أمطار الأردن... تأخير يلحق الأذى بالمزارعين

10 فبراير 2021
صلاة استسقاء لعلّ الأحوال تتغيّر (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -

ليست المرّة الأولى التي تتأخّر فيها الأمطار بالأردن ويخشى المزارعون على رزقهم وتُرفع صلوات الاستسقاء، لكنّ الأمر يستوجب دائماً التوقّف عنده

يؤثّر تأخّر هطول الأمطار على البيئة ويهدد الموسم الزراعي، بحسب ما يؤكد مزارعون ومختصون أردنيون، خصوصاً أنّ كثيرين منهم يعتمدون في زراعاتهم على مياه الأمطار للمحاصيل الحقلية، بالإضافة إلى تأثير ذلك على المراعي الطبيعية التي يعتمد عليها مربّو الماشية. بالنسبة إلى هؤلاء فإنّ الكميات المتواضعة من الأمطار، التي هطلت منذ بداية الموسم حتى الثلث الأول من يناير/ كانون الثاني المنصرم، ساهمت في نموّ بعض الزراعات والنباتات الرعوية، لكنّهم يخشون من تأخّر هطول الأمطار على الزراعة البعلية بمختلف أشكالها وحتى المروية منها، وتأثير ذلك سلباً على المراعي.

ولا يقتصر تأثير تأخّر الأمطار على الزراعة فقط ، بل ثمّة أثر مباشر كذلك على مختلف النواحي البيئية، علماً أنّ الصحراء تشكّل ما نسبته 80 في المائة من مجمل مساحة الأردن فيما تواجه 10 في المائة من المساحة المتبقية خطر التصحّر، بالتالي تبقى نسبة مماثلة تُعَدّ أرضاً زراعية. وفي هذا الإطار، دعت وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية المواطنين إلى إقامة صلاة الاستسقاء في كل مساجد البلاد.
يقول المزارع علي محمد من محافظة البلقاء (شمال غربي عمّان) لـ"العربي الجديد" إنّ "تأخر هطول الأمطار ساهم في تأخّري في زراعة أرضي، غير أنّني بعد ذلك عمدت إلى زراعة الشعير والقمح في انتظار رحمة الله والأمطار"، مشدداً على "أهمية هطول الأمطار باكراً من أجل الحصول على منتوجات وفيرة". يضيف محمد أنّ "الأمطار المتأخرة تقضي على آمال المزارعين ومربّي الماشية بموسم جيد، وتسهم في تأخّر الموسم برمته. وإذا طال الأمر، فإنّ النتائج وخيمة".
بدوره، يؤكّد المزارع عاطف العبادي لـ"العربي الجديد" أنّ "تأخّر هطول الأمطار له أضراره على المزروعات والمحاصيل الحقلية، خصوصاً القمح والشعير. كذلك يطاول التأثير السلبي الأشجار المثمرة، ما يتسبّب في إصابتها بالأمراض، بالإضافة إلى تأخّر نمو الشجيرات والأعشاب الرعوية".
وتُعَدّ المياه من أبرز المشكلات التي تواجه الزراعة في الأردن، فهو يُصنَّف ثاني أفقر بلد في العالم لجهة نصيب الفرد من المياه، وتشغل الزراعة البعلية 87 في المائة من الأراضي الزراعية في الأردن، فيما يستهلك القطاع الزراعي أكثر من 60 في المائة من أجمالي استهلاك البلاد للمياه.

الصورة
قطاف زيتون في الأردن (عواد عواد/ فرانس برس)
من قطاف زيتون في الأردن (عواد عواد/ فرانس برس)

وفي هذا السياق، يقول مدير إدارة الأرصاد الجوية رائد رافد آل خطاب لـ"العربي الجديد" إنّ "مجاميع الأمطار التي شهدتها مختلف مناطق البلاد منذ بداية هذا الموسم 2020/ 2021 أقلّ من مجموع الأمطار الافتراضي"، موضحاً أنّ "أمطار المربعانية (فترة يشتد فيها البرد وتستمر أربعين يوماً من 22 ديسمبر/ كانون الأول إلى 31 يناير/ كانون الثاني) تشكّل عادة ما نسبته 30 في المائة من مجموع موسم الأمطار العام في البلاد". لكنّه يؤكد أنّ "انحباس الأمطار حتى الآن لا يُعَد ظاهرة غير مسبوقة في الأردن"، مضيفاً أنّ "المعلومات والدراسات المناخية في مديرية المناخ في إدارة الأرصاد الجوية تشير إلى أنّ جودة موسم الأمطار تختلف من عام إلى آخر، وهي لا تعتمد بالضرورة على كميات الأمطار التي تهطل في خلال الفترة الأولى من فصل الشتاء".
وحول تأخّر هطول الأمطار هذا العام، يشرح آل خطاب أنّه "يرتبط بالتغيرات المناخية على مستوى العالم التي تؤدي دوراً كبيراً، وتؤثّر بشكل سلبي أو إيجابي. والأردن شهد في الصيف الماضي موجة حر طويلة فيما سُجّلت فيضانات في بلدان أخرى من العالم". ويتابع أنّ "الأردن جزء من العالم والتغيّرات المناخية تصيبه كما البلدان الباقية. وما يُعرف بظاهرة النينو المناخية كانت هذا العام نشطة وتأثيرها واضح على النظام المناخي، الأمر الذي يتسبّب في حالات الطقس المتطرفة المرتبطة بقلّة الأمطار أو الفيضانات". ويلفت آل خطاب إلى أنّ "موسم الأمطار في الأردن يستمر حتى منتصف شهر مايو/ أيار. صحيح أنّ الوضع ضعيف حتى الآن لكنّنا لا نستطيع الحكم على هذا الموسم بشكل مطلق حتى الآن، إذ ثمّة مواسم تبدأ ضعيفة ثمّ تتحسّن بعد ذلك فيما أخرى تبدأ بهطول كثيف ثم تضعف. وثمّة مواسم عدّة لم تشهد المربعانية فيها هطول أمطار جيّد لكنّ مجاميع المطر النهائية للموسم أتت جيدة".
من جهتها، تقول الخبيرة البيئية صفاء الجيوسي لـ"العربي الجديد" إنّ "الأردن من أكثر البلدان تأثراً بالتغيّر المناخي، في ظل  ارتفاع درجات الحرارة وزيادة نسبة غازات الدفيئة في الجو، وهو ما يجعله يعاني من حدّة الطقس. فيأتي الشتاء قصيراً ومتطرّفاً، أي احتمال تأخّر سقوط الأمطار مع غزارة عند الهطول في أوقات قصيرة. وربما يتسبب الأمر هذا العام بفيضانات يصعب استيعابها مثلما حدث في سنوات ماضية". وتوضح أنّ "هذا التغيّر لا يطاول فقط فصل الشتاء، فنحن في انتظار فصول صيف طويلة مع درجات حرارة أكثر ارتفاعاً في السنوات المقبلة. وهذه التغيّرات لا يمكن تحديدها في موسم معيّن بل ترتبط سنوات عدّة، بالتالي سيختلف موسمَا الشتاء والصيف بسبب التغيّر المناخي".
وتؤكّد الجيوسي أنّ "تأخّر المطر يؤثّر على البيئة وعلى المزارعين بشكل مباشر، خصوصاً الذين تشكّل الزراعة مصدر رزقهم الرئيسي. فالتغيّرات المناخية تؤثّر على المحصول الزراعي. وتأخّر الأمطار والتغيّرات تؤثر على الرقعة الخضراء في البلاد، التي هي في الأساس مساحة صغيرة تتعرّض للتعدّي بشكل كبير في الفترة الأخيرة". وإذ تشير الجيوسي إلى أنّ "جائحة كورونا أثّرت على التلوّث في العالم، في ظلّ الإغلاق والحدّ من حركة النقل الجوي كما البري"، توضح أنّها "لم تؤثّر على الطقس بشكل مباشر".

أمّا رئيس قسم مراقبة الإنتاج في مديرية الإنتاج النباتي في وزارة الزراعة الأردنية، المهندس محمد الجمال، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّه "لا يمكننا الجزم حتى الآن بأنّ ثمّة تأثيراً كبيراً لتأخّر الأمطار على الموسم الزراعي، خصوصاً في ظلّ هطول  أمطار على بعض المناطق في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. لذلك لم تتّخذ وزارة الرزاعة أيّ إجراءات في هذا السياق". يضيف أنّ "لا مشكلة لدى من زرع  بذور المحاصيل الحقلية كالقمح والشعير والعدس وغيرها، وثمّة أعشاب رعوية بدأت بالنمو. ربمّا ثمّة مشكلة بالتنوّع". ويتابع الجمال أنّه "حتى الآن، نحن في بداية الموسم والأشجار المثمرة لم تتأثر إذ إنّ هذا الموسم ليس موسمها، باستثناء أشجار الحمضيات التي تعتمد على مياه الريّ وليس الأمطار بشكل أساسي". لكنّه يوضح أنّ "مشكلة كبيرة ستقع في حال استمرّت الحال على ما هي عليه، لا سيّما في ما يتعلّق بالمحاصيل الحقلية والصيفية، وستتأثر الأشجار المثمرة بمعظمها ومنها أشجار الزيتون التي تنتشر بشكل كبير في البلاد".

أشجار الزيتون مهددة
يشير رئيس قسم مراقبة الإنتاج في مديرية الإنتاج النباتي في وزارة الزراعة الأردنية، محمد الجمال، إلى أنّ "ثمّة مشكلة كبيرة ستقع في حال استمرّت الحال على ما هي عليه في ما يخصّ تأخّر الأمطار، لا سيّما بالنسبة إلى المحاصيل الحقلية والصيفية، وستتأثر الأشجار المثمرة بمعظمها ومنها أشجار الزيتون التي تنتشر بكثرة في البلاد".

المساهمون