العدوان الإسرائيلي على غزة: 3760 طفلاً قُتلوا في 26 يوماً

02 نوفمبر 2023
615 طفلاً يبلغون من العمر 3 أعوام وما دون استشهدوا في غزة (أحمد حسب الله/Getty)
+ الخط -

في 26 يوماً من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، استشهد 3760 طفلاً، بحسب بيانات وزارة الصحة في القطاع الصادرة اليوم الخميس. ويمثّل الأطفال أكثر من 40 في المائة من الشهداء البالغ عددهم 9061 شهيداً حتى الآن، علماً أنّ نصف سكان القطاع المزدحم البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة دون 18 عاماً.

وفي تحليل أعدّته وكالة أسوشييتد برس لبيانات وزارة الصحة في غزة صدرت الأسبوع الماضي، تبيّن لها أنّه حتى 26 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم استشهد 2001 طفلاً، أعمارهم 12 عاماً وما دون، من بينهم 615 طفلاً يبلغون من العمر ثلاثة أعوام وما دون.

وقال الكاتب آدم المدهون، أمس الأربعاء، وهو يهدّئ من روع ابنته كنزي (أربعة أعوام) في مستشفى شهداء الأقصى في مدينة غزة وسط القطاع، إنّه "عندما تُدَكّ المنازل فإنّها تنهار على رؤوس الأطفال". وكانت ابنته كنزي قد نجت من غارة جوية، غير أنّ ذراعها اليُمنى بُترت وسُحقت ساقها اليسرى فيما سُجّلت كسور في جمجمتها.

ويزعم الاحتلال الإسرائيلي أنّ غاراته الجوية تستهدف مواقع وبنى تحتية تابعة لحركة حماس، ويتّهم الحركة باستخدام المدنيين دروعاً بشرية، فيما يدّعي أنّ أكثر من 500 صاروخ أطلقتها حماس أخطأت الهدف وسقطت في غزة.

وقد أفادت منظمة "سيف ذا تشيلدرن" (أنقذوا الأطفال) غير الحكومية المعنية بالدفاع عن حقوق الطفل حول العالم، بأنّ عدد الأطفال الذين قُتلوا في خلال أكثر من ثلاثة أسابيع في قطاع غزة أكثر من مجموع الأطفال الضحايا في كلّ الصراعات التي شهدها العالم مجتمعة، وذلك في كلّ عام من الأعوام الثلاثة الماضية. وأشارت المنظمة إلى أنّ 2985 طفلاً لقوا حتفهم في 24 منطقة حرب، طوال عام 2022 الماضي.

من جهته، قال المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) جيمس إلدر إنّ "قطاع غزة صار مقبرة لآلاف الأطفال".

الصورة
يحمل جثة طفل في مخيم جباليا في غزة (عبد خالد/ أسوشييتد برس)
يحمل الجسد الصغير الذي لم يبرد بعد... هو انتُشل للتوّ من تحت الركام (عبد خالد/ أسوشييتد برس)

والواقع المأساوي تظهّره الصور والتسجيلات المصوّرة التي تبيّن أطفالاً مصدومين من جرّاء القصف بعد انتشالهم من تحت الأنقاض في غزة، أو آخرين يصرخون من الألم وهم على حمّالات المستشفيات الملطّخة بدماء امتزجت بالتراب. وقد باتت شائعة هذه الصور والتسجيلات وهي تذكي الاحتجاجات في كلّ أنحاء العالم.

ومن بين المشاهد التي وُثّقت في الغارات الجوية الأخيرة، يبدو أحد المنقذين وهو يحتضن رضيعة بثوب قصير لطّخته الدماء ارتخت كلّ أطرافها، وأب يضع نظارات طبية يصرخ وهو يضمّ طفله المستشهد بقوّة إلى صدره، وصبي صغير مغطّى بالدماء والغبار يترنّح مذهولاً وحيداً بين الأنقاض.

بالنسبة إلى أحمد مدوخ، فإنّ ثمّة "لعنة في أن تكون أباً في غزة". ومدوخ نجّار من مدينة غزة، انهارت دنياه بعد وفاة ابنته ابنة الثمانية أعوام في العدوان على غزة في مايو/ أيار الماضي.

وفي غزة حيث "لا مكان آمناً"، تتنقّل العائلات في خلال نزوحها من مكان إلى آخر هرباً من آلة الحرب الإسرائيلية. وقد تتجمّع، وأعداد كبيرة من الأطفال من ضمن أفرادها، إمّا في شقق سكنية وإمّا في مراكز إيواء تديرها الأمم المتحدة وإمّا في مستشفيات لجأ إليها كثيرون في غياب خيارات أخرى.

و"لا مكان آمناً في غزة" خلاصة توصّلت إليها منظمات عديدة ووكالات تابعة للأمم المتحدة، لا سيّما بعد أوامر الاحتلال بإخلاء شمالي القطاع، بما في ذلك مدينة غزة، والتوجّه إلى الجنوب. فغارات المقاتلات الإسرائيلية استهدفت النازحين من الشمال على الطرقات، فيما تُرتكَب المجازر في الجنوب.

قضايا وناس
التحديثات الحية

في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، فقدت ياسمين جودة 68 من أفراد أسرتها في غارة وقعت في 22 أكتوبر المنصرم ومحت مبنيَين، يتألّف كلّ واحد منهما من أربع طبقات. والمفارقة الحزينة أنّ هؤلاء الضحايا كانوا من شمالي غزة، ولجأوا إلى المبنيَين المستهدفَين ظنّاً منهم أنّهما يمثّلان ملاذاً آمناً. وتقول جودة "الناس يفرّون من الموت إلى الموت".

الناجية الوحيدة كانت ميليسا التي لم يتجاوز عمرها العام الواحد، وهي ابنة أخت جودة. وتتساءل جودة: "ماذا فعلت هذه الطفلة الصغيرة لتكون لها حياة من دون أسرة؟". يُذكر أنّ والدة الصغيرة كانت حاملاً بتوأم، وقد دخلت مرحلة المخاض في أثناء الهجوم، ليُعثر عليها ميتة تحت الأنقاض.

بحسب الحصيلة الأخيرة التي أوردتها وزارة الصحة في غزة، ظهر اليوم الخميس، فإنّ 9061 شهيداً سقطوا، فيما أُصيب أكثر من 32 ألفاً بجروح. وير الفلسطينيون أنّ ارتفاع عدد الضحايا ما هو سوى دليل على أنّ الضربات الإسرائيلية عشوائية.

من جهتهم، يقول الأطباء إنّ العدوان المستمرّ تسبّب في إصابة أكثر من سبعة آلاف طفل فلسطيني، علماً أنّ كثيرين منهم سوف يعانون من مشكلات من شأنها أن تغيّر مسار حياتهم كلها.

الصورة
إنقاذ طفلة من تحت الأنقاض في جباليا في غزة (عبد خالد/ أسوشييتد برس)
أُنقذت الطفلة من تحت الأنقاض... ماذا بخصوص مستقبلها؟ (عبد خالد/ أسوشييتد برس)

قبيل الحرب مباشرة، خطت ميليسا، ابنة أخت ياسمين جودة أولى خطواتها، لكنّها لن تتمكّن من الوقوف على قدمَيها أو السير مجدداً. وفقاً للأطباء الذين يتابعون حالة الصغيرة، فإنّ الغارة الجوية التي قضت على أسرتها تسبّبت في كسر عمودها الفقري وأصابتها بالشلل من الصدر إلى الأسفل.

وفي إحدى غرف مستشفى غزة المركزي المزدحم، حيث ترقد ميليسا، استيقظت كنزي ابنة آدم المدهون وهي تصرخ وتسأل عما حدث لذراعها اليمنى المفقودة. يقول والدها: "سوف يتطلب الأمر كثيراً من الاهتمام والعمل حتى نصل بها إلى مرحلة تتمتّع فيها بنصف حياة طبيعية".

أمّا أطفال غزة الذين لم يُصابوا جسدياً، فمن المرجّح أن يعانوا من جروح نفسية غائرة بسبب ما شهدوه من ويلات الحرب. وسوف تؤثّر الصدمات النفسية سلباً فيهم، بقيّة حياتهم.

بالنسبة إلى فتيان وفتيات قطاع غزة الذين بلغوا الخامسة عشرة من عمرهم، فإنّ ما يشهدونه اليوم هو العدوان الخامس الذي يشنّه الاحتلال الإسرائيلي على القطاع المحاصر منذ نحو 16 عاماً. كلّ ما يعرفه هؤلاء هو الحياة في ظلّ حصار يمنعهم من السفر إلى الخارج ويسحق آمالهم بالمستقبل. يُذكر أنّ معدّل البطالة في القطاع يبلغ نحو 70 في المائة، بحسب بيانات البنك الدولي.

يقول مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال في الأراضي الفلسطينية عايد أبو قطيش: "لا أمل لهؤلاء الأطفال في بناء سجلّ مهني أو تحسين مستوى معيشتهم أو الحصول على رعاية صحية وتعليم أفضلَين". ويؤكد أنّ في الحرب القائمة على قطاع غزة "الأمر يتعلق بالحياة والموت. في غزة الموت يحاصرك في كلّ مكان... في غزة الموت في كلّ مكان".

(أسوشييتد برس، العربي الجديد)

المساهمون