صرخات نازحي إدلب من المخيمات بلا مجيب

06 يناير 2025
لا تكفي المساعدات لسد احتياجات النازحين في مخيمات شمال إدلب (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعيش النازحون في مخيمات شمال إدلب في ظروف قاسية، حيث يفتقرون إلى فرص العمل والخدمات الأساسية، مما يجعل الحياة صراعاً يومياً للبقاء، خاصة في ظل البرد القارس ونقص المساعدات.
- يواجه النازحون تحديات في تأمين احتياجاتهم الأساسية، معتمدين على حلول مؤقتة للتدفئة تسبب مشاكل صحية، ويعاني الأطفال من الأمراض بسبب البرد ونقص الأدوية.
- يطالب النازحون بتحسين ظروف المعيشة وتوفير الدعم لإعادة إعمار المناطق الأصلية، حيث أن الحلول المستدامة هي المفتاح لإنهاء أزمة النزوح.

في وقت يتساءل كثيرون عن مستقبل سورية بعد أكثر من 13 عاماً على الحرب وسقوط نظام الأسد مؤخراً، تبقى المخيمات في شمال إدلب شاهداً حياً على مأساة مستمرة

يعيش النازحون في مخيمات شمال إدلب ظروفاً إنسانية واقتصادية صعبة، في ظل غياب فرص العمل في المخيمات. وحتى لو أراد البعض العودة إلى مناطقهم الأصلية، فإنهم يواجهون دمار البنية التحتية وانتشار مخلفات الحرب وغياب الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والتعليم، إذ دُمرت العديد من المدن والقرى التي كان يقطنها النازحون بشكل كامل خلال سنوات الحرب. وتعني العودة إلى تلك المناطق بدء حياة جديدة من الصفر، وهو أمر يفوق قدرات كثير من الأسر.
ويعاني النازحون جراء الفقر والبرد في خيام لا تحمي من المطر والرياح القوية. وتقول سناء المحمود، وهي أم لخمسة أطفال تعيش في خيمة مهترئة ضمن تجمع مخيمات قاح منذ سنوات، إن "البرد ينخر عظامنا"، مضيفة: "حين يهب الهواء البارد ليلاً، نشعر وكأننا نتجمد. ينام أطفالي على الأرض مباشرة. حتى البطانيات التي نملكها لا تكفي لتدفئتهم. حاولت أن أضع أكياس البلاستيك فوق الخيمة، لكن المطر يدخل إلينا من كل زاوية. الشتاء هنا كابوس لا ينتهي".
وتوضح أن "الجوع والبرد والنزوح أخطر من الحرب نفسها. على الأقل، كنا في قرانا نزرع أرضنا ونأكل مما تنتجه. الآن أعتمد على سلة غذائية لم نعد نراها. أطفالي يذهبون للنوم وهم جياع. أشعر بالعجز عن إنقاذهم مما هم فيه، وهذا أكثر ما يؤلمني". وتشير إلى أنها "تعيش شتاءً بعد آخر تحت رحمة الطبيعة، ومع كل موجة برد أو هطول مطر، تتضاعف المعاناة في خيام لا تصلح للسكن، وتتحول حياتها إلى صراع يومي من أجل البقاء".
من جهة أخرى، لم تعد المساعدات الإنسانية تكفي لسد احتياجات النازحين، خصوصاً مع ارتفاع أعدادهم وحدة البرد في فصل الشتاء، ما يدفع بعض العائلات إلى الاعتماد على حلول مؤقتة، مثل إشعال الحطب أو البلاستيك للتدفئة، وهو ما يسبب مشاكل صحية خطيرة نتيجة استنشاق الدخان السام.

من داخل مخيم حريتان شمال إدلب، يُوجه أحمد المنصور، أحد النازحين الذي لم يستطع العودة إلى قريته بعد تهدّم منزله، رسالة إلى المجتمع الدولي قائلاً: "أطفالنا يموتون ببطء. نحتاج إلى خيام معزولة ووسائل تدفئة ووقود. لا نطلب رفاهية. نريد أن نحمي أنفسنا وأطفالنا من الموت". يتابع: "لا أمل لدينا في العودة إلى قريتنا. بيتي دُمّر بالكامل، ولا توجد خدمات هناك. نعيش في خيمة بالكاد تقي أطفالنا البرد. الطعام قليل والعمل شبه معدوم. نحن لا نعيش ونحاول فقط البقاء على قيد الحياة. نحتاج لتوفير وقود التدفئة وتحسين البنية التحتية وتأمين الرعاية الصحية. هي أولويات لا يمكن تأجيلها". ويوضح أن المخيمات في شمال إدلب ليست مجرد أماكن إيواء مؤقتة، بل تحولت إلى ساحة للمعاناة الإنسانية، وما لم يتم الاستجابة لنداءاتهم ستبقى أرواح بريئة تدفع ثمن ظلم طال أمده.
ياسين الجنيد، وهو أب لأربعة أطفال، يروي لـ"العربي الجديد" عن يومياته في المخيم. يقول: "أعمل بالمياومة إن وُجد العمل، لكن الأجر لا يكفي حتى لشراء الخبز. أحياناً، لا أجد شيئاً أقدمه لعائلتي سوى الخبز اليابس الذي نجمعه من هنا وهناك". يضيف أن "للشتاء حكاية أخرى من المعاناة، وقد أصبح الوضع كارثياً. ويرتدي الأطفال ملابس رقيقة بالكاد تقيهم البرد، وحالات الالتهاب الرئوي ترتفع بشكل كبير، ولا توجد أدوية كافية، وما يُوزع من مساعدات على النازحين لا يغطي الحد الأدنى من احتياجات الناس المتزايدة، ولا يمكن حتى التفكير في شراء وقود للتدفئة. لذلك، نعتمد على إشعال قطع من القماش والبلاستيك، رغم الدخان الذي يملأ الخيمة ويؤذي صحة الأطفال".
ويمضي الجنيد أيامه خائفاً على أطفاله من المرض، فهو لا يملك ثمن العلاج. وعندما يهطل المطر تغرق خيمتهم في المياه، ويقضي الليل في محاولة إخراجها بالوعاء الوحيد الذي يملكه. لا يريد جنيد أن تبقى حياته على ما هي عليه وسط الإهمال والنسيان، حيث إن الاحتياجات أكبر من الموارد المتاحة، والعديد من النازحين يعتمدون على الجمعيات الخيرية أو التبرعات الفردية لتأمين احتياجاتهم الأساسية.
وفي إحدى زوايا المخيم الواقع على أطراف مدينة ترمانين، يعمل الشاب خالد الشيخ على إصلاح خيمته باستخدام أكياس بلاستيكية وقطع من القماش المهترئ. ويقول: "نحاول أن نتأقلم لكن البرد لا يرحم. كثير من الأطفال يمرضون، وبعضهم يفقد حياته. نحن بحاجة إلى تدخّل سريع يعيدنا إلى ديارنا التي تحولت إلى أطلال على يد نظام الأسد المخلوع".

مخيمات الشمال السوري (العربي الجديد)
الحياة في مخيمات الشمال السوري أشبه بمأساة مستمرة (العربي الجديد)

ويطالب الجهات المعنية والحكومة السورية الجديدة بتوفير الدعم لإعادة إعمار المناطق الأصلية للنازحين، ما يشجعهم على العودة تدريجياً، إذ أن الحلول المستدامة الجذرية والشاملة هي المفتاح الوحيد لإنهاء أزمة النزوح وإعادة الاستقرار إلى البلاد.
كما يطالب الجهات المحلية والدولية بوضع خطط لتحسين ظروف المعيشة داخل المخيمات على الأقل، من خلال تحسين البنية التحتية وتوفير فرص عمل للسكان. وتقول سميرة خليل، وهي مسنة تعيش في مخيم البركة شمال مدينة كللي: "لا نريد أن نموت في صمت. نحن بشر ومن حقنا العيش بكرامة. يكفي أن نعيش على صدقة الآخرين".
وتشير خليل إلى أن منزلها دمر بفعل القصف أو طاله الخراب بسبب سنوات الحرب الطويلة، وتقول بحسرة إن العودة إلى الديار تبدو مستحيلة، ليس فقط بسبب الدمار، بل أيضاً بسبب مخلفات الحرب والخوف من المستقبل المجهول. وبينما تنظر إلى صورة منزلها على الهاتف، تقول بحسرة: "هذا كان منزلي، وهذا زوجي وهؤلاء أبنائي. كل شيء اختفى في لحظة واحدة عندما قُصف الحي الذي كنا نسكن فيه وهجرنا. اليوم، أعيش هنا في هذه الخيمة مع ابني الوحيد الذي بقي لي، وحتى لو قررت العودة، كل ما أملكه هذه الصورة، فكيف أبدأ من جديد بلا مال ولا عزيمة".
من جهته، يقول مدير مخيم الوحلة شمال إدلب، خالد الحسون، لـ"العربي الجديد"، إن المخيم يعاني نقصاً حاداً في الدعم والخدمات الأساسية، وأهالي المخيم لا يطلبون المستحيل بل العودة إلى منازلهم فقط، وهو ما لا يمكن أن يتم من دون دعم لإعادة بنائها، خصوصاً أن معظم النازحين محتارون بتأمين قوت يومهم ولا يملكون المال، ولا توجد برامج حقيقية لإعادة الإعمار. وكل ما يسمعونه حتى الآن مجرد وعود. ويوضح أن الكثير من النازحين يتمسكون بحلم العودة رغم كل شيء. فالنازحون في إدلب ليسوا مجرد أرقام. هم بشر يحملون ذكريات وأحلاما، وينتظرون اليوم الذي يتمكنون فيه من العودة إلى ديارهم ليعيدوا بناء حياتهم التي دمرتها الحرب.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

ويبقى الوضع السائد في المخيمات معلقاً بالحلول السياسية والاقتصادية العاجلة؛ فإعادة إعمار المناطق المدمرة وتوفير الضمانات الأمنية هما السبيل الوحيد لتحقيق عودة النازحين. لكن حتى ذلك الوقت، ستظل خيام المخيمات مأوى لقصص الألم والأمل. 
ويؤكد فريق منسقو استجابة سورية مؤخراً، أن الأوضاع الإنسانية في مخيمات النازحين في شمال غرب سورية سيئة جداً، خصوصاً مع الانخفاض الكبير في درجات الحرارة. ويشير إلى العجز الكبير في تأمين مستلزمات النازحين في المنطقة وضعف تجاوب المنظمات العاملة، ما جعل خيارات السكان محدودة للغاية بين تأمين الغذاء أو مواد التدفئة لهذا العام.
ويؤكد البيان أن تجاهل معاناة النازحين خلال فصل الشتاء يعمّق الأزمة الإنسانية ويهدد حياة الآلاف، خصوصاً الأطفال والنساء وكبار السن. ويوضح أن المخيمات تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة. ومع غياب المساعدات الشتوية، تتحول المعاناة اليومية إلى كارثة إنسانية صامتة. ويرى الفريق أن دعم النازحين في المخيمات خلال فصل الشتاء هو مسؤولية أخلاقية وإنسانية يجب أن تتحملها جميع الأطراف الفاعلة، مشيراً إلى أن تحقيق استقرار مستدام يتطلب معالجة معاناة النازحين الحالية، وتوفير بيئة آمنة تسهّل عودة كريمة إلى مجتمعاتهم الأصلية.

المساهمون