مع استمرار التهدئة في اليمن منذ حوالي عام ونصف العام، تصاعدت المطالبات الحقوقية في مناطق سيطرة أنصار الله (الحوثيين)، وأعلن عن إنشاء ناد للأكاديميين اليمنيين في صنعاء يضم أساتذة وموظفي الجامعات الحكومية اليمنية المنقطعة رواتبهم للعام السابع على التوالي نتيجة الحرب والصراع المستمر في البلاد.
وفي 29 أغسطس/ آب الماضي، أُعلن عن اللجنة التحضرية للكيان الحقوقي الجديد والذي حمل اسم نادي الأكاديميين والإداريين في الجامعات الحكومية، على غرار تكتل آخر للمعلمين اليمنيين، والذي أعلن عنه في يوليو/ تموز الماضي مع بدء العام الدراسي الجديد في مناطق سيطرة الحوثيين، والذي بدأ إضراباً شاملاً ما زال مستمراً في نطاق واسع من المدارس الحكومية للشهر الثاني على التوالي.
وقالت اللجنة التحضيرية لنادي الأكاديميين في بيانها الأول أن "هدفهم انتزاع الحقوق والدفاع عنها وفقاً للدستور والقانون، وتعهد النادي بالعمل على إعادة من تم حرمانهم من رواتبهم وإقصائهم من أعمالهم من دون وجه حق، وتسليمهم كافة حقوقهم".
ويسعى النادي لضم كافة الأكاديميين والإداريين في الجامعات الحكومية اليمنية وتبني مطالبهم الحقوقية. وقال البيان إن "صبر أساتذة الجامعات الحكومية وموظفيها قد نفد، ولم يعد يمكن السكوت عن الظلم الذي تجرعوه حتى الآن"، لافتاً إلى "أن الحكومة لم تقدر صبر الأكاديميين خلال السنوات الماضية وتتحجج باستمرار العدوان والحصار وأن النفط ليس تحت سيطرتها".
صرف الرواتب
ويقول رئيس اللجنة التحضيرية لنادي الأكاديميين الدكتور عبد السلام الكبسي إن "مئات الأساتذة والإداريين في الجامعات اليمنية اجتمعوا وأسسوا كياناً حقوقياً، وأصدرنا البيان الأول ولا نزال نتشاور في اللجنة التحضيرية بشأن الخطوة المقبلة، ونعتزم لقاء مسؤولي الحكومة والبرلمان قبل تحديد الخطوات المقبلة". يضيف في حديثه لـ"العربي الجديد": "الواقع أن الأكاديميين لم يتسلموا رواتبهم منذ أكثر من 8 سنوات، ويواجهون العوز والفقر والشتات في ظل قوى متصارعة داخلية ترحّل المشاكل نحو الخارج وتختلق الأعذار وكل عملها الهدم، وقد نجحت في هدم التعليم العام والمتوسط ولم يبق أمامها إلا التعليم العالي".
ويرى الكبسي أن من سماها بـ"القوى المتصارعة خالفت النظام بتعيين شيخ قبلي لإدارة التعليم العالي"، في إشارة إلى وزير التعليم العالي المُعيّن من قبل الحوثيين في صنعاء الشيخ حسين حازب، وعُرف قبل الحرب بكونة شيخاً قبلياً من قيادات حزب المؤتمر، الجناح المتحالف مع الحوثيين بصنعاء. يتابع: "قطعت الرواتب وألغيت الحوافز وتم التضييق على الأساتذة وتخوينهم على منابر المساجد، ومطلبنا الرئيسي هو الراتب الآن لأنه حق".
وتعيش البلاد هدنة منذ عام ونصف العام، وكان يفترض أن يتم الاتفاق على صرف الرواتب للموظفين الحكوميين المدنيين المنقطعة رواتبهم، إلا أن الخلافات لم تنته حيال هذا الملف وسط استمرار الوسيط العماني برعاية المفاوضات الثنائية بين الحوثيين والسعودية.
ربط الحقوق بالحرب
ويتهم الحوثيون التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن بالتسبب بقطع رواتب الموظفين ويحملونها المسؤولية ويريدون أن تصرف عائدات النفط والغاز في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية التي منعت قبل نحو عام من التصدير بسبب هجمات الحوثيين على موانئ حضرموت وشبوة (شرق البلاد).
ويقول الكبسي: "الأعذار التي تختلقها حكومة صنعاء غير مقبولة، لا سيما أن هناك جهات تستلم رواتبهم وحوافزها"، مشيراً إلى "وجود إيرادات فلكية من الضرائب والاتصالات والمصانع الإسمنتية والزكوات والأوقاف والواجبات والجبايات". ويوضح أنه "من الممكن تأمين الرواتب من خلال 10 في المائة من هذه المتحصلات. وإذا كانوا فاشلين في إدارتها، فليفسحوا المجال للكفاءات للقيام باللازم. لدينا أساتذة أجدر بتحمل المسؤولية"، مضيفاً: "نعاني اليوم من حكومتي صنعاء وعدن. صنعاء تنهج الثيوقراطية (حكم رجال الدين أو الحكومة الدينية أو الحكم الديني)، وعدن تنهج اللاديمقراطية، وبينهما يضيع الوطن".
وعلى مدى الأشهر الماضية يطلق الحوثيون ما بين الحين والآخر تهديدات باستئناف العمليات العسكرية مع تصاعد ضغوط المطالب الحقوقية. وزار الوفد العماني صنعاء في منتصف أغسطس/ آب الجاري، وقال الحوثيون إن هدف الزيارة إحياء العملية التفاوضية بدءاً من الملف الإنساني، ومن ضمنها تسليم رواتب الموظفين.
إلى ذلك، يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء عبد الباقي شمسان أن "أحد أبرز أسس المشروع الانقلابي الحوثي هو إلغاء التعددية واحتكار السيادة والسلطة، وبالتالي أي نشاط سياسي أو مدني سيكون أحادي اللون في إطار مشروع الحوثي وتوجهاته". يضيف في حديثه لـ"العربي الجديد": "في البداية، عملت الجماعة على إنهاء عمل الأحزاب السياسية المعارضة والنقابات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني، وقامت بإعادة تشكيل الذاكرة الجمعية التي تستدعي التصورات القديمة للحكم، لذا لا يمكن الحديث عن أن الجماعة ستسمح بناد للأكاديميين أو أي مؤسسات معارضة".
يضيف: "لا يمكننا الحديث حالياً عن الحق في النشاط المدني. نحن أمام جماعة متماثلة مع السلطة والنشاط حد التطابق، ولن تقبل بأي أنشطة تعارضها أو تختلف معها لأنها تمتلك رؤية أحادية للسلطة، باعتبار أن لديها تفويضاً إلهياً، بمعنى أن السلطة محتكرة بسلالة ما، وهذا يعني عدم وجود مجال عام مرتبط بالديمقراطية وجماعات معارضة".
يتابع شمسان: "المطالب الحقوقية لا يمكن أن تتحقق لأن هناك ميلشيات تمارس العنف والترهيب والتصفية. لذلك، هذه الكيانات لن تستطيع تحقيق أي مطالب عن طريق الاحتجاج أو الاقتراح، ولا بد أن يكون هناك تزامن مع المقاومة والتضحية لتشكل ضغطاً على الجماعة في إطار مشروع وطني".
ويوضح أن "العملية التعليمية تتكون من ثلاثية الطلاب والأكاديميين والموظفين، وتمت السيطرة على القرار وترويع الطلاب، ولا يمكن لأي حراك نقابي أن ينجح إلا بترابطها، وهذا أصبح ضعيفاً وهشاً. ولا يمكن للجامعة أن تحدث حراكاً إلا بارتباطها بالمجتمع، لكنه متعب وتحت الترهيب". ويرى أن "الأفق ضيق إذا لم تعمل هذه المنظمات بالتنسيق في إطار حركة جمعية وليست أحادية، وإن كانت تراهن على العمل بإطار ضيق فيجب ألا تراهن على استمرارها، وعليها أن تعمل ضمن استراتيجيات وليس مجرد مطالبة بالحصول على الراتب، لأن هذا لا يشكل أي خطر على الجماعة وهي عبارة عن احتجاج يفتقر للاقتراح والفعل المقاوم".