خيارات النجاة... شاطئ بحر غزة ملاذ أخير للمهجرين

15 يوليو 2024
خيام ملاصقة للبحر في دير البلح (مجدي فتحي/Getty)
+ الخط -

تتزايد أعداد النازحين في بعض مناطق قطاع غزة في ظل استمرار التهديدات الإسرائيلية وتكرار المجازر، ويحاول كثيرون الابتعاد عن الزحام والهروب من التجمعات التي تجعلهم عرضة للمخاطر أو القصف، ومن بين الوجهات الأبرز إقامة خيام على شاطئ البحر مباشرة، رغم تعرض منطقة الشاطئ لقصف خلال الشهر الماضي.
وتنتشر الخيام على طول الساحل في مناطق غربي القطاع، خصوصاً ما بين غربي منطقة المواصي وصولاً إلى منطقة مخيم النصيرات، رغم أن الخيام الملاصقة للبحر تتعرض في بعض الأحيان للغرق نتيجة المد والجزر، ما يدفع أصحابها لوضع سواتر رملية لحمايتها.
ويوجد العدد الأكبر من النازحين في منطقة المواصي ومدينة دير البلح وبلدة الزوايدة وبعض مناطق مخيم النصيرات، وهي مناطق مكتظة يعاني سكانها ظروفاً صعبة مع مرور الأيام في ظل عدم دخول المساعدات واستمرار إغلاق المعابر الذي يمنع آلاف الشاحنات من دخول القطاع، فضلاً عن المعاناة بسبب انهيار المنظومة الصحية رغم الأعداد الكبيرة للجرحى والمرضى.
نزح مؤمن نوفل إلى المواصي، ونصب خيمة في المنطقة المطلة على جامعة الأقصى، لكن مع تزايد الأعداد وتلاصق الخيام، قرر نقل خيمته إلى الشاطئ هرباً من الزحام ومن النفايات المتراكمة، وأملا في الحصول على بعض الأمان رغم تيقنه من أنه لا مكان آمناً في قطاع غزة.
يقول نوفل لـ"العربي الجديد": "بعد قضاء ليلتين في خيمة بالقرب من شاطئ البحر لم أشعر بأن الحال مختلف كثيراً عن البقاء في خيمة بمناطق الزحام، لكن يرضيني قليلاً التفكير بأنني أشاهد البحر طوال الوقت. أي قصف إسرائيلي يحصل في مناطق الخيام المكتظة بالمواصي يوقع الكثير من الضحايا،  لكن المكان هنا غير مكتظ كثيراً. نعيش في سجن، ونهرب إلى زاوية منه في كل يوم، والسجان يصطادنا بكل سهولة".

يقع أكبر تجمع للخيام المطلة على الشاطئ بين دير البلح وبلدة الزوايدة

يضيف: "الرطوبة مرتفعة، لكن صوت الأمواج يبعث بعض الراحة، والوجود على الشاطئ يمثل أملاً أخيراً ومحاولة لكي يتناسى أطفالنا مشاهد الموت التي طالعوها في المجزرة الأخيرة. كنت أخاف أن يقصفنا الاحتلال في المواصي فيدفن أحد أفراد أسرتي تحت الرمال ويموت بهذه الطريقة، وقد حصل هذا أخيراً مع عدد من النازحين، وهذا ضمن الأسباب التي دفعتني للانتقال".
ودمرت المجزرة الأخيرة أكثر من 20 خيمة من خيام النازحين، ما دفع العديدين منهم للتوجه نحو مخيم النصيرات ومخيم دير البلح، والباقون اتجهوا إلى الشاطئ. من بين هؤلاء محمد الشنطي، الذي دمرت خيمته بسبب شدة القوة التدميرية للقصف، لكن من حسن حظه أنه استطاع إخراج ما تبقى منها من تحت الرمال التي غمرتها وأصلحها قدر استطاعته، لكنها أصبحت رديئة للغاية، فقرر نقلها إلى شاطئ البحر، ونصبها على مقربة من المياه، لكن الأمواج سرعان ما أغرقتها، فنقلها إلى الخلف قليلاً حتى لا تغرق مجدداً.

الصورة
يهرب النازحون بخيامهم من الزحام إلى الشاطئ (مجدي فتحي/Getty)
يهرب النازحون بخيامهم من الزحام إلى الشاطئ (مجدي فتحي/Getty)

يقول الشنطي لـ"العربي الجديد": "لو كنت أملك قارباً لقررت العيش فيه مع عائلتي داخل البحر من دون تردد، فالظروف القائمة تحتم علينا الابتعاد عن التجمعات قدر الإمكان، والاحتلال أجبرنا على الوجود في منطقة محددة، وهو يرغب في قتلنا جميعاً، ولهذا يكرر تلك المجازر المروعة. البحر كان دائماً رحيماً بنا كوننا نعيش حصاراً إسرائيلياً مطولاً، وهو متنفسنا الوحيد، ونهرب إليه في كل وقت، فنشكو إليه همومنا، ونستريح عندما نجلس أمامه، لكن في الكثير من الأحيان نسمع أصوات البوارج الحربية التي تقصف مناطق المنطقة الشمالية ومدينة رفح، وتكون الأصوات مرعبة، ونشعر بالقلق من أن تلاحقنا المجازر على الشاطئ بأي حجة".
يضيف: "القلق يلاحقنا على شاطئ البحر، وهو حاضر لأن أعداد الناس تتزايد كل يوم، فالشاطئ هو الملاذ الأخير بالنسبة لنا، ولا تزال فيه مساحات فارغة لنصب الخيام، لكن التربة لا يمكن الاعتماد عليها لتركيز الخيمة فيها، ولو كان العيش في السماء متاحاً لذهبنا إلى السماء، وكل يوم ندعو الله أن يعمي أعينهم عنا، فنحن لا نريد سوى الأمان".
ويعتبر أكبر تجمع لخيام النازحين المطلة على شاطئ البحر هو الكائن بين مدينة دير البلح وبلدة الزوايدة، لأن تربة الشاطئ في تلك المناطق أكثر تماسكاً، وجرت إقامة الكثير من الخيام فيها، بعضها جلدية وأخرى خشبية، وأخرى مصنوعة من أغراض جمعها النازحون، تضم الأقمشة وأكياس البلاستيك وأكياس المساعدات الإنسانية.
استطاع عامر عزام صناعة خيمة مكونة من الخشب وبعض القطع الجلدية التي وضعها على السقف مع أكياس بلاستيكية للتغطية بسبب عدم توفر أي من المواد الخام لصناعة الخيام في الأسواق، وعدم توفر الخيام ضمن المساعدات الشحيحة التي تصل، والتي كانت في السابق تضم بعض الخيام، أو وسائل صنع الخيام، قبل أن يتوقف دخولها قبل أكثر من شهرين مع بدء العملية العسكرية على مدينة رفح، والتي جرى خلالها احتلال معبر رفح في السادس من مايو/ أيار الماضي.

يقيم عزام على شاطئ بلدة الزوايدة في وسط القطاع بالقرب من مدينة دير البلح، وهو يعيش أوضاعاً صعبة بسبب نقص الغذاء، فهو لا يملك المال لشراء الطعام، وفي السابق كان يرفض نقل خيمته إلى شاطئ البحر حتى يبقى في التجمعات القريبة من المؤسسات والهيئات الدولية التي توزع المساعدات، لكنه قرر نقلها بسبب مخاطر الوجود في وسط الزحام. ويقول لـ"العربي الجديد": "الظروف دفعتنا للاختيار بين الخطير والصعب،  فاخترت الصعب، وهو الإقامة في خيمة على الشاطئ بعيداً عن التجمعات. أحاول توفير الأمان لأطفالي وإبعاد القلق عنهم، رغم اقتناعي بأننا نعيش في حرب إبادة يبحث خلالها الاحتلال عن أي مبرر لقتل أكبر عدد منا".
يضيف: "عندما نصبت الخيمة على شاطئ البحر شعرت بالسعادة، وهذه ربما المرة الأولى التي أشعر فيها بالسعادة منذ بداية العدوان. كل ما يهمني هو سلامة أطفالي الأربعة، وجميعهم مصابون بصدمات نفسية، وقد نجونا من عدة مجازر في مدينة رفح، ونزحنا بصعوبة، واستشهد العديد من أفراد العائلة، ونحن اليوم أمام الشاطئ نحاول إلهاء أنفسنا، ونمسك بالهواتف لنتابع الأخبار مترقبين الهدنة، ونأمل انتهاء الحرب قريباً".

المساهمون