شواطئ مصر... الأزمة الاقتصادية تحرم كثيرين الاصطياف

27 يوليو 2024
قررت عائلات كثيرة تقليل فترة الاصطياف بسبب الغلاء (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تأثير الأزمة الاقتصادية على المصايف**: ارتفاع أسعار الشقق والفنادق في المدن الساحلية دفع الأسر المصرية للبحث عن بدائل أقل تكلفة أو تقليص مدة الإقامة، مما أثر على تقاليد المصيف السنوية.

- **تجارب الأسر المصرية**: العديد من الأسر واجهت صعوبة في العثور على وحدات سكنية تتناسب مع ميزانياتها، مما اضطر البعض لتقليص مدة الإقامة أو إلغاء خطط المصيف، وحتى المبيت في الشوارع.

- **الساحل الشمالي والتفاوت الاجتماعي**: الساحل الشمالي أصبح وجهة للأثرياء فقط، بينما تحاول الإدارة المركزية للسياحة والمصايف بالإسكندرية توفير شواطئ مجانية وأخرى بأسعار متفاوتة للجميع.

فرضت الأزمة الاقتصادية والضغوط المعيشية على الكثير من المصريين نمطاً مختلفاً لقضاء إجازة الصيف بسبب الغلاء غير المسبوق وارتفاع أسعار الشقق والوحدات المصيفية والفنادق في غالبية المدن الساحلية، خلال العام الحالي. ويعتبر المصيف عادة سنوية لدى غالبية المصريين. هؤلاء يسعون إلى قضاء الإجازة الصيفية في إحدى المدن الساحلية التي يرتادها المصطافون من كل الفئات والطبقات الاجتماعية، وتتفاوت أسعارها بحسب أماكنها ومستوى الخدمات المقدمة.
ومع بداية كل صيف، تأمل آلاف الأسر المصرية في الحصول على عروض مميزة في المصايف بما يتناسب مع ميزانياتها البسيطة لقضاء وقت ممتع على الشواطئ، وخصوصاً مع الارتفاع الكبير في درجات الحرارة. وشهدت البلاد زيادة متتالية وقياسية في أسعار السلع والخدمات منذ بداية العام الحالي، بسبب ارتفاع معدلات التضخم، وتراجع قيمة الجنيه، ونقص الاحتياطي الأجنبي.

قضايا وناس
التحديثات الحية

جابت أسرة الأربعيني أحمد عبد الجواد مناطق الإسكندرية المختلفة بحثاً عن وحدة سكنية تتناسب مع ميزانيتها المحدودة، لقضاء 7 أيام هرباً من الروتين اليومي، إلا أن الأسعار المرتفعة شكّلت عقبة كبيرة، فإيجار الشقق المطلة على البحر أو القريبة منه يفوق قدرتها المالية. يقول عبد الجواد لـ"العربي الجديد": "اعتدت وأسرتي قضاء العطلة الصيفية كل عام بمدينة الإسكندرية، للاستمتاع بالرمال وأصوات الأمواج، هرباً من ضغوط الحياة اليومية. فوجئت بارتفاع كبير في أسعار الوحدات المصيفية والفنادق منخفضة المستوى. حاولت دون جدوى إقناع أسرتي بإلغاء فكرة السفر والاكتفاء بالتنزه في أماكن بديلة، وبعد الكثير من البحث، قررنا تغيير الخطة، وقضاء ثلاثة أيام فقط بدلاً من البقاء أسبوعاً لعدم قدرتنا على دفع المبالغ المالية المطلوبة".
الموقف نفسه تعرّض له جابر حسنين (41 سنة)، وهو موظف. يقول إنه استطاع الحصول عن شقة تلائم احتياجاته في منطقة ميامي شرقي الإسكندرية، بعدما استعان بالعديد من الوسطاء الذين أكدوا بدورهم أن بدلات إيجار الوحدات المصيفية ارتفعت بشكل كبير هذا العام، وأن سعر الليلة الواحدة يتراوح ما بين 1000 جنيه (الدولار يساوي 48 جنيهاً) و10 آلاف جنيه، بحسب جودة الخدمات بها التي تختلف أيضاً تبعاً للمنطقة، ومدى قربها أو بعدها عن الشاطئ.
يضيف في حديثه لـ"العربي الجديد": "قررت اصطحاب أسرتي المكونة من زوجتي وابنين بغرض قضاء المصيف السنوي المُعتاد. وعلى الرغم من ادخار مبلغ أكبر من العام السابق، فإن ارتفاع أسعار الشقق المصيفية، وغيرها من الخدمات على الشواطئ، كان أكبر، وبالكاد استطعنا مواكبته. طاول الغلاء كل شيء، وخصوصاً تكاليف المعيشة والسلع الأساسية". ويشير إلى أن الكثير من المصطافين يلجؤون إلى المبيت في الشوارع وأمام الشواطئ حتى الصباح لعدم قدرتهم على دفع أكثر من 1200 جنيه إيجاراً يومياً لأقل الوحدات المصيفية لناحية المساحة والمستوى، لكننا قررنا العودة.

 

ارتفاع الأسعار


أما نجاة عبد الرحمن، وهي أم لثلاثة أبناء، فتقول إنها "مأساة أن نجد أنفسنا غير قادرين على قضاء الإجازة الصيفية مثل كل عام، بسبب ارتفاع الأسعار". وتشير إلى أنها قررت إلغاء الذهاب إلى القرى السياحية بالساحل الشمالي مثل العام الماضي، بعدما تضاعف سعر الإقامة فيها، واستبدالها بمكان أقل كلفة، بعدما استطاع زوجها الحصول على قرض من خلال أحد المصارف، بضمان وظيفته، وسيقوم بتسديده على أقساط".
فيما قرر محمد عبد الحافظ (49 سنة) من محافظة المنوفية، إلغاء المصيف هذا العام، الذي تحول كما يقول إلى نوع من الرفاهية والاكتفاء برحلة يوم واحد إلى الإسكندرية، لترشيد النفقات بعد إنفاق ميزانية الأسرة على الدروس الخصوصية. يضيف: "لم تعد في مصر مصايف شعبية أو للغلابة، كما في الماضي، وأصبحت لمن هو قادر على الدفع. بالتالي، اختفت معظم الشواطئ المجانية التي كانت متنفساً لمحدودي الدخل. لماذا يجب أن يكون الاستمتاع بالشاطئ والبحر حكراً على الأثرياء فقط؟ هذا يعد تمييزاً اجتماعياً واضحاً. فقط الأثرياء يمكنهم الاستمتاع بالبحر بينما تُسْتَبْعَد العديد من العائلات العادية".
ولا ينكر أحد سماسرة طريق الكورنيش بالإسكندرية فتحي محمود ارتفاع أسعار المصايف هذا العام مثل كل شيء في مصر، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن أسعار الوحدات المصيفية شهدت ارتفاعاً قياسياً بسبب الإقبال الكبير، فضلاً عن التكاليف التشغيلية المرتفعة للمنشآت السياحية، مثل الصيانة والتشغيل والأجور. مضيفاَ: "شقق المصايف لا تستخدم طوال العام، ويقتصر تأجيرها على فترة الصيف، ومع ارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات قرر أصحابها تحقيق الاستفادة القصوى من تأجيرها عبر رفع الأسعار، وبنسب وصلت إلى الضعف في بعض الأحيان، الأمر الذي شكّل صدمة لكل من كان يتوقع زيادات طفيفة مقارنة مع أسعار العام الماضي".

يطلب الكثير من مؤجري الشاليهات مبالغ بالعملة الأجنبية (العربي الجديد)
يطلب الكثير من مؤجري الشاليهات مبالغ بالعملة الأجنبية (العربي الجديد)

الساحل الشرير


وتستقبل القرى والمنتجعات السياحية في الساحل الشمالي على أطراف مدينة الإسكندرية الغربية، أثرياء المصطافين من جميع المحافظات، حيث التجهيزات الشاطئية على الطراز الأوروبي، ومحلات المأكولات والملابس العالمية. فالمنطقة بدءاً من الكيلو 125 وحتى ما قبل مرسى مطروح، يطلق عليها المصريون اسم "الساحل الشرير"، بسبب الارتفاع المبالغ فيه في الأسعار المصايف.
ويقول رجل الأعمال إيهاب كمال، إن الكثير من مؤجري الشاليهات في الساحل الشمالي يطلبون الإيجار بالعملة الأجنبية، ولا يرضون بالجنيه المصري، كما أن بعض المحال التجارية أيضاً تبيع السلع العادية من أغذية وألعاب وملابس البحر بالدولار. ويضيف: "أسعار الشواطئ في الجزء الأول من الساحل الشمالي، بدءاً من الكيلو 21 وحتى الكيلو 100 تقريباً لا تزال في متناول كثير من المصريين، ولكن الأسعار في الجزء الثاني تعتبر فوق طاقة غالبية المواطنين. يستطيع كثيرون الحصول على موطئ قدم على شاطئ الساحل الطيب، لكن الحال ليس كذلك في الجزء الشرير الذي يستقطب طبقات ليس من بينها بالتأكيد الطبقات الوسطى أو الفقيرة".
ويقول خبير الاستثمار السياحي والفندقي، أشرف فرحات، لـ"العربي الجديد"، إن ارتفاع أسعار بدلات إيجار الوحدات المصيفية يشكل تحدياً مالياً لدى غالبية الأسر المصرية، ويعد عائقاً أمام العديد من السياح، ما يجبرهم على البحث عن بدائل أو وجهات أخرى بأسعار أقل، وهذا أمر يشكل تحدياً كبيراً أمام الاستثمار السياحي في مصر. ويشير إلى أن الإسكندرية تتحمل أكبر من طاقتها في كل صيف، بعدما وصلت نسب الإشغال إلى 100% في بعض الأحيان، على الرغم من ارتفاع أسعار الخدمات السياحية. وأنه يجب على الدولة العمل على زيادة الطاقة الفندقية، إلى جانب توعية المصطافين بتنويع وجهاتهم، وذلك لمصلحتهم ومصلحة أبناء المدينة الذين يعانون من جراء الازدحام، وارتفاع الأسعار في كل صيف.
ويقول مدير إحدى شركات التطوير العقاري، المالكة لقرى في الساحل الشمالي، والذي رفض ذكر اسمه. يقول: "بعض المدن الساحلية، ومنها الإسكندرية، بدأت مؤخراً جذب فئات السياحة الشعبية، بينما تتجه الفئات الأعلى إلى الساحل الشمالي، على الرغم من نقص أعداد الفنادق، والاعتماد على القرى السياحية. أسعار تأجير الشاليهات في الساحل الشمالي تبدأ من 10 آلاف جنيه يومياً، بخلاف أسعار دخول الشواطئ وقضاء حفلات السمر وغيرها، وهو ما يجعل قضاء الأسرة أسبوعاً يحتاج إلى ما لا يقل عن 150 ألف جنيه".

يضيف: "اعتدنا البدء في تلقي طلبات الحجز للوحدات المصيفية وغيرها من الغرف الفندقية خلال شهر مايو/ أيار وبداية يونيو/ حزيران من كل عام، إلا أن غالبية الأسر تطلب في العام الحالي رحلات اليوم الواحد هرباً من ارتفاع الأسعار بشكل كبير. هذه الأسعار بالتأكيد لا تدفعنا لاستهداف كل الطبقات، بل نركز على الطبقات المرتاحة". 

من جهته، يقول رئيس الإدارة المركزية للسياحة والمصايف بالإسكندرية، محمد عبد الرازق، إن الإدارة تحرص على توفير فرص التصييف للجميع، بصرف النظر عن المستوى المالي والاجتماعي للأسرة. يضيف أن أسعار الشواطئ هذا العام لا تختلف عن العام الماضي، كما يتم التصدي بكل حزم لمواجهة فرض رسوم زيادة على الخدمات المقدمة. يضيف في حديثه لـ"العربي الجديد": "الإسكندرية على مر الزمن هي المقصد الأول لقضاء فترة المصيف لغالبية المصريين باختلاف مستوياتهم، ونسعى لتحسين مستوى الشواطئ المجانية والشواطئ ذات الأسعار المنخفضة، بالإضافة إلى تشديد الرقابة على الشواطئ مرتفعة الأسعار لمنع استغلال المصطافين".
ويوضح: "ندير بعض الشواطئ بشكل مباشر، ونؤجر بعضها لمستثمرين، ونحرص على توفير شواطئ مجانية وأخرى بأسعار متفاوتة، وهو ما يتيح الفرص للجميع للاستمتاع بالشاطئ". ويلفت عبد الرازق إلى ارتفاع نسب إشغال الشواطئ في الإسكندرية بنسبة تتجاوز نحو 90% بقطاعيها الشرقي والغربي. ووصلت في بعض الأحيان إلى 100%، خصوصاً أيام الجمعة والعطلات الرسمية، مؤكداً استمرار الحملات التفتيشية على الشواطئ، والتصدي لأي مخالفات، وذلك للتأكد من سعر الدخول، وحسن معاملة الرواد، وضبط أية مخالفات.

المساهمون