرهف الجدوع، لـ"العربي الجديد": "النازحون متخوفون بشكل كبير من أيّ عواصف مطرية أو هوائية جديدة، خصوصاً أنّ الأضرار الأخيرة كبيرة، والشتاء ما زال في منتصفه، والأمطار مستمرة في الهطول".

بدورها، تشكو المهجرة من ريف حمص الشمالي خلود أم عيسى، من عدم توفر مواد التدفئة لديها، موضحة لـ"العربي الجديد"، أنّ خيمتها لم تتضرر بشكل كبير بسبب المطر، لكنّ البرد الذي تعانيه مع أطفالها في المخيم قرب بلدة دير حسان، لا يحتمل. تضيف أنّ زوجها اشترى البيرين (وقود مستخرج من مخلفات الزيتون)، ليستخدموه في تشغيل المدفأة، لكنّ النوم مع ترك المدفأة مشتعلة يمكن أن يؤدي لكارثة، لا سيما مع احتمال الاختناق، موضحة أنّ الخيمة تحتاج إلى عازل يحفظ بعض الدفء لا أكثر، فالخيمة البلاستيكية البيضاء تتحول إلى ما يشبه ثلاجة في الليل، خصوصاً في ساعات الفجر الأولى، على حدّ قولها.
ويبلغ عدد المهجرين في مخيمات الشمال السوري، وفق إحصائيات لفريق "منسقو استجابة سورية"، نحو مليون و49 ألف نازح، موزعين على 1304 مخيمات، ومن بينهم 410 آلاف طفل، ويفتقر كثيرون منهم لمقومات الحياة الأساسية، ومنها مواد التدفئة وملابس الشتاء.

تصريف المياه
قال الدفاع المدني السوري في بيان إن فرقه عملت على فتح مجاري تصريف مياه الأمطار في مخيم كفرديدين ومخيم عشوائي بمحيط مدينة كفرتخاريم، ومخيمات حاس وكنجو وكفرومة وفحيل وأبو الفداء قرب مدينة سرمدا، ومخيمات كتيان وجهاد والبشير في دير حسان، ومخيم الفهد قرب كفريحمول، شمال إدلب.

المساهمون