استمع إلى الملخص
- عادت نورا حاج عمر إلى اللاذقية بعد 11 عاماً بسبب اتهام كيدي، مما حرمها من وداع والدتها والتواصل مع عائلتها، وتعبر عن ألمها لفقدان سنوات من حياتها بعيداً عنهم.
- رغم عودة المهجرين، لا تزال آلاف العائلات تعيش في مخيمات بظروف صعبة، مثل غياث خليل الذي يأمل في العودة إلى بلدته سلمى لكنه يواجه صعوبة في إعادة بناء منزله.
مرت سنوات طويلة ظنت خلالها عائلات سورية شتت أفرادها أنّ لمّ الشمل قد يكون مستحيلاً، لكنّ فرحة اللقاء في اللاذقية أعادت الحياة إليهم
بعد سنوات من الفرقة والتشتت، اجتمعت عائلات بأحبائها لأول مرة منذ سنوات طويلة في محافظة اللاذقية غرب سورية، بعد إسقاط نظام الأسد الذي ساهم في تهجير الكثير من الشبان بسبب ملاحقتهم أمنياً أو سوقهم إلى الخدمة العسكرية. وبعد نحو 14 عاماً، استقبلت الأربعينية أم مهند صالح اثنين من أولادها، أحدهما كان مقاتلاً مع فصائل المعارضة في إدلب والآخر لاجئاً في تركيا.
استقبلت أم مهند ولديها بالدموع وسط الطبل والزمر، وقد عادت إليها الروح. تقول لـ"العربي الجديد": "ما زلت أشعر أنني في حلم حتى اليوم. فرغ بيتي بعد ذهابهما. مرّ 14 عاماً وعادا إليّ مع أحفادي. كنت أخشى أن أموت قبل أن أعود لأشتم رائحتهما وأفرح بوجودهما. سعادتي لا توصف بعودتهما وأتمنى أن تجتمع جميع العائلات بأحبائها مثلي".
وعقب شهر من إسقاط نظام الأسد، عاد مئات المهجرين من اللاذقية إلى منازلهم، لا سيما من تركيا ومن المقيمين في الشمال السوري، ووصلت أولى قوافل العائدين في اليوم الأول عقب إسقاط نظام الأسد.
عادت نورا حاج عمر (35 عاماً) لزيارة عائلتها في مدينة اللاذقية، وكانت المحطة الأولى لها قبر والدتها التي فقدتها قبل ثلاث سنوات من دون أن تتمكن من توديعها. تقول نورا لـ"العربي الجديد" إنها حرمت من عائلتها بعد تقرير كيدي يتهمها بدعم فصائل المعارضة وإيواء مطلوبين. خرجت من منزل عائلتها فجأة من دون توديعهم متوجهة إلى تركيا. وخلال 11 عاماً على غيابها، كانت عائلتها تخشى التواصل معها مباشرة خوفاً من الاعتقال، واقتصر الأمر على رسائل غير مباشرة. تضيف: "أخذوا من عمري 11 عاماً. لم أستطع توديع أمي في آخر لحظاتها. لم أكن إلى جانبها في مرضها، ولم أكن مع عائلتي في فرح إخوتي. كنت وحيدة طوال تلك السنوات. يومياً، كنت أفكر بهم وكيف يقضون وقتهم". وتسأل: "كيف يمكن أن أسامح من كان سبباً في معاناتي؟ لا يوجد ما يعوض هذا الأسى".
لدى مهند خياط وهو شاب من مدينة جبلة قصة تشبه عشرات القصص التي عايشها أهالي الساحل طوال سنوات الثورة السورية. غادر مهند مدينته مطارداً من الأجهزة الأمنية في عام 2013 وكان في السنة الثانية من دراسته الجامعية.
عاد قبل أيام إلى عائلته مع زوجة وطفلين أكبرهما بعمر ست سنوات. كانت المرة الأولى التي ترى فيها عائلته ولديه. يقول لـ"العربي الجديد": "لم يكن لدي أي أمل في العودة للقاء عائلتي بعد كل هذه السنوات. حتى أنّ التواصل عبر الإنترنت كان صعباً جداً، إذ إنّ النظام كان يراقب كل الاتصالات. كنت أحدث أولادي دائماً عن أبي وأمي وأعمامهم، وها أنا اليوم بينهم من جديد. إنه شعور أشبه بالحلم. عاد الفرح إلى منزل سوري".
ويناهز عدد سكان محافظة اللاذقية مليون نسمة بحسب آخر الإحصائيات الرسمية. ورغم غياب الأرقام الرسمية حول عدد المهجرين من المحافظة خلال سنوات الثورة السورية، يؤكد الناشط الإعلامي في اللاذقية عبد الرحيم خضر، لـ"العربي الجديد"، أن مئات العائلات هجرت من اللاذقية رغم أن المنطقة لم تشهد عمليات عسكرية، موضحاً أن الكثير من الشبان والعائلات هجرت بتقارير كيدية وغير صحيحة، وكان الهدف إفراغ المدينة من المعارضين والشبان. يضيف: "مع سقوط النظام، عادت الحياة والدفء إلى المدينة. البعض يخطط الآن للعودة من أوروبا. لدينا أمل في أن تنهض سورية من جديد، على أن يساعد من كان في الخارج بما اكتسبه من خبرات".
إلى ذلك، ينتظر فراس عكاري، وهو مهجر سوري يقيم حالياً في النمسا، بفارغ الصبر فتح رحلات الطيران لزيارة عائلته في منطقة الحفة في ريف اللاذقية. ويقول لـ"العربي الجديد": "عادت الحياة لأجسادنا من جديد بعد خبر سقوط النظام. يومياً، أحلم باللحظة التي سأعود فيها إلى منطقتي لأضم عائلتي وأجتمع مع رفاقي. أشتاق إلى فنجان القهوة على ساحل اللاذقية، لمدرستي الابتدائية وتفاصيل صغيرة كنت أظنها لن تعود يومياً. عاد الأمل والروح إلينا بعدما أكلت الغربة أجسادنا وأرواحنا".
من جانب آخر، لا تزال آلاف العائلات النازحة في ريف اللاذقية الشمالي، والتي تقيم بمعظمها في مخيمات عشوائية على الحدود التركية، تنتظر العودة إلى قراها في جبلي الأكراد والتركمان بعدما دمرت معظم مساكنهم وأرزاقهم جراء العمليات العسكرية. ويقول غياث خليل، وهو من سكان بلدة سلمى بريف اللاذقية ويقيم حالياً في تركيا، إن البلدة تكاد تخلو من منزل غير مدمر ولا يستطيع حالياً العودة مع عائلته التي تقيم في مخيم عين البيضا بريف اللاذقية.
يضيف لـ"العربي الجديد": "أرغب بالعودة والالتقاء بعائلتي من جديد ولم شملنا، لكن الواقع صعب ولا قدرة لنا على إعادة بناء منزلنا. فرحتنا لا تزال منقوصة وهناك الكثير مثل حالتي. أتمنى أن تكون هناك إعادة إعمار سريعة لمناطقنا وألا تبقى منسية لأننا بحاجة للاجتماع من جديد".
ويقيم في مخيمات ريف اللاذقية نحو 40 ألف نازح لم يعد معظمهم إلى قراهم بسبب الدمار، ويعيشون في ظروف إنسانية صعبة في خيام عشوائية منذ أكثر من عشر سنوات. وكانت قوات النظام السوري قد شنت عملية عسكرية واسعة على قرى ريف اللاذقية الشمالي بدعم جوي روسي في نهاية عام 2015، وهجّر معظم أهالي جبلي الأكراد والتركمان في ريف اللاذقية إبان هذه الحملة.