تتجه الحكومة العراقية إلى توسيع قائمة العائلات الفقيرة والعاطلين عن العمل والمتعففين الذين تشملهم شبكة الرعاية الاجتماعية، والتي تشكل شريحة تستمر في التمدد بسبب انخفاض قيمة الدينار مقابل الدولار الذي أثّر مباشر على الفقراء الذين تشير إحصاءات إلى أن نسبتهم تتجاوز 25 في المائة. لكن مراقبين يرون أن إجراءات مساعدة الفقراء لا تحل المشاكل.
ومطلع يناير/كانون الثاني الجاري، وجّه رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، بعد لقائه وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي، تعليمات بـ"الشروع في تنفيذ البحث الميداني للمستفيدين الجدد تمهيداً لإدراجهم ضمن موازنة العام الحالي، وأيضاً باستكمال توفير مواد البطاقة التموينية الشهرية للأسر الفقيرة بالتنسيق مع وزارة التجارة".
وأكد مكتب رئاسة الوزراء في بيان منفصل، أن "الحكومة لن تسمح باستخدام ملف شبكة الحماية الاجتماعية لأغراض سياسية، وأن المستفيدين من الحماية الاجتماعية سيحصلون على حصص مواد غذائية أكثر تميزاً على صعيدي الكميات والنوعية، بعد توسيع قائمة العائلات الفقيرة المستفيدة"، مشدداً على أن "عمل هيئة الحماية وفاعليتها بين أولويات مناهج الحكومة، التي لن تسمح باستخدام الملف لتحقيق أغراض غير إنسانية، أو استغلاله لتحقيق أهداف سياسية".
ولا يخفى أن ملف الحماية والرعاية الاجتماعية شهد استغلالاً سياسياً من أحزاب تتمتع بنفوذ وقوى سياسية تملك أجنحة مسلحة، لا سيما خلال مواسم الانتخابات، من خلال ابتزاز أفراد عائلات فقيرة، عبر منحهم بعض المرتبات أو المساعدات البائسة مقابل الحصول على أصواتهم، قبل قطعها فور انتهاء الانتخابات.
في السياق، يقول النائب عن تحالف "الإطار التنسيقي" معين الكاظمي، لـ"العربي الجديد" إن "الخطة الحكومية الجديدة لمساعدة الفقراء عبر مرتبات الحماية الاجتماعية تأتي كإجراء لا بدّ منه، في ظل وجود فائض مالي نتج عن ارتفاع أسعار النفط. وتعتبر الخطة وسيلة لمعالجة ظاهرة الفقر المرتفعة بسبب المشاكل التي شهدتها البلاد، لكن معالجة الفقر بطريقة جذرية لا يحصل إلا عبر إنهاء ظاهرة البطالة المتفشية".
يضيف: "نجحت الحكومة في استيعاب أعداد كبيرة من الشبان، سواء كانوا من المحاضرين المجانيين في وزارة التربية، أو من المتعاقدين مع وزارات أخرى، لكن هذا الأمر ليس إلا خطوة أولى في طريق التصدي للفقر والبطالة، علماً أن البرلمان سيستعرض خططاً لمعالجة المشكلة".
مرتبات لأسبوع
ويكشف إحصاء أجرته وزارة التخطيط أخيراً أن 9 ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر، في حين يقتصر عدد المستفيدين من المعونات المادية التي تقدمها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية على 3 ملايين. ويقول مسؤولون إن "نسبة الفقر تستمر في التزايد بسبب السياسات المالية الخاطئة من جهة، ومن جهة أخرى بسبب ما خلفته جائحة كورونا على صعيد تسريح عاملين في القطاع الخاص، وغياب بدائل التعيين الحكومي".
ويوفّر العراق رواتب مالية ومعونات شهرية للعاطلين عن العمل والأرامل والأيتام، علماً أنّ قيمة الراتب الواحد لا تتجاوز 180 ألف دينار عراقي (125 دولاراً) والذي يشير مراقبون وناشطون إلى أنه لا يكفي لتغطية معيشة أي عراقي لمدة أسبوع.
ملف قيد الاستغلال
من جهته، يقول رئيس اللجنة القانونية في البرلمان محمد عنوز لـ"العربي الجديد" إن "العراق يحتاج إلى تشريع قانون يشمل عدة بنود تخدم الشرائح الفقيرة والمتضررة من الصراعات، وتفعيل القطاع الخاص وشركات القطاع الأهلي، ويعيد المصانع المتوقفة إلى العمل، إضافة إلى تأسيس سلسلة معامل تعالج مشكلة البطالة، وترفد ميزانية الحكومة بأموال، وتقلل الاعتماد على الاستيراد".
يتابع: "استغلت الأحزاب الدينية التي توالت على الحكم طوال السنوات الماضية ملف الرعاية الاجتماعية، وابتزت العراقيين مقابل التصويت لصالح قوائمها الانتخابية. وهذا اللعب على مشاعر الفقراء يمثل انتهاكا إنسانياً سافراً".
ويعتبر أن "إجراءات توسيع قائمة من تشملهم مرتبات الرعاية الاجتماعية لا تعالج مشكلة الفقر والبطالة، بل تشكل حلولا ترقيعية يمكن أيضاً أن تلغى في أي لحظة بسبب الوضع المالي المتذبذب في البلاد، والاعتماد الكلي على النفط".
وفي وقت سابق، أشار المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق إلى أن "نسب الفقر بلغت أرقاماً غير مسبوقة، وأن البطالة ارتفعت أيضاً بنسبة 14 في المائة وصولاً إلى أربعة ملايين شخص". وعزا ذلك إلى "رفع قيمة الدولار أمام الدينار العراقي، وإلغاء الدعم عن القطاعَين الصناعي والزراعي، والاعتماد بشكل كبير على الاستيراد"، مطالباً بـ"إيجاد حلول حقيقية وليست ترقيعية، منها دعم القطاعَين الزراعي والصناعي مباشرة، وزيادة كمية البطاقة التموينية الشهرية المخصصة للعائلات".
عجز عن التفكير
بدورها، توضح الناشطة الحقوقية وعضو "رابطة جمعيات الأسر الفقيرة"، مريم السماوي، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "السلطات العراقية لا تفكر في الحلول الشاملة والنهائية لأزمتي الفقر والبطالة والمشاكل الاقتصادية التي باتت تضر بشرائح الموظفين والعاملين في القطاع، لأنها عاجزة عن التفكير بشكل حديث. وتمنع عقبات حزبية تشغيل المصانع الحكومية المعطلة، لكنها تحاول تنفيذ إجراءات ترقيعية منها تقديم مرتبات بائسة، في حين يفترض أن تستخدم الحكومة الموارد المالية الكبيرة التي حصلت عليها من بيع النفط بأسعار عالية، في تفعيل قطاعات اقتصادية مهمة، منها المصانع المعطلة، وليس صرفها لأشهر معدودة على الفقراء".
ولا يختلف حجم التأثر بالفقر في مناطق العراق، فلا فوارق ملحوظة بين مدن الشمال والجنوب، لا سيما أن الأحزاب والكيانات السياسية والمليشيات تحتكر الوظائف والأموال والقطاعات الخاصة والحكومية. ولعل البصرة وميسان والناصرية تسجّل نسب الفقر الأعلى، إضافة إلى المناطق المحررة من سيطرة تنظيم "داعش"، تحديداً مدينة الموصل التي تتراجع فيها الخدمات، في وقت ما زال من عادوا إليها بلا مصادر رزق وسط الخراب.