"حق الملح".. هدية التونسيين لزوجاتهم في عيد الفطر
حياة مبروك
مع اقتراب عيد الفطر، راح العمّ محمد عطية يفكّر في هدية "حقّ الملح" التي سوف يقدّمها لزوجته الخالة سميرة، كعرفان بجميلها إزاء ما قدّمته للعائلة في خلال شهر رمضان.
وقد حرص العمّ محمد، منذ سنوات زواجه الأولى، على إهداء رفيقة دربه أو كما يحلو له تسميتها "عشيرتي" هدية في أواخر شهر رمضان من كلّ عام أو في يوم عيد الفطر، علماً أنّه مقتنع جداً بأنّ الهدية مهما غلا ثمنها إلا أنّها لن توفي حقّ زوجته وتعبها في إسعاد عائلتها.
وتُعَدّ هدية "حقّ الملح" عادة متوارثة عبر الأجيال في تونس، وفيها يقدّم الزوج هدية لزوجته في عيد الفطر، تكون إمّا مبلغاً من المال وإمّا قطعة من الذهب. يُذكر أنّ قيمة الهدية ونوعها يختلفان باختلاف إمكانات الزوج المادية.
في تناغم لطيف بينهما، يعيش الزوجان حياة هادئة لا تعكّرها إلا مشكلات صحية يعاني منها العمّ محمد، غير أنّه يقول إنّ وجود زوجته بقربه يخفّف من آلامه، فهي "سندي الذي لا يميل أبداً".
يجلس العمّ محمد إلى جانب الخالة سميرة ويطنب في تعداد خصالها وتضحياتها من أجله ومن أجل عائلتهما، وذلك بنبرة تنمّ عن حبّ حقيقي صادق. ويؤكد لـ"العربي الجديد": "زوجتي لا تقدّر بثمن، ولا هدية توفيها حقّها. فهي تعبت لإسعادي مذ تزوّجنا، وما زالت تقدّم تضحيات كثيرة من أجلي ومن أجل أبنائنا، وتقديم هدية حقّ الملح قليل في حقّها".
تبتسم الخالة سميرة وعيناها مليئتان بتعابير الحب والشكر والامتنان لزوج يقدّر تعبها ويعي جيداً معنى الهدية بالنسبة إلى المرأة، بغضّ النظر عن قيمتها المادية. وهي تؤكد حرصها على العناية بالعمّ محمد، تقول الخالة سميرة لـ"العربي الجديد": "لم يتأخّر في إهدائي هدية حقّ الملح في أيّ عيد. وفي أحلك ظروفه المادية، كان يهديني كتاباً أو وردة أو حتى كلمة شكر ومودّة.. وهو ما يسعدني جداً".
وعن "حقّ الملح" يقول العمّ محمد إنّ "التسمية أتت في إشارة إلى اضطرار الزوجة في بعض الحالات إلى تذوّق درجة ملوحة الطعام في شهر رمضان وهي صائمة، خشية ألا يعجب زوجها أو أفراد عائلتها، خصوصاً أنّ الرجال قديماً كانوا عصبيّين ويغضبون جداً في حال لم يعجبهم مذاق الطعام بعد يوم من التعب والصيام. وهكذا تضحّي المرأة و تتذوّق الطعام وهي صائمة لإرضاء زوجها، أمّا هو فيفاجئها عند انتهاء شهر رمضان بهدية اعتذار تُطلَق عليها تسمية حقّ الملح".
وهذا العام، فكّر العمّ محمد في هدية قيّمة تسعد زوجته، فهو ممتنّ لها لاعتنائها به لفترة طويلة من المرض، إلى جانب مسؤوليتها في البيت من طبخ وغسيل وغيرهما من أشغال منزلية متعبة. ولشدّة اهتمامه بها، هو يعرف جيداً كلّ تفاصيل حياتها وأمنياتها، وأنّ حلمها الأكبر هو الحجّ إلى بيت الله الحرام. لذا حاول جاهداً تحقيق ذلك، فكانت هدية "حقّ الملح" لهذا العام صكاً نقدياً يؤمّن كلّ مصاريفها في الحجّ.
فرحت الخالة سميرة كثيراً بهدية زوجها القيّمة، واغرورقت عيناها بالدموع التي تعبّر عن امتنان ومحبة لزوج طالما فضّلها على نفسه، طوال سنوات زواجهما. وتقول لـ"العربي الجديد": "نحن لم نفترق قطّ. فقد عشنا الحلو والمرّ معاً. وعلى الرغم من تقدّمنا في العمر، فإنّ شغف الواحد منّا تجاه الآخر لم ينطفئ"، لافتةً إلى أنّه "لا يفارقني مطلقاً، حتى في المطبخ".
ويتّفق العمّ محمد والخالة سميرة على أنّه من غير الضروري أن تكون هدية "حقّ الملح" ذات قيمة مادية كبيرة، فـ"قيمتها تكمن في رمزيتها مهما قلّ ثمنها". وتؤكد الخالة سميرة أنّ "المرأة عاطفية جداً. ومهما كبرت، فإنّ الطفلة في داخلها لا تكبر وتسعدها أبسط الأشياء. المهمّ بالنسبة إلى المرأة أن يكون شريكها ممتناً لها ويقدّر خصوصية طبيعتها التي تختلف كثيراً عن طبيعته".