الهجرة في شاحنات "كابوس" يطارد الباحثين عن "الحلم الأميركي"

11 ديسمبر 2021
مهاجرتان من غواتيمالا نجتا من حادث السير في المكسيك (ألفريدو إستريلا/ فرانس برس)
+ الخط -

غداة مقتل 55 مهاجراً في حادث مروري في المكسيك، يروي مهاجرون غير نظاميون رحلاتهم في شاحنات بظروف غير إنسانية من أميركا الوسطى إلى الولايات المتحدة الأميركية. وقد يصل بهم الأمر خلال تلك الرحلات أحياناً إلى حدّ الاختناق، فيما يُلقي بهم المهرّبون في الصحراء.

في توستلا غوتييرس في ولاية تشياباس المكسيكية القريبة من غواتيمالا، يستعيد ناجون من الحادث، الذي أوقع 105 جرحى إلى جانب هؤلاء الذي لقوا مصرعهم، كابوس مساء أوّل من أمس الخميس.

يقول سيلفان لونوسا البالغ من العمر 18 عاماً، وهو من غواتيمالا، شأنه في ذلك شأن الضحايا بمعظمهم: "أذكر صراخ الناس عندما انقلبت الشاحنة".

يضيف الشاب الذي أصيب بجروح طفيفة: "رأيت جثثاً عدّة"، مقدّراً عدد الأشخاص الذين كانوا في الشاحنة بمئتَين. وكان سيلفان قد ترك عائلته قبل أسبوع من الحادث، وهي المرّة الأولى التي يحاول فيها الوصول إلى الولايات المتحدة الأميركية بحثا عن مستقبل أفضل من واقعه. فهو عامل زراعي مياوم في مقاطعة نويفا سانتا روسا، والأجر الذي يحصل عليه جدّ ضئيل.

إلى جانب سيلفان، يجلس 33 جريحاً آخر، من بينهم آورا ميليتيس البالغة من العمر 21 عاما، وهي من غواتيمالا كذلك. هي أصيبت بكسر في الذراع اليسرى من جرّاء الحادث. هذه محاولتها الثانية للوصول إلى ولاية فيرجينيا في الولايات المتحدة الأميركية حيث تقيم إحدى صديقاتها. فقبل ثلاثة أشهر، طُردت من ولاية تكساس الأميركية. وتروي آورا: "شعرت بأشخاص كثرٍ يسقطون عليّ. أُغمي عليّ وشعرت كأنّني نائمة".

وتؤكد آورا، كما سيلفان، أنّها سوف تتخلّى عن الحلم الأميركي. ويقول الشاب: "سوف أعود إلى دياري. لقد شعرت بخوف كبير".

الصورة
إضاءة شموع في موقع حادث السير الذي أودى بحياة مهاجرين في المكسيك (ألفريدو إستريلا/ فرانس برس)
إضاءة شموع في موقع حادث السير الذي أودى بحياة مهاجرين في المكسيك (ألفريدو إستريلا/ فرانس برس)

الحلم الأميركي

في غواتيمالا، تترقّب عائلات الضحايا الأخبار الواردة من المكسيك بقلق. تخبر لوكريسيا ألبا خامينيس، البالغة من العمر 28 عاماً، أنّ السلطات المكسيكية اتّصلت بها لتبلغها بمصير زوجها. وتؤكّد المرأة الشابة التي وقفت ابنتاها، كما جيرانها، إلى جانبها: "لقد أصيب لكنّه على قيد الحياة. هو أصيب بكسور وليست لديّ معلومات إضافية".

وكان سيلسو باتشيكو، البالغ من العمر 34 عاماً، قد غادر مدينة سولولا، غربي غواتيمالا، يوم الثلاثاء الماضي. وتقول زوجته: "حلمه كان الوصول إلى الولايات المتحدة الأميركية. للأسف، كان في هذه الشاحنة". في غواتيمالا، كان سيلسو يعمل مياوماً في مجال الزراعة.

وتتابع زوجته: "كنا نأكل ممّا نكسبه في اليوم، لذا قرّر السفر". وقد علمت أنّ زوجها دخل بطريقته الخاصة إلى المكسيك حيث تواصل مع "دليل"، أيّ مهرّب بشر، للوصول إلى الولايات المتحدة الأميركية.

ويحاول آلاف الأشخاص مغادرة غواتيمالا، التي يعاني نصف سكانها من الفقر، قاصدين الولايات المتحدة الأميركية. وفي عام 2020، طردت واشنطن 21 ألفاً و57 مواطناً من غواتيمالا و54 ألفاً و599 آخرين في عام 2019.

وفي مشغل لصناعة الخشب، يقول خوان أنخيل خامينيس، عمّ لوكريسيا، إنّ ابنَيه، البالغَين من العمر 26 و21 عاماً، غادرا كذلك إلى الولايات المتحدة الأميركية، مشيراً إلى أنّ "معدّل البطالة مرتفع جداً في غواتيمالا". ويؤكّد خوان: "نجازف بحياتنا لتوفير الخبز لأطفالنا، إذ نكسب يومياً ما بين 40 و50 كيتزالاً (5.18 إلى 6.47 دولارات أميركية)، وهذا لا يكفي لتأمين قوت العائلة".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

"كابوس" الرحلة إلى أميركا

من جهتها، تصف سيسيليا إيرنان البالغة من العمر 39 عاماً، وهي من هندوراس، رحلتها باتجاه الولايات المتحدة الأميركية في الشاحنة بأنّها "كابوس". تحكي وهي على قارعة طريق في سيوداد خواريس عند الحدود بين المكسيك وولاية تكساس الأميركية. وتأخذ سيسيليا قسطاً من الراحة في نزل حيث تحتمي من البرد القارس، بعدما طُردت من الولايات المتحدة الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وهي كانت قد وصلت إلى الحدود مع أطفالها الثلاثة، البالغة أعمارهم 16 عاماً وأربعة أعوام وعامَين، في شاحنة تكدّس فيها مهاجرون. وتروي: "أُغمي على كثيرين، ويشمل ذلك الأطفال أيضاً. كثيرون هم الأشخاص الذين راحوا يخلعون ملابسهم، لأنّنا كنّا نختنق". تضيف سيسيليا أنّ الرحلة استمرت يومَين و"كنّا مكدّسين مثل الحيوانات ومحتجزين. وكانوا يشغّلون المكيفات ثم يوقفونها. كان الجميع يريد الخروج، لكنّ الأمر مستحيل. كان الأمر بمثابة احتجاز".

تُركت سيسيليا مع مهاجرين آخرين في منطقة صحراوية حيث أمضوا ثلاث ليال، علماً أنّ ثلاثة من أبنائها المقيمين في الولايات المتحدة الأميركية كانوا قد دفعوا لمهرّبي بشر حتى يتمكّن أفراد العائلة الباقون من العبور. لكنّ ابنها البالغ 16 عاما هو الوحيد الذي تمكّن من العبور.

تجدر الإشارة إلى أنّ 821 مهاجراً توفّوا خلال العام الجاري وحده في أميركا الوسطى وأميركا الشمالية، بحسب أرقام المنظمة الدولية للهجرة. والسبب الرئيسي لهذه الوفيات هو الحوادث المرورية (162)، ونقص الطعام والمياه (142)، والإنهاك (108). وقد أعلنت غواتيمالا الحداد مدّة ثلاثة أيام بعد مأساة الشاحنة الأخيرة.

(فرانس برس)

المساهمون