إلغاء الإجهاض... انتصار لترامب وبايدن يرد بـ"السلاح"

25 يونيو 2022
إلغاء الإجهاض بين انتصار للحياة وهزيمة حرية النساء في الولايات المتحدة (ستيفاني رينولدز/ ف
+ الخط -

بدا وقع الانتصار السياسي الذي حققه الجمهوريون في قرار إبطال المحكمة العليا الأميركية ذات الغالبية المحافظة قرار السماح بالإجهاض الذي يعود إلى عام 1973، بحجة أنه "خاطئ في شكل صارخ"، كما قال القاضي صموئيل أليتو، أقوى من ردود الفعل الاجتماعية في المجتمع، رغم أن إحصاءات تشير إلى أن نسبة 71 في المائة من الأميركيين يؤيدون ترك الحرية للنساء والأطباء في إنهاء الحمل.
وفيما لم تخرج احتجاجات معارضي القرار الذين تجمعوا خارج مقر المحكمة العليا الأميركية في فيرست ستريت بواشنطن العاصمة، عن الإطار السلمي الذي أزال سريعاً المخاوف من أن تتحول القضية العاطفية إلى أعمال عنف، انتقد الرئيس الديموقراطي جو بايدن القرار الذي وصفه بأنه "خطأ مأساوي نابع من أيديولوجيا متطرفة، ونتج منه يوم حزين للمحكمة والبلد الذي عاد 150 عاماً إلى الوراء".

واعتبر أن "صحة وحياة النساء في هذه الأمة باتت في خطر"، محذراً من أن "حقوقاً أخرى قد تتعرض للتهديد في المستقبل، مثل الزواج المثلي ووسائل منع الحمل".

"شرف عظيم"... لترامب
واعترف بايدن بالدور الحاسم الذي لعبه الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب في إبطال حكم السماح بالإجهاض الذي جاء بغالبية 6 من 9 قضاة في المحكمة العليا، وقال: "عيّن رئيس واحد هو دونالد ترامب ثلاثة قضاة لعبوا دوراً أساسياً في القرار الذي قلب ميزان العدالة، وانتزع أحد الحقوق المهمة للنساء في بلدنا".

الحق بالإجهاض.. أقرّته المحكمة الأميركية بالسبعينيات وأنهته في 2022

وفعلياً، ضمن القضاة الثلاثة الذين عينهم الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب خلال ولايته بين عامي 2017 و2021، وهم نيل جورساتش وبريت كافانو وإيمي كوني باريت، الغالبية المطلوبة بين أعضاء المحكمة العليا التي أبطلت حكم السماح بالإجهاض الذي أصدرته المحكمة نفسها عام 1973 في قضية "رو ضد ويد" تحديداً.

وحقق ترامب بالتالي بعد 17 شهراً من تركه المنصب، أحد وعود حملته الانتخابية الأولى التي قادته إلى الرئاسة عام 2017. وأورد بيان أصدره مكتبه بعد قرار المحكمة العليا: "إنه أكبر نصر للحياة منذ جيل، ويمكن القول إنه لم يكن ليصدر إلى جانب قرارات أخرى أُعلنت أخيراً لولا أنني فعلت كل شيء كما وعدت، وبينها تعيين ثلاثة قضاة مقتدرين هم دستوريون أقوياء، والحصول على موافقة الكونغرس كي يشغلوا مناصبهم في المحكمة العليا. إنه شرف عظيم لي".
واللافت في الانتصار الجمهوري الثمين سياسياً ارتباطه بحركة محافظة جيدة التنظيم والتمويل عملت طويلاً لدفع المحاكم الأميركية في اتجاه اليمين، بمساعدة نشطاء قانونيين وبالاعتماد على مناورات سياسية بارعة من جانب ميتش ماكونيل، زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، ما قد يشكل مؤشراً مهماً على معركة شرسة مرتقبة بين الجمهوريين والديمقراطيين في استحقاق الانتخابات النصفية المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. 

يحتفلون بقرار منع الإجهاض (أوليفيه دولييري/ فرانس برس)
يحتفلون بقرار منع الإجهاض (أوليفيه دولييري/ فرانس برس)

هزيمة غير كاملة
وفي تعليقه على قرار المحكمة العليا، حثّ بايدن الناخبين على التصويت "لنواب يعملون في الكونغرس لسنّ قانون فيدرالي يحمي حق الإجهاض".
واللافت أن الديموقراطيين لم يخرجوا بهزيمة كاملة في "اليوم الحزين" لقرار المحكمة العليا الخاص بالإجهاض، إذ أقرّ مجلس النواب الذي يسيطرون عليه مشروع قانون سبق أن صدّق مجلس الشيوخ عليه يضع للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود ضوابط على حيازة الأسلحة.

ووقّع الرئيس بايدن، السبت، أول مشروع قانون فدرالي مهم لتنظيم حمل الأسلحة في الولايات المتحدة منذ عقود، وقال في البيت الأبيض قبل مغادرته لحضور اجتماعات دبلوماسية في أوروبا: "رغم أن هذا القانون لا يشمل كل ما أريده، فإنه يتضمن إجراءات كنت أدعو إليها منذ فترة طويلة، والتي من شأنها إنقاذ أرواح".

ويمثل مشروع القانون الذي جاء بعد عمليات قتل جماعي شهدها سوق تجاري في بوفالو بمدينة نيويورك ومدرسة في يوفالدي بولاية تكساس في مايو/ أيار الماضي، هزيمة نادرة لمصنعي الأسلحة الأميركيين والجمعية الوطنية للبنادق. وتتضمن بنوده اتخاذ خطوات في شأن التحريات الأمنية من خلال السماح، للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، بالوصول إلى معلومات تتعلق بالجرائم الجسيمة التي ارتكبها أحداث، ووضع قيود على شراء مدانين بارتكاب أعمال عنف منزلي أسلحة، وتوفير تمويل فيدرالي للولايات التي تطبق قوانين تهدف إلى مصادرة أسلحة من أشخاص يعتبرون خطرين على أنفسهم والآخرين.
لكن المشرّعين الديمقراطيين نفسهم وصفوا مشروع القانون بأنه "خطوة أولى متواضعة"، في بلد يتمتع بحسب الإحصاءات بأعلى نسبة لامتلاك أفراد أسلحة في العالم، ويشهد سنوياً أكبر عدد من عمليات إطلاق النار العشوائي بين الدول الغنية.

مؤيدات للإجهاض أمام المحكمة العليا (أليكس إيدلمن/ فرانس برس)
مؤيدات للإجهاض أمام المحكمة العليا (أليكس إيدلمن/ فرانس برس)

"وداعاً" مقابل "لا سلام"
وفيما تعمّدت أجهزة الأمن تقسيم الشارع المكتظ بالناس أمام المحكمة العليا، ووضعت سياجاً للفصل بين مؤيدي القرار ومعارضيه، قالت ميسي بيتي (22 عاماً) من ساوث كارولاينا لوكالة "فرانس برس": "أشعر بالامتنان للمحكمة العليا التي أخذت على عاتقها إصدار هذا الحكم لإنقاذ الأطفال". أيضاً، قال ماركو سانتشيث (23 عاماً)، وهو من بورتلاند بولاية أوريغون وعضو في جماعة "طلاب من أجل الحياة" المناهضة للإجهاض: "جئت لمقاومة العار في بلدنا الذي سمح بقتل أرواح بريئة قبل الولادة".
في المقابل، انتقد سام غولدمان (35 عاماً)، وهو من النشطاء المدافعين عن الحق في الإجهاض، قرار المحكمة، ووصفه بأنه "غير شرعي"، مضيفاً: "يجب ألا تستمر الأمومة القسرية. نحتاج إلى الإجهاض القانوني بحسب الطلب، ويجب أن يخرج الناس إلى الشوارع، ولا يتوقفوا عن الاحتجاج حتى يتحقق هذا الطلب".
وقالت جينيفر لوكوود شبات (49 عاماً)، وهي أم لبنتين كانت تبكي حزناً: "يصعب أن نتخيل العيش في بلد لا يحترم المرأة وحقها في السيطرة على جسدها"، علماً أن قرار المحكمة العليا سيؤدي إلى سنّ نحو نصف الولايات الأميركية الخمسين مجموعة قوانين جديدة تقيّد بشدة عمليات الإجهاض أو تحظرها تماماً وتجرّمها، ما سيجبر النساء على السفر مسافات طويلة إلى الولايات التي لا تزال تسمح بهذا الإجراء".
وسادت أجواء احتفالية في صفوف معارضي حق الإجهاض الذين عزفوا الموسيقى، وأطلقوا فقاعات هواء في الجو ورقصوا ورددوا الهتاف "وداعاً رو" في إشارة إلى القانون. في المقابل، هتف دعاة حقوق الإجهاض: "لا عدالة، لا سلام".
وبعد ساعات من قرار المحكمة العليا، حظرت سلطات ولاية ميسوري الإجهاض من دون استثناء الحمل الناتج من الاغتصاب أو سفاح القربى. وقال المدعي العام في ميسوري، إريك شميت: "هذا يوم تاريخي لقدسية الحياة". وحذت حذوها سلطات ولاية ساوث داكوتا، مع استثناء الأوضاع التي تكون فيها حياة الأم في خطر.
ويفيد معهد "غوتماشر" بأن 13 ولاية أعدت قوانين تحظر الإجهاض فور صدور قرار المحكمة العليا تقريباً. ولدى 10 ولايات أخرى قوانين تعود إلى ما قبل عام 1973، ويمكن أن تدخل حيز التنفيذ مجدداً، أو تشريعات تحظر الإجهاض بعد ستة أسابيع من الحمل، أي قبل أن تعرف كثير من النساء أنهن حوامل". 

انقسام خارجي 
ولم يقتصر "الانقسام" على ردود الفعل داخل الولايات المتحدة، وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس: "فرض قيود على هذا الإجراء لن يؤدي إلى منعه، بل سيجعله أكثر فتكاً. الصحة الجنسية والإنجابية والحق فيهما أساس الحياة القائمة على الاختيار والتمكين والمساواة للنساء والفتيات في العالم".
وأعلنت مفوضة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشيل باشليه أن إلغاء المحكمة الأميركية العليا الحق في الإجهاض "ضربة موجعة للحقوق الإنسانية للنساء". أضافت: "الحق في الإجهاض الآمن والقانوني والفاعل متجذر بعمق في القانون الإنساني الدولي، ويندرج في صلب استقلالية النساء، وقدرتهن على حسم خياراتهن بأنفسهن"، مبدية أسفها لقرار "يشكل تراجعاً كبيراً، خصوصاً أن أكثر من 50 دولة خفّفت قوانينها التي تقيّد الإجهاض في السنوات الـ 25 الأخيرة". أما المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس، فقال: "أشعر بخيبة أمل بالغة من عدم حماية حقوق النساء، وهو ما كنت أتوقعه من الولايات المتحدة". 
في المقابل، أشادت الأكاديمية الباباوية من أجل الحياة بـ"قرار يتحدى العالم كله في شأن قضايا الحياة، فالدفاع عن الحياة البشرية لا يمكن حصره في حقوق فردية، لأن الحياة أمر ذو أهمية اجتماعية واسعة".

المساهمون