استمع إلى الملخص
- **ترك الأطفال حديثي الولادة في الشوارع يشكل خطراً جسيماً على حياتهم، والقانون العراقي يشجع على تبني مجهولي القيد.** الباحثة داليا السامرائي تشير إلى دور العادات والتقاليد والفقر في هذه الظاهرة.
- **المسؤولية تقع على عاتق الجميع، بما في ذلك الجهات الرسمية، التي يجب عليها إعداد خطة توعوية شاملة وتأكيد أهمية حياة كل طفل حديث الولادة.** الناشط عباس السعيدي يؤكد على ضرورة تشديد الرقابة وتوفير الدعم للأسر.
يتكرر في العراق الإعلان عن العثور على أطفال حديثي الولادة في الشوارع والأماكن العامة من قبل المارة أو رجال الأمن. وتنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي صور لهم مع تعليقات غاضبة وأخرى حزينة، وخصوصاً أن بعض هؤلاء يكونون قد توفوا من جراء البرد أو سوء التغذية.
ولا يقتصر الأمر على مدينة أو محافظة دون أخرى، الأمر الذي دفع بعض المستشفيات إلى رفض استقبال حالات ولادة لنساء دون وجود الزوج أو الأب أو الأخ، بعد تسجيل هروب بعض الأمهات من المستشفيات دون أخذ الطفل. والأسباب عديدة، منها الفقر والضغوط الاجتماعية المتعلقة بإنجاب مواليد إناث، إضافة إلى الخوف من العقوبة في حال الحمل خارج إطار الزواج.
ويشكل ترك الأطفال حديثي الولادة على الطرقات خطراً جسيماً على حياتهم، وقد يصابون بالأمراض، وربما تنهشهم الحيوانات الضالة كالكلاب، كما قد يؤدي لاحقاً إلى استغلالهم من قبل عصابات التسول. في حين لا توفر الجهات الحكومية إحصائيات تتعلق بالحالات التي تسجل بشكل متكرر، لكن وسائل الإعلام المحلية تعتمد في أخبارها على المصادر الأمنية.
يقول ضابط برتبة نقيب لدى وزارة الداخلية العراقية فضل عدم الكشف عن اسمه، لـ "العربي الجديد" إن "البلاغات المتعلقة بالعثور على أطفال حديثي الولادة مستمرة وموجودة في غالبية المحافظات، لا سيما العاصمة بغداد".
ويلفت إلى أن بعض هؤلاء الأطفال يُعثر عليهم موتى، وآخرين في حالة صحية متردية، مؤكداً أن "من يلقون هؤلاء الأطفال يختارون أماكن يصعب من خلالها تعقبهم، ولا تتوفر فيها كاميرات مراقبة. القانون يشجع على تبني مجهولي القيد من قبل المواطنين من دون أن يتم نسبهم إليهم، ويسمح لدور الحضانة باستقبالهم بعد اتخاذ إجراءات قانونية".
وتقول الباحثة الاجتماعية داليا السامرائي، لـ "العربي الجديد"، إن الأسباب التي تدفع الأم إلى التخلي عن طفلها وتركه في الشارع تتعلق غالباً بالعادات والتقاليد ونظرة المجتمع إلى المرأة. وتصف الأمر بـ "المأساوي والمعقد" في ظل وجود عوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية، أبرزها الفقر والضغوط الاقتصادية. تلفت السامرائي إلى ازدياد الفقر في العراق، ما يؤثر بشكل كبير على سلوك الأفراد. ويصعب على عائلات كثيرة توفير الرعاية اللازمة للأطفال، ولا تستبعد أن تؤدي الضائقة المالية إلى اتخاذ قرارات مأساوية مثل التخلي عن الطفل أملاً بأن ترعاه عائلة أخرى توفر له حياة أفضل.
وتؤكد أنها تعرف أسراً عدة غير قادرة على تحمل تكاليف الرعاية الصحية اللازمة للأم والطفل خلال فترة الحمل والولادة، فضلاً عن سبب آخر تصفه بـ "الخطير"، ويتعلق بالقيم والعادات والتقاليد، مبينة أن المجتمع العراقي في غالبيته عشائري ونسبة مرتفعة متعصبة لتقاليد موروثة.
تضيف: "تضطر الفتاة إلى إلقاء مولودها من دون أن يعرف أهلها بحملها من جراء زواجها سراً أو لحملها من دون زواج. وفي بعض الأحيان، يجبر الأهل الأم على التخلي عن مولودها بعد الولادة، أو يقتلون الأم ويرمون الجنين". كما تذكر الباحثة الاجتماعية أن "بعض النساء يمارسن الدعارة ويرمين مواليدهن ليس خوفاً من عائلاتهن، إذ إن كثيرات منهن بلا أسر، لكنهن لا يفضلن أن ينشغلن بتربية أبناء". وتؤكد ضرورة التصدي لهذه الأسباب وتوفير الدعم اللازم للأسر والأمهات لمنع حدوث مثل هذه الحالات المأساوية وحماية حقوق الأطفال، مشددة على أن "التصدي لها مسؤولية الجميع بما فيهم المدارس والجامعات والإعلام والمنظمات والجهات الرسمية".
وفي شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، كشفت شرطة بغداد عن العثور على طفل داخل كيس للنفايات في إحدى مناطق شرقي العاصمة. وفي شهر فبراير/ شباط الماضي، عثر على طفلين حديثي الولادة في منطقتين بالعاصمة.
يقول الناشط في مجال حقوق الطفل عباس السعيدي، لـ "العربي الجديد"، إن رمي الأطفال حديثي الولادة له أبعاد أخرى تظهر بعد سنوات، مؤكداً أنه شارك في إعداد أبحاث ودراسات وتقارير لجهات حكومية وإعلامية وحقوقية وإنسانية تتحدث عن مخاطر الأمر. ويوضح أن "بعض الجهات تستغل هؤلاء الأطفال وتتاجر بهم من خلال الاستعانة بهم للتسول". يضيف: "ينشأ هؤلاء الأطفال وهم لا يعرفون سوى عالم التسول. وهذا العالم يرتبط أيضاً بالممنوعات والإجرام".
ويؤكد السعيدي أن ما ذكره جزء يسير من العواقب التي تترتب على إلقاء المواليد الجدد في الشوارع، لافتاً إلى أن الجميع يجب أن يمارس دوراً في التوعية المجتمعية حول هذه الظاهرة ونتائجها من خلال ورش عمل وفعاليات مختلفة تتولاها المنظمات المدنية والحكومة على حد سواء.
ويرى أن المسؤولية تقع على عاتق الجميع بمن فيهم الجهات الرسمية، التي يجب عليها إعداد خطة توعوية شاملة للمجتمع وتأكيد أهمية حياة كل طفل حديث الولادة، من خلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، لنشر الوعي وتعزيز القيم الإنسانية. ويؤكد ضرورة تشديد الرقابة على المرافق الطبية لمنع حدوث حالات رمي الأطفال وتطبيق عقوبات رادعة بحق مرتكبيها، ووجوب توفير الدعم النفسي والاجتماعي والاقتصادي للأسر والأمهات اللواتي يواجهن صعوبات في رعاية أطفالهن.