لم يوقف ضباط الاحتلال الإسرائيلي حربهم الشخصية وتهديداتهم ضدّ الأسيرة الفلسطينية حنان البرغوثي - أم عناد (59 عاما)، حتى في اللحظات الأخيرة قبيل الإفراج عنها في الدفعة الأولى من صفقة التبادل، الجمعة، وهي المعتقلة الإدارية بلا تهمة أو محاكمة، حالها كحال أبنائها الأربعة المعتقلين إدارياً.
صحيح أن اعتقالها من مسقط رأسها بلدة كوبر شمال غرب رام الله، وسط الضفة الغربية، كان في الرابع من سبتمبر/ أيلول الماضي، وتلاه بأيام إصدار أمر اعتقال إداري بحقها لأربعة أشهر قابلة للتمديد، لكن قصتها مع السجون تعود إلى العامين 1977 و1978، حين اعتقل شقيقاها المناضل الراحل عمر البرغوثي (أمضى في السجون الإسرائيلية 35 عاما)، وعميد الأسرى نائل البرغوثي (قضى ما مجموعه 44 عاما في السجون)، وبعدها بسنوات، اعتقالها لاثنتين وسبعين ساعة خلال مسيرات مساندة للأسرى في مدينة القدس، ومنذ ذاك الحين، أصبحت السجون وجهة دائمة لها لزيارة أشقائها ووالدها ولاحقا أبنائها، وأصبحت من أهم الناشطات في حراك دعم الأسرى.
بصوت مبحوح بعد يومين حافلين بالمقابلات الصحافية، تروي البرغوثي لـ"العربي الجديد" اللحظات الأخيرة قبل الإفراج عنها ضمن صفقة التبادل بين المقاومة في غزة والاحتلال، التي تقضي بالإفراج عن 50 من المحتجزين لدى حركة حماس من النساء والأطفال مقابل 150 من الأسرى الأطفال والأسيرات في سجون الاحتلال.
تؤكد البرغوثي أن ضابطاً إسرائيليا قدم إلى سجن الدامون قبل إخراجها، والهدف تهديدها من الظهور في الإعلام، أو تنظيم مظاهر احتفالية بالإفراج عنها، مهددا بإعادتها إلى السجن المؤبد هذه المرة.
"صحيح أن الثمن غال وموجع، وهناك بحر من الدماء، لكن هذه الدماء ستروي الأرض، والأرض ستزهر بكل الألوان".
ردّت أم عناد، كما تروي، بأنها لا تملك شيئا لتفعله، ولا تستطيع ضمان احتفال الناس بها، فذكرها بأنه يعتقل أربعة من أبنائها، لتجيبه بأنها تعلم أنه ظالم سادي، وقد اعتقلها واعتقل أبناءها الأربعة من دون سبب، وفق الاعتقال الإداري، وأنهم أبرياء من كل ما يدعيه الاحتلال، وذكّرته بأن عائلة البرغوثي توجع الاحتلال، ليقول لها "اذهبي من أمامي".
بقي التهديد للحظة الأخيرة، لكنه تهديد يعود إلى أشهر، فقبل اعتقالها بستة أشهر، احتجزها الاحتلال خلال زيارة شقيقها نائل، ومنعها من الزيارة، وهي حادثة تشير إلى أن اعتقالها لم يكن سوى ضمن سياسة انتقام جماعي من عائلة البرغوثي، فهي كانت، في شهر مارس/ آذار الماضي، تملك التصريح اللازم للزيارة، لكن شرطة الاحتلال أوقفتها، وتواصل معها هاتفيا أحد ضباط الاحتلال، ليقول لها بشكل واضح: "الأمور بيني وبينك شخصية، لا تعيدي المحاولة للزيارة، وإن عدت اعتبري نفسك معتقلة، أنا أستطيع أن اعتقلك الآن، لكنني أريد أن آتي إلى منزلك وأن أصادر مركبتك وأعتقلك".
وقبل اعتقالها بأقل من شهر، اقتحم جيش الاحتلال منزلها ليعتقل ابنها إسلام ويحوّله للاعتقال الإداري، ويطلب منها الجنود أن تسلمهم أموالا، قالت لهم إنها لا تملك الأموال التي يتحدثون عنها، مؤكدة أن ذلك مجرد ذريعة لاستكمال الاستهداف الشخصي لها ولعائلتها، وفي 17 مايو/ أيار الماضي، كان الاحتلال قد اعتقل نجلها عبد الله واعتدى عليه بالضرب وحوله للاعتقال الإداري، وبعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، اعتُقل نجلاها عناد وعمر، وحُوّلا أيضاً للاعتقال الإداري، ضمن حملات اعتقالات واسعة في الضفة الغربية.
تروي أم عناد اعتقالها الأول الذي استمر 72 ساعة في سجن المسكوبية بالقدس، كان ذلك على خلفية مشاركتها في مسيرة مؤيدة للأسرى ومن ضمنهم شقيقاها وهي في عمر 18 عاما، كانت المسيرة في شارع صلاح الدين في القدس قرب القنصلية الأميركية، واعتقلت معها 4 فتيات أخريات.
لكن حنان البرغوثي، اليوم، وبعد الاعتقال الذي استمر قرابة ثلاثة أشهر، رأت ما لم تكن تراه وهي شقيقة وزوجة وأم أسرى، تقول لـ"العربي الجديد" إنها شعرت حقيقة بما كان يجول في خلد شقيقها نائل، أقدم أسير فلسطيني، وما كان يقوله لها عن تأخر الزيارة، أو عدم إرسال رسالة مكتوبة أو أخرى صوتية عبر الإذاعة، علمت كم أن قيمة تلك الأشياء كبيرة، خاصة بعد انقطاع التواصل بشكل شبه كامل بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وكيف أصبحت تفتح المذياع لتسمع أي خبر عن بلدتها، وعائلتها، من استشهد؟ من اعتقل؟ من جرى التنكيل به؟
كانت البرغوثي تعد نفسها ليمدد الاحتلال اعتقالها الإداري مرتين أو ثلاث مرات، أي لثمانية أشهر أو اثني عشر أو ثمانية عشر شهرا إضافية، لكنها تؤكد أن خروجها بصفقة تبادل يعني لها شرفاً كبيراً، لأنها رغم أنف الاحتلال.
تقول حنان: "صحيح أن الثمن غال وموجع، وهناك بحر من الدماء، لكن هذه الدماء ستروي الأرض، والأرض ستزهر بكل الألوان".
عاشت البرغوثي مع الأسيرات جميعا منذ السابع منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي ظروفاً قاسية غير اعتيادية، ورغم تلك القساوة، تقول إن الأسيرات كن يعلمن أن وضعهن أفضل بقليل من الأسرى، رغم أنهن كن بلا طعام كافٍ وبلا مياه وبلا كهرباء، وتعرضن للإذلال والضرب ورش الغاز والإهانة، والتنقلات إلى العزل كل عدة أيام، فضلا عن الانقطاع عن العالم.
البرغوثي وجهت رسالة إلى المقاومة تقول فيها: "سيروا إلى الأمام، رغم الألم والدم والأطفال الذين قتلوا، والبيوت التي هدمت"، وتابعت: "أنتم أعطيتمونا كرامة وعزة، لم يستطع كل رؤساء العالم أن يحققوا لنا، حركة حماس جلبت لنا الكرامة".
وعرفت حنان البرغوثي بنشاطها الكبير في مناصرة الأسرى، وقيادتها لعائلات الأسرى في الحِراكات المساندة لهم في الشارع، وقيادتها الهتافات، وربما ذلك كان من الأسباب الرئيسية لاعتقالها وتحويلها بلا تهمة للاعتقال الإداري.