يوماً بعد يوماً، يزداد الواقع المعيشي في المخيمات الفلسطينية في لبنان سوءاً. وفي ظلّ عدم قدرة كثيرين في مخيم عين الحلوة على شراء الثياب استعداداً لفصل الشتاء، عمدت إحدى الجمعيات إلى إطلاق مبادرة سوق زمن الخير لتأمين الملابس للمحتاجين
تعيش معظم العائلات الفلسطينية في لبنان وضعاً اقتصاديّاً صعباً في ظل عدم توفّر فرص العمل، وارتفاع سعر صرف الدولار، وباتت نسبة كبيرة منها غير قادرة على شراء الملابس استعداداً لفصل الشتاء. هذا الوضع دفع جمعية "هنا" إلى افتتاح سوق زمن الخير للملابس في مخيم عين الحلوة لللاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا (جنوب لبنان).
وحول المبادرة، تقول مديرة المشروع أم علاء: "نؤمّن ملابس جديدة أو مستعملة (أوروبية)، ونعرضها للبيع بأسعار زهيدة جدّاً؛ حتى يتمكّن الناس من شراء ثياب شتوية لهم ولأولادهم". تتابع: "يطاول المشروع فئتين؛ هناك عائلات لا تقبل أن تحصل على الملابس مجّاناً، من جراء ذلك، نبيع بعض الملابس ـبـ 500 ليرة لبنانية (0.33 دولار أميركي بالسعر الرسمي) أو ألف ليرة لبنانية (0.66 دولار بالسعر الرسمي)، لتأتي بعض العائلات وتشتري ما تراه مناسباً أو ما تحتاجه بسعر زهيد جداً. وتستمر هذه العروض نحو عشرة أيام".
أما الفئة الثانية، فيستفيد منها الأشخاص الذين لا يستطيعون شراء الملابس المستعملة ولو كان سعرها زهيداً جداً. "لدينا كشف بأسماء هؤلاء الأشخاص من خلال فريق العمل الذي يعمل في الجمعية. نوفر لهم الملابس التي يحتاجونها من خلال إعطائهم بطاقة تتضمن مبلغاً مادياً، يخولهم الحضور إلى مقر الجمعية واختيار ما يناسبهم من ملابس. وتتأمن قيمة القسائم الشرائية من خلال أشخاص ميسوري الحال يريدون التبرع إما مادياً من خلال وضع المال في صندوق الجمعية أو من خلال تقديم الملابس بشكل مباشر"، تقول أم علاء. تضيف أن هذا الصندوق يؤمن للأشخاص المحتاجين الملابس، ويساهم في توفير عمل لعدد من النساء ممن يتولين غسل وكي الملابس، وإصلاح الثياب، كتثبيت أزرار أو غير ذلك.
وتشير إلى أن "معظم الملابس المستعملة هي من دول أوروبية تصل إلينا من خلال أصدقاء متبرعين في الخارج. وكوننا جمعية مسجلة بشكل رسمي، نعفى من الجمارك خصوصاً أنها ستذهب إلى جهة معروفة. أما بالنسبة للملابس الجديدة، فنعمل على تأمينها من الخارج، مستفيدين من التخفيضات التي نحصل عليها نهاية كل موسم، وهذا المشروع يستمر خلال أيام معينة نحددها نحن، وحلمنا أن يكون لنا معرض دائم طوال أيام السنة"، تقول أم علاء.
أما أبو زياد، وهو من سكان مخيم عين الحلوة، ويبلغ من العمر 25 عاماً، فيقول: "كنت أعمل حداداً في السابق. لكن في ظل الظروف الصعبة التي أدت إلى تركي العمل، صرت أعمل سائق سيارة أجرة على سيارتي الخاصة حتى أؤمن مصاريفي. وبسبب وضعي الاقتصادي الصعب، قصدت المعرض، لأشتري منه ما يناسبني وما أحتاجه. والأسعار هنا تخولني شراء بعض الملابس الشتوية بعدما فقدت القدرة على شراء الملابس الجديدة من المحال في صيدا، بسبب ارتفاع أسعارها الخيالي".
أما أمينة السر والمشرفة على المشروع علا العلي (25 عاماً)، وهي لبنانية تقيم في صيدا (جنوب لبنان)، فتقول: "جاءت فكرة سوق زمن الخير بسبب الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها الناس في ظل ارتفاع أسعار السلع كافة. وبما أن الأسعار قد ارتفعت بشكل كبير، لم تعد عائلات عدة قادرة على شراء الملابس لها ولأولادها استعداداً لفصل الشتاء. ومن جراء ذلك، أطلقنا نحن الفريق الشبابي في الجمعية هذه الفكرة التي تساهم في تأمين ما يحتاجه الناس في الحد الأدنى، وتم التواصل مع العائلات خلال عملية الإحصاء التي قمنا بها، ونشرنا إعلاناً عن الحملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإلكترونية الموجودة والناشطة في المدينة". تتابع العلي: "يشهد سوق زمن الخير إقبالاً كبيراً، بعدما وزعنا القسائم الشرائية على الأشخاص الذين تعرّفنا إلى أوضاعهم، وقد بدأوا المجيء إلى المركز. لكننا نعمل في الوقت نفسه على مراعاة التباعد الاجتماعي. فالمركز لا يشهد ازدحاماً بسبب المواعيد المتفاوتة". أما الناشط ياسر أبو عمار، وهو فلسطيني نازح من الغوطة في سورية إلى لبنان منذ تسع سنوات، فيقول: "الأسعار في السوق تناسب جميع الناس الذين يعيشون ضائقة اقتصادية، ,الذين صارت أمامهم فرص العمل معدومة. واستطعت شراء الملابس التي أحتاجها لي ولأولادي بأسعار زهيدة وبجودة عالية، والأسعار هنا مشجعة ورمزية".
هذه المبادرة، بالإضافة إلى الكثير غيرها، تساعد العائلات القاطنة في المخيم على تحمل الواقع المعيشي الصعب، وتوفر لهم بعض الأساسيات من ثياب ومواد غذائية وغير ذلك، على أمل أن يتمكنوا من تحسين أوضاعهم المعيشية إذا ما تغيرت الأوضاع في لبنان.