سعياً للحفاظ على التراث الفلسطيني، وضع "مركز توابل للإبداع والفن الفلسطيني" في مخيم برج البراجنة في بيروت، الحفاظ على التراث في سلّم أولوياته. يقول مؤسس ومدير المركز ماهر الحاج، المتحدّر من بلدة ترشيحا (تقع على مسافة 27 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من مدينة عكا في فلسطين)، والمقيم في المخيم: "تراودني فكرة المشروع منذ سنوات عدة، وكثيراً ما عملت على التخطيط للأمر لأن الرسامين التشكيليين مهمّشون في المخيمات الفلسطينية، وما من مؤسسات تُعنى بالفن التشكيلي، إذ إن تلك الموجودة عادة ما تقدم خدمات اجتماعية".
يتابع أن المركز يمنح الشباب الفرصة للالتحاق به وتعلم حرف تتناسب وقدراتهم، ليعتاشوا منها في المستقبل. ويوضح: "ابتكرنا أموراً جديدة من الخشب تتماشى مع متطلبات السوق، وبمواد غير مكلفة. فمن خلال قطعة من الخشب، يمكن إنتاج لوحة فنية جميلة. في أحيان كثيرة، نلجأ إلى الأخشاب المستعملة التي يرميها النجار بسبب عدم حاجته إليها، ما يكرس عملية إعادة التدوير. ويبيع الأشخاص القطعة بسعر معقول، الأمر الذي يساهم في الحد من البطالة".
ويقول: "نلاحظ أن تعاطي المخدرات بين الشباب يزداد يوماً بعد يوم"، مشيراً إلى أن "السبب الرئيسي هو البطالة. لذلك، فإن تعلم حرفة معينة قد يحد من نسبة تعاطيهم المخدرات، وبالتالي الانشغال بعمل يعود بالنفع عليهم". ويوضح أن الدورات تشمل الضغط على النحاس، والخط العربي، والفنون التشكيلية على أنواعها، وأشغالا حرفية أخرى.
كما يوضح الحاج أن المركز لا يحصل على تمويل من أحد، وهو عبارة عن جهد فردي بدأته مجموعة من الفنانين الفلسطينيين. ويطمح إلى توسيع المركز، وقد تقدم بمشاريع إلى عدد من المؤسسات من دون أن تتم الموافقة عليها حتى اللحظة.
من جهته، يقول يوسف سلعوس، الذي يتحدر من قضاء عكا، ويعمل في مركز توابل في مجال الإعلام والتكنولوجيا: "المركز هو حلم كان يراودنا جميعاً. يعلم الرسم والنحت مع لمسات إضافية، كما أنه مصدر رزق لنا". يضيف: "ندرّب الشباب أيضاً على الطباعة على الملابس، والميداليات وغيرها من الجوائز. من خلال عملنا هذا، نساهم في الحفاظ على التراث الفلسطيني والالتزام برسالتنا والحفاظ على هويتنا الثقافية على الرغم من سنوات اللجوء".
في هذا السياق، يقول أبو حيدر، وهو فلسطيني يتحدر من مدينة الناصرة، وكان يقيم في مخيم اليرموك في مدينة دمشق، إنه جاء إلى لبنان قبل نحو عام بسبب الأوضاع الصعبة في سورية وفقدانه منزله، ليعيش في مخيم برج البراجنة. يضيف: "أنا معالج فيزيائي وأعمل في الحفر على الخشب. الهدف من العمل في المركز هو إيصال رسالة للعالم بأن الشعب الفلسطيني حي لا يموت، ونعمل على الحفاظ على التراث وهويتنا الثقافية، كما نحلم بأن يصل شغلنا إلى العالم".
من جهته، يقول الرسام التشكيلي خليل أحمد، المتحدر من بلدة ترشيحا، والذي كان يقيم في مخيم النيرب في مدينة حلب في سورية قبل الانتقال إلى مخيم برج البراجنة: "أعيش في لبنان منذ عام 1986، وقد درست الفن التشكيلي في جامعة دمشق". يضيف: "لأنني رسّام أساساً، قررت بالاتفاق مع الأستاذ ربحي سخنيني تعليم الفنون للشباب الفلسطيني، واكتشاف مواهب جديدة، لأن المواهب مدفونة وتذهب هدراً إن لم نستطع اكتشافها وتنميتها". ويوضح أنه يدرب في المركز على الخط العربي، والضغط على النحاس، بالإضافة إلى تدوير النفايات بهدف الاستفادة من نفايات المنازل.
إلى ذلك، يقول ربحي سخنيني، الذي يتحدر من مدينة طبريا في فلسطين: "المركز عبارة عن معهد مصغر، الهدف منه بناء الأجيال والاهتمام بكل الطاقات الإبداعية سواء للفتيات أوالشبان، وتعزيز مواهبهم في الفن التشكيلي من خلال الرسم بالرصاص والألوان".
يتابع: "سنبدأ خلال الشهر المقبل بدورات تدريبية للمراهقين والشباب ما بين 13 و20 عاماً، وخصوصاً أن هذه الفئة العمرية تعد أكثر عرضة للمخاطر". ويشير إلى أن مدة الدورة ثلاثة أشهر مقسمة لثلاثة أقسام: الرسم بالفحم، الرسم بالرصاص، وقسم للفنون الجميلة، وقسم للضغط على النحاس، والفن التشكيلي". ويقول إن "كل صف يضم خمسة عشر طالباً وطالبة، سيخضع جميعهم لهذه الدورات".
ويختم قائلاً إن "الهدف من عملنا هنا في المركز هو متابعة طريق من سبقونا من المبدعين، كغسان كنفاني، وناجي العلي، ومحاولة ترسيخه في أذهان الناشئة للحفاظ على تراثنا وهويتنا الثقافية الفلسطينية".