فولكر تورك... يتولى تركة مليئة بالانتهاكات الحقوقية

10 سبتمبر 2022
يتقلد تورك مهامه وسط زيادة انتهاكات حقوق الإنسان حول العالم (منير أوز زمان/ فراتس برس)
+ الخط -

يرث المفوض السامي لحقوق الإنسان الجديد النمساوي فولكر تورك ملفات مثقلة بانتهاكات حقوق الإنسان، وقد صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، مساء أول من أمس، على ترشيح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس له. ولتورك باع طويل في الدبلوماسية الدولية في مؤسسات الأمم المتحدة، تقلد خلالها عدداً من المناصب رفيعة المستوى، ويعد من الدائرة المقربة جداً من غوتيريس، وقد ساعد في صياغة سياسة الأخير للمنظمة، بحسب مصادر مطلعة. وهو حاصل على درجة الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة فيينا، ودرجة الماجستير في القانون من جامعة لينز في النمسا، وله خبرة في العمل الدبلوماسي الدولي داخل منظمات الأمم المتحدة. إلا أن قربه من غوتيريس أثار بعض الانتقادات، ناهيك عن أنه غير معروف على الساحة الدولية إلا لهؤلاء المتابعين لشؤون الأمم المتحدة عن كثب. 
وتتركز الانتقادات حول سياسة غوتيريس بتردده بالوقوف بشكل علني في وجه دول نافذة وسياساتها وخروقاتها حقوق الإنسان، كالولايات المتحدة والصين وروسيا وحلفاء تلك الدول كإسرائيل. وبما أن تورك جزء من الطاقم الذي عمل لسنوات إلى جانب غوتيريس وساعد في صياغة سياسته، فإن المخاوف تتمحور حول تلك النقاط، وأن يكون متردداً في انتقاد تلك الدول وخروقاتها لحقوق الإنسان. في المقابل، يرى البعض أن منصب تورك الجديد يعطيه موقعاً أكثر استقلالية بالمقارنة مع غوتيريس وسياساته، والذي عليه أن يراعي فيها نفوذ تلك الدول داخل المنظمة بما فيها مساهماتها المالية.
ورداً على انتقادات ركزت على أن تعيين تورك يعد خطوة غير اعتيادية، وخصوصاً أنّ جزءاً كبيراً من سيرته المهنية قضاها ضمن منظمات الأمم المتحدة المختلفة، وأن المفاوضين السابقين عملوا دبلوماسيين أو سياسيين في مناصب مختلفة لبلادهم قبل اختيارهم لهذا المنصب، قال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك: "لا أتفق مع هذه القراءة. على سبيل المثال، عمل زيد رعد الحسين ضمن مؤسسات الأمم المتحدة المختلفة، بما فيها قوات حفظ السلام، قبل تعيينه مفوضاًسامياً". 
لكن ما يتجاهله دوجاريك أن الحسين عمل في مناصب دبلوماسية رفيعة المستوى سفيراً لبلاده الأردن، إضافة إلى عمله ضمن منظمات الأمم المتحدة. وكان قد عمل ممثلاً للأردن لدى الأمم المتحدة، وسفيراً لبلاده لدى واشنطن وسفيراً غير مقيم في المكسيك. كما لعب دوراً كبيراً في إنشاء المحكمة الجنائية الدولية. أما ميشيل باشليه، التي عين تورك خلفاً لها، فقد شغلت مناصب سياسية عديدة رفيعة المستوى قبل أن تتولى منصبها مفوضةً ساميةً، إذ انتخبت رئيسة لتشيلي ناهيك عن تقلدها عدداً من المناصب الوزارية الأخرى، كالصحة والدفاع، كما اعتقلت من جراء نضالها ضد الديكتاتورية العسكرية في تشيلي. 
وينتقد مسؤول رفيع المستوى في إحدى المنظمات الحقوقية الدولية فضل عدم الكشف عن إسمه، خلال حديثه لـ"العربي الجديد" من نيويورك، ما أسماه "غياب الشفافية في الاختيار على عكس ما يدعي مكتب غوتيريس. نخمن أنه أراد من البداية تعيين تورك المقرب منه، ولم تكن المقابلات مع بقية المرشحين جدية".
وكان دوجاريك قد قال عقب اختيار تورك: "كان هناك مزيجاً من الأشخاص الذين تقدموا لهذا المنصب وأجريت معهم المقابلات، وكان قسم منهم من خارج نظام الأمم المتحدة. ومن ضمن مهامه في منصبه الحالي مسؤوليته عن تنفيذ دعوة الأمين العام الأمم المتحدة للعمل في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك جدول الأعمال المشترك. وإذا نظرنا إلى سيرته المهنية، فقد أمضاها في الدفاع عن حقوق الرجال والنساء والأطفال الذين كانوا يسعون للحصول على الحماية بموجب القانون الدولي، بما في ذلك الترافع في القضايا في المحاكم ضد الدول الأعضاء دفاعاً عن حقوق اللاجئين".

امتحان
يتقلد تورك مهامه في وقت يشهد فيه العالم زيادة في القمع وخروقات حقوق الإنسان حول العالم. ويظهر أبرزها مؤخراً، في التقرير الذي أصدرته باشليه قبل مغادرتها منصبها منتصف ليل 31 أغسطس/ آب بتوقيت جنيف قبل عشر دقائق. ويتمحور التقرير حول جرائم محتملة ضد الإنسانية ارتكبتها السلطات الصينية ضد أقلية الإيغور المسلمة في مقاطعة شينجيانغ الصينية. وسيتعين على تورك متابعة هذا الملف بدقة، وسيكون هذا التقرير وتعامل تورك معه بمثابة الامتحان الأول له. ولم تعقد الأمم المتحدة منذ صدور التقرير رسمياً أي مؤتمر صحافي رفيع المستوى لنقاشه. ويناشد عدد من المنظمات الحقوقية تورك بالدفاع علناً عن إجراء تحقيق، بتفويض من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حول الجرائم المحتملة في شينجيانغ. وفي حال حدوث ذلك، فسيكون أول إجراء رسمي للمجلس بشأن الصين.
من جهتها، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش": "يجب أن يكون تورك مدافعاً صريحاً عن جميع ضحايا الانتهاكات في جميع أنحاء العالم في منصبه مفوضاً سامياً لحقوق الإنسان. من الأهمية لمنصبه أن يكون المفوض على استعداد لانتقاد الحكومات ذات النفوذ، مثل الصين والولايات المتحدة وحلفائهما، عند ارتكابها انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان". وأشارت المديرة التنفيذية المؤقتة للمنظمة تيرا حسن إلى أن المفوض السامي الجديد "سيكرس عمله في محاربة بيئة انتهاكات حقوق الإنسان الصعبة في جميع أنحاء العالم"، مضيفة: "سواء كان الأمر يتعلق بمواجهة الجرائم ضد الإنسانية في شينجيانغ، أو جرائم الحرب في أوكرانيا وإثيوبيا، أو العنصرية في الولايات المتحدة، فإن أكثر أدوات رئيس مجلس حقوق الإنسان فعالية هي التحقيقات القوية والصوت القوي". 

فولكر تورك
سيتعين على تورك متابعة ملف الجرائم المحتملة ضد أقلية الإيغور بدقة (Getty)

ولفتت حسن الانتباه إلى أن واحدة من الأدوات الرئيسية التي يعتمد عليها المفوض السامي لحقوق الإنسان تتمثل بالضغط الذي يعتمد على تحقيقات وتقارير عامة وإدانات علنية لخروقات حقوق الإنسان. أضافت: "يجب أن يكون تورك جاهزاً ومستعداً لمواجهة حتى أكثر الحكومات نفوذاً وبشكل علني، وألا يتوقع أن تؤدي الحوارات خلف أبواب مغلقة إلى إحداث تغييرات". 
يذكر أن غوتيريس ودائرته المقربة، من ضمنها تورك، دافعا بشراسة وفي أكثر من مناسبة عن عدم انتقاد الأول لسياسات العديد من الدول وخروقات حقوق الإنسان علناً، بادعاء أنهم يثيرون تلك المواضيع خلف أبواب مغلقة. لكن تلك الحوارات خلف أبواب مغلقة لم تأت بثمارها المنشودة وبأي ضغط ملموس على تلك الدول، بل إن رقعة الدول التي تشهد خروقات حقوق الإنسان ازدادت حول العالم. 

بدء تحقيقات
في هذا الإطار، شددت منظمة "هيومن رايتس ووتش" على ضرورة أن "يكون تورك على استعداد للتعامل مع قضايا انتهاكات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة، ومن حلفاء الولايات المتحدة". وحذرت من أن هناك إمكانية لأن تنضم "إدارة أميركية مستقبلية إلى صفوف الحكومات التي تتعامل مع حقوق الإنسان بازدراء. ستكون هناك حاجة إلى مفوض سام قوي وصريح في جنيف لحماية نظام حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة". كما تحدثت عن عدد من الأدوات المتاحة للمفوض، والتي يمكنه استخدامها، من بينها سلطته للبدء بتحقيقات من دون تفويض مباشر أو صريح من هيئات الأمم المتحدة. وأشارت المنظمة إلى ضرورة التعامل والتركيز على خروقات حقوق الإنسان في نطاق البيئة وأزمة المناخ والتقنيات الرقمية. 
وكان غوتيريس قد عين تورك في منصب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة المعني بالسياسات في مكتبه التنفيذي في يناير الماضي. ومن ضمن مهامه، بحسب الأمم المتحدة، "فضلا عن تنسيق عمل السياسات العالمية، أوكل إليه غوتيرس التركيز بشكل خاص على متابعة تقرير"جدول أعمالنا المشترك" ومواصلة عمل التنسيق الاستراتيجي داخل المكتب التنفيذي، بما يكفل الاتساق في التحليلات المقدمة إلى الأمين العام، فضلا عن التنسيق على نطاق المنظومة، بما في ذلك ما يتصل مع دعوة الأمين العام للعمل مع الأخذ بعين الاعتبار حقوق الإنسان". وتقلد تورك عددا من المناصب رفيعة المستوى داخل منظمات الأمم المتحدة، منها منصب مساعد الأمين العام للتنسيق الاستراتيجي في المكتب التنفيذي للأمين العام منذ عام 2019. وقبل ذلك التعيين، عمل مساعدًا للمفوض السامي للحماية في مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في جنيف (من 2015 إلى 2019)، مع تحمل مسؤوليات خاصة لتطوير الميثاق العالمي بشأن اللاجئين. 

هناك حاجة إلى مفوض سام قوي وصريح لحماية نظام حقوق الإنسان
هناك حاجة إلى مفوض سام قوي وصريح لحماية نظام حقوق الإنسان (منير أوز زمان/ فرانس برس)
المساهمون