ينذر ارتفاع معدل البطالة في الأردن إلى 24.7 في المائة بأخطار اجتماعية جمّة، خاصة أنه يبلغ 32.8 في المائة بين الإناث و22.6 في المائة بين الذكور، وفق دائرة الإحصاءات العامة، فيما أعلن البنك الدولي أن معدلات البطالة بين شبان الأردن بلغت نسبة لا سابق لها وصولاً إلى نحو 50 في المائة.
وارتفاع معدل البطالة مشكلة اقتصادية مستعصية ذات آثار اجتماعية وخيمة، لأنها تمسّ بحياة شريحة واسعة من المواطنين والأسر. وزادت الظروف الصعبة التي نتجت من جائحة كورونا تعقيدات هذه المشكلة، وحجم تأثيراتها السلبية التي لا تزال قائمة على الوضع الاجتماعي الذي طاول فئات عدة من العاطلين من العمل والعاملين والعاملات في القطاعات غير المنظمة، والمياومين ذوي الأجور اليومية.
وعانت شركات صغيرة ومتوسطة من حجم التأثيرات السلبية للجائحة، ما أدى الى فقدان آلاف الوظائف بسبب الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها السلطات، وتسببت في انعكاسات اجتماعية على المديين القصير والطويل.
تقول أستاذة علم الجريمة خولة الحسن، لـ"العربي الجديد": "هناك ارتباط كبير بين ارتفاع نسب البطالة ومعدل الجريمة. لدى الشبان أهداف مشروعة بالحصول على عمل، لكن الأساليب الشرعية باتت لا تستطيع تحقيق أهداف عدد كبير منهم، لذا زاد اللجوء إلى أساليب غير شرعية لدى الذكور والإناث معاً، مثل الجريمة والمخدرات وبيع السلاح والدعارة، للحصول على مداخيل تمنحهم فرصة عيش حياتهم". تتابع: "فقدان الأمل بإمكان تحقيق الأهداف بوسائل شرعية قد يجعل الشبان والشابات لقمة سائغة أيضاً للجماعات الإرهابية التي تحاول تجنيدهم من خلال المواقع الإلكترونية، خاصة أن غالبية الشبان لا يعملون، ويمضون وقتاً طويلاً على شبكة الإنترنت".
تشير الحسن إلى أن "هؤلاء الشبان لديهم طاقات مكبوتة يبحثون عن طرق لتفريغها. والجماعات الإرهابية تستهدفهم لخلق ذئاب منفردة منهم لتنفيذ مخططاتها. أما الفتيات فقد يقعن ضحايا الاتجار بالبشر، خاصة الدعارة. والبطالة عموماً تفتح الطريق للجرائم المنظمة وغير المنظمة، وكذلك باب الحقد الطبقي بين الفقراء والأغنياء، باعتبار أن هناك خريجين غير قادرين على العمل لتوفير أبسط متطلبات حياتهم، في حين ينفق آخرون من عائلات غنية بلا حساب، علماً أن وظائف كثيرة مهمة وذات دخل مرتفع تذهب إلى أبناء الطبقة الغنية في القطاعين الخاص والعام عبر المحسوبية والواسطة والمكانة الاجتماعية، ما يعزز مشاعر التهميش والإقصاء لدى كثيرين، والتي تؤدي إلى انحراف سلوكي يوجد الجريمة ومخالفات أخرى".
وتؤكد الحسن أن "البطالة تؤجج أيضاً المشاعر السلبية التي تتسبب في عنف أسري. فالعاطلون من العمل لا يستطيعون الخروج بسبب أوضاعهم المالية الصعبة، ويضطرون إلى الحصول على مصروفهم من أفراد عائلاتهم. وفي حال وجدوا عملاً فهم يضطرون إلى القبول بأي أجر. كما تجعل البطالة أصحاب العمل في القطاع الخاص يستغلون الوضع لصالحهم عبر خفض رواتب الخريجين".
تضيف: "إذا أردنا الحد من البطالة فالأفضل العمل لإيجاد تعاون بين القطاعات وتوجيه سوق العمل، ووضع خطة استراتيجية للمهن بالتنسيق مع الجامعات، علماً أن مشاريع كثيرة مموّلة من الخارج تعاني من الفساد الذي يهدر ملايين من الدولارات في مشاريع غير تشغيلية".
وتطالب الحسن بإعادة النظر في مشاريع التدريب التي توفرها بعض المؤسسات، محذرة من "فقدان بعض الشبان الهوية الوطنية بسبب البطالة، في حين خلقت الواسطة والمحسوبة كراهية طبقية، وتنمراً إلكترونياً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي".
من جهته، يقول الخبير الاقتصادي والاجتماعي حسام عايش، لـ"العربي الجديد": "تدل البطالة على وجود قوى لا تنفذ دورها الاقتصادي، وتجعل الاستثمار بالقوى البشرية يصبح أقل جدوى بالنسبة إلى الشبان. وكلما زادت البطالة يتفاقم حجم التوتر الاجتماعي، ويصبح الناس أكثر اضطراباً. وكلما فقد الشبان الأمل، زادت مشاعر النقمة على المجتمع، سواء عبر الاحتجاجات أو الانتقال الى صفوف الجهات المتطرفة".
يتابع: "يتحول العاطلون من العمل أحياناً إلى مستهلكين بلا إنتاج، ما يفقدهم الشعور بأهميتهم وقيمتهم الشخصية، ويخفض الروح المعنوية والوطنية لديهم أو لدى أسرهم، وينعكس على طبيعة العلاقات لتصبح الوظيفة أحياناً محل تنافس بين عدد كبير من الأشخاص، وصولاً إلى خفض أرباب العمل معدل الأجور استناداً إلى وفرة العروض في سوق العمل، وكل ذلك يؤثر مباشرة على الرفاهية الاجتماعية".
ويشير عايش إلى أن "البطالة تزيد الضغط على موارد الأسرة التي يعمل فيها شخص واحد، علماً أن معدل إعالة الفرد الواحد في الأردن تشمل بين 3 و4 أفراد، وقد تصل إلى 5 و6 أفراد، ما يقلل قدرة الأسرة على الإنفاق، ويُعيد ترتيب سلم الأولويات عبر التركيز على الاحتياجات الأساسية، ويخفض الطلب على السلع والخدمات الأخرى".
ويلفت إلى أن ارتفاع البطالة يؤثر على بنية المجتمع، "فهناك عاطلون كثيرون من العمل في سن الزواج، ما يؤثر على تشكيل الأسر". كما يحذر من وجود مؤشرات مقلقة اجتماعياً واقتصادياً، معتبراً أن "النموذج الاقتصادي الأردني الاستهلاكي والنخبوي يهدر فرص عمل مهمة بالنسبة إلى أصحاب المهارات الذين يخضعون غالباً للواسطة والمحسوبية".