مع بداية العطلة الصيفية في الأردن، يبدأ الأهالي بالبحث عن كيفية الاستفادة من هذه العطلة في تنمية مهارات أبنائهم وإشغالهم بأعمال أو أنشطة من خلال إلحاقهم بنواد صيفية بدلاً من البقاء في المنازل والاعتماد على الشاشات للتسلية. تمتد العطلة المدرسية من 26 يونيو/ حزيران وحتى 20 أغسطس/ آب للمدارس الحكومية ومدارس الثقافة العسكرية وتلك التابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى "أونروا"، وحتى 30 أغسطس للمدارس الخاصة، وهي فترة طويلة يجد بعض الأهالي أنفسهم خلالها في حيرة في ظل الأوضاع المادية الصعبة.
ويلعب الوضع المادي للعائلات الدور الأكبر في تحديد الخيار الأنسب لطريقة قضاء عطلة الأطفال، فيحظى أبناء أصحاب الدخل المرتفع بترفيه عالي الجودة في النوادي الصيفية، أمّا ذوو الدخل المحدود، فيقضي أبناؤهم عطلتهم أمام شاشات التلفزيون والأجهزة الإلكترونية، أو في الأزقّة للعب كرة القدم وغيرها من الألعاب، وقلّة يساعدون الأهالي في أعمالهم، وخصوصاً في الزراعة في الأرياف والبوادي.
تقول الأردنية عبير العمايرة لـ "العربي الجديد"، إن العطلة الصيفة تعد فرصة للطلاب للراحة والاستعداد للعام الدراسي الجديد. في المقابل، تزيد المسؤوليات على الأهل وخصوصاً الأمهات، موضحة أنّ لديها أربعة أولاد في المدارس الحكومية، وتجعلها العطلة الصيفية قلقة بشأنهم إذ تسعى إلى منحهم ما هو مفيد. تضيف: "خلال العام الدراسي ينهمكون في الدراسة وأداء الواجبات، ويكونون في مكان آمن هو المدرسة، إلا أن الأمور تختلف خلال العطلة الصيفية".
وتوضح أن دخل الأسرة لا يسمح لها بتسجيل أولادها في نواد صيفية، إذ يتطلب ذلك ما لا يقل عن 70 دينارا (حوالي 100 دولار) لكل واحد منهم لمدة شهر، مضيفة أنهم يلجؤون إلى الحل الأسهل والخيار المتوفر وهو الألعاب الإلكترونية ومشاهدة التلفاز والبقاء في البيت. تتابع: "للأسف، يتحكم المال في خيارات الناس، الأمر الذي ينعكس على الجيل الجديد. من يملك المال يضع أبناءه في أفضل المدارس الخاصة التي توفر بيئة ووسائل مختلفة عن المدارس الحكومية. ومن لا يملك المال يدرس أبناءه في مدارس حكومية، وهي لا توفر فرص الترفيه والتعليم التي تلبي الطموح بالمقارنة مع المدارس الخاصة". تضيف أنها "تحاول بعد العودة من العمل التحدث إلى أبنائها وتذكيرهم بدراستهم وتقديم النصائح لهم، في محاولة لعدم هدر الوقت خلال العطلة الصيفية".
أما ميساء العبادي، فتقول لـ "العربي الجديد" إنها سجلت أبناءها الثلاثة في ناد صيفي للتدرب على السباحة ورياضة الكراتيه بالإضافة إلى نشاطات أخرى وبكلفة 100 دينار (حوالي 140 دولارا) تشمل المواصلات، معتبرة أن العطلة الصيفية فرصة مناسبة للترفيه عن الأبناء وإكسابهم مهارات جديدة. وتشير إلى أن أبناءها يدرسون في إحدى المدارس الخاصة المناسبة لدخلهم، مضيفة أن تحصيلهم الدراسي جيد، الأمر الذي دفعها للتوجه إلى الأنشطة الرياضية لتعزيز ثقتهم في أنفسهم. تضيف أنهم يستغلون العطلة الصيفية للقيام ببعض الرحلات السياحية الداخلية، وهو أمر غير ممكن في أيام الدراسة في ظل ضغوط الواجبات المدرسية والالتزامات وغيرها.
بدوره، يقول إيهاب محمد، وهو والد لثلاثة طلاب، لـ "العربي الجديد"، إنه "بقدر ما تشكل العطلة الصيفية فرصة للطلاب للراحة، بقدر ما تسبب ضغطاً على الأهل، وخصوصاً عندما يكون الأب والأم يعملان". يضيف: "خلال العطلة، تكثر المشاجرات بين الأبناء، ويضطر الأهل إلى تسجيل أبنائهم في النوادي الصيفية حرصاً على إبعادهم قدر المستطاع عن الشاشات والألعاب الإلكترونية، على الرغم من أن التكاليف المادية تزيد أعباء الأسر، وخصوصاً أولئك الذين يقيمون في بيوت بالإيجار في ظل الارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات".
ويتمنى على الحكومة أن تراعي محدودي الدخل وتوفر نوادي صيفية أو نشاطات للطلاب خلال هذه الفترة، حتى لا يجد الأهالي أنفسهم بين أمرّين أحلاهما مرّ، كتسجيل الأبناء بالنوادي الصيفية أو تركهم بالمنازل من دون رقابة وعناية.
وفي سياق متصل، تقول المتخصصة في أصول التربية هبة أبو حليمة لـ "العربي الجديد"، إنّ العطلة الصيفية جزء مهم في حياة الطالب في مختلف المراحل الدراسية، موضحة أن مدتها كانت قبل جائحة كورونا تتراوح ما بين شهرين ونصف الشهر إلى ثلاثة أشهر. لكن للأسف، عملت وزارة التربية والتعليم الأردنية على تقليصها، ليعود الطلاب إلى مقاعدهم الدراسية في 20 أغسطس/ آب المقبل، الأمر الذي لا يتماشى مع الهدف التربوي من العطلة الصيفية.
تضيف: "بشكل عام، يواجه الطلاب في مجتمعاتنا ظروفاً صعبة ومتعبة كالواجبات المدرسية وبعض السلوكيات كالتنمر والإجهاد بسبب اليوم الدراسي الطويل، وأحياناً عدم تقبلهم للمناهج الدراسية، بالإضافة إلى المشاكل الاجتماعية والصعوبات الحياتية. لذلك، يحتاجون إلى العطلة الصيفية التي تعد ضرورة وليست ترفاً".
وترى أبو حليمة ضرورة أن تكون مدة الإجازة الصيفية مناسبة للطلاب من أجل الحصول على قسط كاف من الراحة لتنشيط عقولهم وزيادة قدرتهم على التركيز، والاستعداد للمرحلة الانتقالية والصعود إلى صف جديد، مشيرة إلى أن الجسم أيضاً يحتاج إلى الراحة. فالطلاب في الصفوف الأولى، الأول والثاني والثالث الأساسي، هم بمرحلة بناء الجسد، وبحاجة إلى قسط أكبر من النوم، وهو أمر غير متوفر وغير ممكن خلال أيام الدراسة والتي تتراوح من 9 إلى 10 أشهر.
وتوضح أن فترة 3 أشهر مدة مثالية لإعادة بناء عقل الطفل وانتقاله إلى الصفوف الأعلى، مضيفة أن استمرار الضغوط الدراسية يعطي أحياناً نتائج مخالفة، وهذا ما يعبر عنه الطلاب بالقول إنهم "لم يعودوا قادرين على الاستمرار، والعطلة فرصة لإعادة الرغبة بالدراسة لديهم".
وبحسب أبو حليمة، فإن محاولة إلزام الأطفال بالانضباط الدائم لا تتماشى مع فطرتهم وطبيعتهم، إذ يحب الأطفال الفوضى وعدم الانضباط، وهذه تفاصيل مهمة لنموهم الجسدي والعقلي. ويتوجب على الأهل محاولة تقسيم وقت الأطفال بين الألعاب الرياضية والإلكترونية وتنمية هواية المطالعة وربما العزف ومتابعة الفنون على التلفاز. وتشير إلى أن الخيارات المتعددة للطفل خلال العطلة الصيفية تجعله أكثر إقبالاً على الدراسة عند انتهاء العطلة الصيفية.
وترى أن طلاب المرحلة من السابع وحتى الأول الثانوي قد يشعرون بالملل والتعب، مؤكدة على أهمية تنظيم الوقت وخصوصاً أن الكثير من الطلاب قد يشعرون بالكسل. وهنا يجب على الأهل إعطاؤهم الدافع للعودة إلى الدراسة، مع ضرورة الحفاظ على القيم والسلوكيات الحسنة.
وتنصح الأهالي بتذكير الطلاب، وخصوصاً الأصغر سناً، بالأساسيات كالقراءة والكتابة والحفظ، بمعدل 3 إلى 4 حصص أسبوعياً، وتحفيز الأطفال على قراءة القصص، لافتة إلى أن بعض الطلاب ينسون كل ما تعلموه خلال العطلة الصيفية. وتقول: "يحرص الكثير من الأهالي على أن تتزامن الإجازة السنوية لهم مع العطلة الصيفية للطلاب، حتى يتمكنوا من قضاء الوقت معهم بعيداً عن انشغالات العمل والدراسة وغير ذلك". وتوضح: "هناك من يسجلون أبناءهم في النوادي الصيفية، وعلى الأهل مراعاة ميول أبنائهم الرياضية والفنية والثقافية، ومن الجيد أن يمارس الطلاب أنشطة تسهّل اكتشاف المواهب وتخلق الراحة النفسية لدى الطلاب".
وتنصح أبو حليمة الأهل بـ "مراعاة حاجات أبنائهم، وخصوصاً أنّ للعطلة الصيفية تأثيرا كبيرا على نشاط التلاميذ خلال العام الدراسي المقبل"، مشدّدة على أنّ لهذه العطلة "فائدة نفسية للأطفال الذين يشعرون بأنّ وقتهم ملكهم ويستطيعون اللعب والإتيان بما يرغبون به، بخلاف ما هو الحال خلال أيام الدوام المدرسي التي تكون مبرمجة بشكل شبه تام".