سكان جنوب المغرب يقاومون "الحمان"

27 يوليو 2024
تضررت واحات جنوب المغرب بشدة من الجفاف (فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تحديات مناخية واجتماعية في جنوب المغرب**: يعاني السكان من ارتفاع درجات الحرارة، مما يزيد من مخاطر ضربات الشمس وانتشار العقارب والأفاعي، ويصعب الحصول على المياه الصالحة للشرب.

- **تأثيرات الحرارة على الحياة اليومية والهجرة**: تؤثر الحرارة الشديدة على الأنشطة اليومية وتدفع السكان للهجرة. السلطات تطلق حملات توعية لمواجهة الحرائق ولدغات العقارب، وتوفر الساحات العامة متنفساً ليلياً.

- **مبانٍ إيكولوجية وحلول محلية**: السكان يتعايشون مع الحرارة من خلال الشواطئ والمسابح، وتوفر القصور والقصبات حماية طبيعية. يدعو الخبراء إلى تأسيس صندوق لتعويض أضرار التغيرات المناخية.

يتعرض سكان جنوبي المغرب لارتفاع قياسي في درجات الحرارة، وسط مخاوف من تزايد التعرض لضربات الشمس، خاصة بين كبار السن والمرضى، فضلاً عن انتشار العقارب والأفاعي، ولا حلّ لدى معظمهم سوى التعايش والصمود في وجه واحدة من أكثر تداعيات التغير المناخي قسوة. 
يقف الإعلامي إسماعيل أيت حماد بين أشجار النخيل بمسقط رأسه بمدينة زاكورة (جنوب شرق)، مع اختفاء أشعة الشمس الحارقة وبدء حلول نسمات المساء، متأملاً الوضع الذي آلت إليه من جراء توالي سنوات الجفاف، ويقول لـ"العربي الجديد": "يحل فصل الصيف في ظل تحديات صعبة، أبرزها جفاف الواحات والأنهار التي شكلت على امتداد سنوات ملاذاً للسكان هرباً من درجات الحرارة المرتفعة". 
ينظر إلى "وادي درعة" بحسرة، مستذكراً أيام طفولته حين كان يسبح في مياهه رفقة أقرانه، وكانت الأشجار تظللهم، وثمارها الدانية تطعمهم، وتخفف المياه من وطأة الحر. يضيف: "ما يزيد الوضع سوءاً هو صعوبة الحصول على المياه الصالحة للشرب مع تجاوز الحرارة 40 درجة مئوية، وغياب فضاءات الترفيه والاستجمام يدفع الكثير من العائلات إلى التوجه نحو الحدائق أو المدن والمناطق الساحلية هرباً من القيظ". ويوضح أيت حماد أن "سكان مناطق الجنوب بدأوا يعودون إلى البنايات الطينية بسبب تكرار موجات الحر، فهي توفر جدرانا سميكة تقيهم من الحرارة، كما توفر التهوية الجيدة، وكأنها تكييف رباني، على عكس المنازل الإسمنتية التي تتحول إلى أفران خلال فصل الصيف".
أما أحمد المبرع فقد اختار حديقة شارع محمد الخامس بمدينة زاكورة للهرب من لهيب الشمس، ويقول لـ"العربي الجديد": "هذا الحر يبدو استثنائياً مع ما يرافقه من إعلان رسمي عن وفيات، ناهيك عن الواقع الصعب للجنوب المغربي الذي دفع السكان نحو هجرة اضطرارية في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية ومناخية صعبة حولت أرض التمور والخيرات إلى أراض قاحلة. يؤثر الحر على الأنشطة اليومية للسكان في زاكورة وغيرها من مدن الإقليم، ويلقي بظلاله على كبار السن والحوامل والمرضى". 
وتشمل التهديدات الحرائق التي التهمت أخيراً واحة درعة، وخطر لدغات العقارب والأفاعي، وغيرها من الأزمات التي تقض مضاجع سكان القرى والبوادي، بينما لجات السلطات المحلية إلى إطلاق حملات توعية تدعوهم إلى إزالة الأعشاب من أمام المنازل، والتزام الحيطة والحذر خلال ساعات القيظ. 

باتت كثير من واحات جنوب المغرب خاوية من السكان (فاضل سنا/فرانس برس)
باتت كثير من واحات جنوب المغرب خاوية من السكان (فاضل سنا/فرانس برس)

 

ما إن تغرب الشمس، حتى تتوجه أمينة تاوزيزت إلى ساحة الموحدين في ورزازات، عاصمة محافظة درعة تافيلالت، وتقول لـ "العربي الجديد": "هذا الفضاء هو خيارنا الوحيد في ظل عدم امتلاك أي إمكانيات للسفر، وهو يشهد رواجاً خلال فصل الصيف، ويحتفي بأنشطة تعكس ثراء وتنوع الموروث الثقافي التي تزخر به ورزازات". تضيف وهي تتمايل على نغمات فرقة "كناوة أولاد القصبة": "تخف وطأة الصهد ليلاً، كما أن الانسجام مع الجو ينسيني قليلاً تأثير درجات الحرارة المرتفعة على صحة والدتي المريضة بالسكري، وابني المصاب بالربو". 

تعايش مع "الحمان"


وتلامس الحرارة 50 درجة مئوية في مدينة آسا التابعة لإقليم آسا الزاك بجهة كلميم واد نون في جنوب المغرب، حيث يطلق السكان تسمية "الحمان" على الحر الشديد، و"أمياط" على الرياح الساخنة التي ترافقه، ويلوذون بشواطئ المدن القريبة أو المسابح التي تفتح للعموم. 
من مدينة آسا، يقول الناشط المحلي مصطفى بلكلايع: "الحمان في آسا لا يكاد ينفصل عن جغرافية وتاريخ سكانها الذين خبروا خلال سنوات طويلة كيفية مقاومته والتعايش معه وفق ما تتيحه إمكانياتهم. كانت گلميم قديما الوجهة الأكثر رفاهية لدى ساكنة المنطقة، لقربها ووجود الكثير من الأقارب والأصدقاء فيها، إضافة إلى مكانتها الرمزية عند أغلبية سكان إقليم آسا، لكن مع توالي السنوات، أضحت هناك وِجهات أخرى، منها سيدي إيفني، وشاطئ مير اللفت، وشاطئ أگلو". 
يضيف: "سكان الإقليم ممن تحتم عليهم ظروف العمل أو غيرها البقاء في المدينة، يجدون في ساحة (البراد) وكورنيش آسا متنفسا بعد أفول الشمس، ترافقهم كؤوس الشاي، ومشروب (گوفيا) المعد من طحين الشعير، إضافة إلى التردد على ساحة محمد السادس التي اُعيد تأهيلها أخيراً". 

مبان إيكولوجية تقاوم الحر


وليست الساحات والشواطئ والمسابح العمومية وحدها التي تعرف إقبالاً بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة، بل يتوجه سكان المناطق الجنوبية أيضا إلى القصور والقصبات المنتشرة، وخصوصاً في واحات درعة وتافيلالت، والتي تتميز بقدرتها على التكيف مع مناخ هذه المناطق الصحراوية، إذ تقي من الحرارة المرتفعة صيفاً والبرودة القارسة شتاء.

من جهته، يوضح رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ بالمغرب (غير حكومية) مصطفى بنرامل أن "هذه القصور والقصبات التي ينفرد بها الجنوب الشرقي، والتي بات معظمها يئن تحت وطأة التهميش وغياب الاهتمام، كانت مهيأة منذ آلاف السنين للتكيف مع الظروف المناخية، صيفاً وشتاء، لبراعة تصميمها الإيكولوجي الصديق للبيئة، واستخدام مواد بناء محلية تتلاءم مع خصوصيات المنطقة.
ويربط بنرامل موجات الحر التي تجتاح المغرب بظاهرة "إل نينيو"، وتأثيرها على المنظومة الإيكولوجية، سواء في ما يتعلق بتراجع النشاط الزراعي، أو تقلص مناطق الرعي، أو ندرة المياه، ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أن "قلة الموارد المائية، وتوالي سنوات الجفاف، وموجة الحرائق الأخيرة، كلها عوامل ساهمت في جعل العديد من واحات جنوب البلاد تفقد نخيلها، إضافة إلى زحف الرمال، ما أوصلها إلى فقدان عنصرها البشري الذي هاجر تحت وطأة الظروف الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية، لتصبح هذه الواحات أماكن مهجورة". ودعا المتحدث إلى تأسيس صندوق لتعويض أضرار التغيرات المناخية، ومساعدة المناطق المتضررة على استعادة منظومتها الإيكولوجية، والمساهمة في استقرار سكانها". 

المساهمون