استمع إلى الملخص
- خلال اعتقاله، حُرم من العلاج اللازم والرعاية الطبية، وتعرض للضرب المبرح قبل إطلاق سراحه، ورغم نقله للفحص بمستشفى إسرائيلي، لم تُنفذ التقارير الطبية والإجراءات اللازمة بجدية.
- تفاقمت معاناة الأسرى الفلسطينيين خلال الحرب على غزة، حيث توقفت الإجراءات الطبية وزاد العنف والتجويع، مما أدى لتدهور صحتهم. نادي الأسير الفلسطيني يشير إلى وجود ألف أسير مريض واستشهاد 15 بسبب التعذيب والإهمال الطبي.
لا يعلم الأسير الفلسطيني السابق عبد الباسط معطان (50 عاماً) المريض بالسرطان، الكثير عن وضعه الصحي، فهو يرتاد منذ أن أفرج عنه في 20 مايو/أيار الجاري، بعد 22 شهراً من اعتقاله في سجون الاحتلال الإسرائيلي، المستشفى بشكل متواصل لإجراء الفحوصات والصور الطبية، ويحاول اكتشاف ما جرى لصحته في ظل الظروف الصعبة والإهمال الطبي المتعمد.
واعتقل الاحتلال الإسرائيلي معطان حين كان يحتاج إلى عناية طبية بسبب عدم اكتمال استئصال ورم سرطاني في القولون. وحُرم من العلاج في الأشهر الأربعة الأولى من اعتقاله، وكذلك منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ورغم أن تطورات حالته الصحية لا تزال غير معروفة، يبدو أن الزمن يتسارع بالنسبة له، بعدما بدا في يوم الإفراج عنه من سجن النقب كأنه والد الشخص الذي كان في صورة التقطت له قبل اعتقاله إدارياً بلا تهمة أو محاكمة قبل 22 شهراً.
يقول لـ"العربي الجديد": "استغرب أحد أصدقائي أنني هرِمت بدرجة كبيرة، وقد عانيت مثل باقي الأسرى من سياسة التجويع والإهمال الطبي، وخسرت نحو 30 كيلوغراماً من وزني، وتغيّرت ملامح وجهي التي تبدو أكبر من سني".
يضيف: "آثار الكدمات على جسدي تعكس واقع تعرّض الأسرى للعنف. شخصياً لا أريد أن أتحدث أكثر من ذلك، فالآثار البادية عليّ توضح الوضع السائد".
وعلمت "العربي الجديد" أن معطان تعرّض لضرب مبرح قبل 48 ساعة من الإفراج عنه، والتي ظل فيها بلا طعام تقريباً، ما جعله في حالة مزرية لحظة الإفراج عنه.
وعانى معطان قبل اعتقاله من منع وصوله إلى مستشفيات مدينة القدس المحتلة من أجل الحصول على الإجراءات الطبية اللازمة بعد استئصال الورم السرطاني، واستطاع السفر إلى الأردن وتركيا بعدما طعن في قرار منعه من السفر، ثم عاد إلى الضفة الغربية. وكان يحتاج إلى السفر مرة أخرى لاستكمال العلاج، لكنه اعتقل بعد 40 يوماً فقط من عودته من رحلة العلاج.
رغم أن وحدة الاعتقال الإسرائيلية، كما يروي معطان، تستطيع التعامل مع مريض السرطان، وطلبت منه اصطحاب أدويته، لكن هذه الأدوية لم تدخل معه إلى السجن، بعدما رفضت إدارته تزويده بها، والاعتراف بأنه مريض سرطان لمنع نقله إلى المستشفى بشكل دائم، ما يزيد التكاليف على إدارة السجون.
وبقي معطان أربعة أشهر من دون الخضوع للإجراءات الطبية اللازمة، ثم نقل إلى مستشفى "شعاري تصيدق" الإسرائيلي لإجراء الفحوص، بعدما اتخذ الأسرى في سجن عوفر خطوات، وتضامن ذووه والأهالي خارج السجن معه. وأجريت له صور وفحص بالمنظار أظهرت وجود أورام صغيرة شخّصها الأطباء بأنها ليست أوراماً سرطانية، لكنهم أشاروا إلى ضرورة إبقائه تحت الرقابة، وإلى حاجته إلى عمليات جراحية لآثار وتبعات الأورام السرطانية التي استؤصلت.
ولم تنفذ أي إجراءات تحدثت عنها التقارير الصادرة من المستشفى الإسرائيلي، وأبطأ نقله إلى سجن النقب عملية المتابعة الطبية، ولم تتجاوب إدارة السجن مع الملفات والتقارير الطبية بجدية، وكانت كل إجراءاتها بطيئة.
ولاحقاً، داهمت الحرب على غزة الأسرى في سجون الاحتلال، وتعرضوا لحرب موازية. وقال معطان: "توقف كل شيء بعد الحرب، واختلفت كل المعادلات؛ إذ توقف التعامل معي كمريض، واعتبرت في مستوى واحد مع كل الأسرى الممنوعين من طلب العلاج، والمهددين بالتعرض لضرب وأذى بمجرد أن يطلبوا الذهاب إلى عيادة السجن".
تابع: "أصبحت مطالبة الأسرى بالحصول على علاج شيئا من الترف بالنسبة لإدارة السجن التي فرضت علينا قوانين طوارئ لم نتخيلها في الأحلام، وأيضاً موجات عنف منعتنا من أن نعيش بطريقة طبيعية".
وتستمر الحرب على الأسرى الفلسطينيين، والتي وصلت إلى حد تجويعهم. ويقول معطان: "خرجت سالماً ولو مثقلاً بالجراح، وهذا تحدٍ كبير. والحالة التي خرجت بها تلخص وضع كل الأسرى، فلست وحدي من فقد كل هذا الوزن، بل كل الأسرى فقدوا بين 20 و40 كيلوغراماً، وكنا نقول بسخرية إن بنطالاً واحداً يمكن أن يناسب كل الأسرى، باعتبار أنهم أصبحوا يرتدون المقاس ذاته".
ويؤكد معطان أن" فترة السجن بعد الحرب على غزة كانت تتسم بالتجويع، في ظل تقديم كميات قليلة من الطعام للأسرى، فقط لإبقائهم على قيد الحياة، ما أفقدهم مخزون الصحة والجسد".
وكان نادي الأسير الفلسطيني وصف معطان بأنه "الشاهد الأبرز على عمليات التعذيب والتنكيل في حق الأسرى مؤخراً، بعدما تعرّض خلال اعتقاله الأخير إلى سلسلة جرائم إلى جانب تلك الطبية، وهو يعاني من فقدان وزن شديد بسبب سياسة التجويع التي تمارسها إدارة سجون الاحتلال بحق الأسرى، وكدمات في أنحاء جسده، كجزء من الإجراءات الانتقامية وعمليات التعذيب التي تصاعدت منذ بداية العدوان على غزة، وأيضاً من حرمانه من تلقّي العلاج".
وكان معطان أمضى إجمالي 10 سنوات في الاعتقال، ووجهت له اتهامات في اعتقال وحيد، بينما حصلت باقي الاعتقالات تنفيذاً لأمر اعتقال إداري بلا تهمة.
ويؤكد نادي الأسير الفلسطيني أن أعداد المرضى في سجون الاحتلال زاد خلال العدوان، مشيراً إلى وجود نحو ألف أسير مريض، يعاني غالبيتهم من أمراض بدرجات متفاوتة جراء التعذيب والتجويع، وترتكب جرائم طبية مستمرة في حقهم. واستشهد 15 أسيراً منذ السابع من أكتوبر لأسباب مختلفة، أبرزها التعذيب والإهمال الطبي.