لا يزال وصول النساء إلى العدالة يواجه تحديات في الأردن، يتعلق بعضها بالثقافة المجتمعية التي تضعهن في مكانة أدنى من الرجال، وتعرضهن لتمييز مستمر منذ فترات طويلة. وبين التحديات أيضاً مواجهتهن بيئة قوانين تشريعية لا تسهّل مهمة تكليفهن محامين لرفع دعاوى لهن، وكيفية تأمين رسوم القضايا ونفقات من بينها تلك الخاصة بالتوجه إلى محاكم تتواجد معظمها في أماكن بعيدة.
وتصدرت حالات عنف كثيرة ضد نساء وفتيات مواقع التواصل الاجتماعي خلال الفترة الأخيرة في الأردن، وتداول ناشطون مجموعات "هاشتاغ" تتعلق بنساء أصحاب قضايا أو بقضايا تخصهن، ومنها على سبيل المثال "صرخات أحلام" و"بنت الجامعة"، ما ساهم في عرضها على الرأي العام الذي تفاعل معها. لكن هذه الحالات بقيت فردية قليلة ولا يمكن أن تغطي التجاوزات الكثيرة التي تطاول حقوق المرأة وتفاصيل حياتها اليومية، فالعدالة على مواقع التواصل الاجتماعي مختلفة عنها على أرض الواقع.
الحقيقة أن وصول النساء إلى محاكم عادلة في الأردن، قضية شائكة ومتشابكة ترتبط بحقائق اجتماعية وقانونية ومالية قد لا تتلاقى مع الإشكالات والتحديات التي تطاول النساء المستضعفات في ظل منظومة ثقافية واجتماعية لا تساويهن مع الرجل. ويجعل ذلك الفقيرات والكبيرات في السن واللاجئات والمصابات بإعاقات وغير المتعلمات يدفعن ثمناً مضاعفاً لهذا الواقع.
تقول المحامية تغريد الدغمي التي تشغل منصب مدير تنفيذي في مركز "وعي حقوق الإنسان" لـ"العربي الجديد": "تتعدد عراقيل وصول المرأة إلى العدالة، بعضها قانوني وأخرى اجتماعية أو مالية تتعلق مثلاً برسوم القضاة خصوصاً في الملفات الحقوقية. وقد يعتبر البعض أن هذه الرسوم رمزية لكن هناك نساء لا يستطعن دفعها ويعتبرنها مكلفة حتى لتغطية مصاريف أجور المواصلات والانتقال إلى المحاكم. ولا تواجه النساءُ فقط هذه العراقيل، بل فقراء كُثر".
وتشير أيضاً إلى أن "تكليف المرأة محامياً ليس أمراً سهلاً، لأن فئة كبيرة منهن لا يملكن القدرة على دفع الأتعاب. وهن يواجهن أيضاً عقبات عدم معرفتهن بإجراءات المحاكم، وكيفية الذهاب إليها مباشرة، علماً أن هذا الأمر مسموح فقط في القضايا الجزائية. وعموماً قد يتسبب عدم معرفة الإجراءات في خسارة الحقوق".
وحول المساعدة القانونية التي توفر مجاناً أحياناً، تقول الدغمي إن "نقابة المحامين تقدم خدمة المساعدة القانونية لمن يحتاجها، لكن بشروط واستناداً إلى وثائق رسمية تؤكد عدم القدرة على توكيل محامي. أما رسوم رفع الدعاوى إلى القضاء فتشكل المشكلة الأكبر خصوصاً في القضايا الحقوقية، علماً أن رسوم قضايا الصلح هي حوالي 3 في المائة، ويستمر دفعها في حال الطعن بالأحكام وعرضها على التمييز".
وفي شأن عدد النساء في سلك القضاء، وتأثيره على وصولهن إلى العدالة، ترى الدغمي أن "نسبة القاضيات في المحاكم النظامية جيدة بخلاف المحاكم الشرعية، مشيرة إلى أنه يجري تعيين قاضيات للبت في دعاوى العنف الأسري وغيرها، والتعامل مع قضايا حساسة، والاستماع إلى شهادات في غرف قضائية متخصصة". لكنها تستدرك بان "هناك حاجة إلى تغيير منظومة متكاملة مع بعضها البعض من أجل مساعدة السيدات في بلوغ العدالة في شكل أفضل. وهنا يعتبر تعزيز الوضع الاقتصادي للنساء أحد أهم العوامل التي تساعدهن في هذا الأمر، علماً أن طول أمد نظر القضاء في الدعاوى يمنع أيضاً توجّه سيدات إلى القضاء الذي قد ينظر في ملف فترة تتجاوز عامين، ما يجعل نساء يتجنبن المحاكم".
من جهتها، تقول الناشطة الاجتماعية، والرئيسة السابقة لشبكة دعم المرأة، نهى حنا محريز لـ"العربي الجديد": "تواجه المرأة تحدياً كبيراً في الوصول إلى العدالة يرتبط بتأثرها بالثقافة الاجتماعية المحيطة بها، والتي تعتبر أن أولويتها تتمثل في إدارة شؤون أسرتها وبيتها، وضرورة إخضاع تصرفاتها أو القرارات التي تتخذها إلى الرجال الكبار في العائلة. وهكذا يصبح مجرد وقوف المرأة أمام المحكمة وصمة عار حتى في حال مواجهتها مشكلة استدانة مبلغ بسيط، أو التعرض لغرامات تنتج من منحها قرضاً لزوجها أو شقيقها، وغيرها". وتتابع: "من الحقائق المزعجة أيضاً تعرض سيدات لتحرّش بطرق مباشرة أو غير مباشرة لدى مراجعتهن محامين أو مقدمي خدمات. وقد استمعت إلى شكاوى في هذا الشأن من سيدات التحقن بدورات تدريب تناولت الاستغلال في القضايا المعروضة". وتكشف محريز أن "بعض مقدمي الخدمات لا يتعاملون مع قضايا النساء باعتبارها حقاً، بل كقضية شفقة. ويرون أن المرأة ضعيفة ويجب مساعدتها، ما يتناقض مع دورهم في توفير معاملة مهنية تعطي المراجعات حقها المناسب لتحقيق النتيجة الأفضل".
وتصف نظرة المجتمع إلى المرأة التي ترفع قضية بأنها "غير جيدة، وتتأثر بواقع أن الرجال في المجتمع الأردني يعتبرون أنفسهم أوصياء على النساء، وبالتالي قد يعارض أهل هذه المرأة رفعها قضية على زوجها، أو يبادر أهل زوجها إلى تلفيق تهم لها بمجرد معرفتهم برغبتها في رفع قضية على زوجها، ما يعني تقديمهم شكاوى كيدية ضدها".
وتعترف محريز بأن "السنوات الماضية شهدت تغييرات اجتماعية كثيرة في الأردن جعلت النساء أكثر قدرة على الوصول إلى العدالة، لكن التحديات لا تزال موجودة، وتختلف بين امرأة وأخرى بحسب التنشئة الاجتماعية، وكذلك بحسب مستوى التعليم والاستقلال الاقتصادي. وقد أثرّت التكنولوجيا وانتشار الإنترنت إيجاباً في الوصول إلى العدالة، بسبب تسهيل الحصول على معلومات والوصول إلى مصادر الخدمات".
وتشير إلى "ضرورة تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني في مساعدة السيدات بالوصول إلى العدالة، إذ إن نساء كثيرات يقفن عاجزات عن البحث عن حقوقهن بسبب عدم قدرتهن على تعيين محامٍ، أو الوصول إلى محاكم بسبب كلفة المواصلات".