"تجويع" السوريين... تضييق عراقي على اللاجئين

06 اغسطس 2021
لاجئون سوريون في مخيم بكردستان العراق (سفين حميد/ فرانس برس)
+ الخط -

أوضاع اللاجئين السوريين سيئة جداً في كل بلدان الجوار. واليوم يواجه اللاجئون في العراق تحديداً مشكلات قطع السلطات والمنظمات المساعدات الإنسانية عنهم. وهذه الحال مستمرة منذ فترة.

كشفت مصادر عراقية مطلعة لـ "العربي الجديد" أن حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي جمّدت كل برامج المساعدات الإنسانية المقدمة لعشرات الآلاف من المواطنين السوريين المقيمين في مدن مختلفة، بالتزامن مع تعرضهم منذ فترة غير قصيرة لسلسلة مضايقات بلغت حدّ فرض حجر قبل أشهر على أفراد أسر بكاملها داخل ملعب لكرة القدم قيد الإنشاء في محافظة الأنبار غربي البلاد، في تصرفات يجزم مراقبون بأنها "هدفت إلى محاولة دفعهم للعودة إلى المناطق التي قدموا منها، وغالبيتها محاذية للحدود مع العراق، وتحديداً دير الزور والحسكة، علماً أن هناك لاجئين قدموا من حمص، وهم الأقدم بين موجات اللاجئين التي بدأت عام 2013".

ويؤكد مسؤول في بغداد أن آلاف السوريين ينتظرون السماح لهم بالتوجه إلى إقليم كردستان العراق، حيث يتوقعون أن يحظوا بمعاملة أفضل لا تلحظ أي تضييق عليهم، وأن تتعزز فرصهم في نيل مساعدات من منظمات دولية، مع إمكان السماح لهم بالعمل في القطاع الخاص، بعدما قطعت بغداد المساعدات الإنسانية عنهم، والتي دأبت على تقدميها ضمن برنامج وزارة الهجرة.

لكن مسؤولاً آخر يشير إلى أن القرار "ليس جديداً، إذ تقلصت مساعدات برنامج وزارة الهجرة للسوريين منذ ظهور جائحة كورونا نهاية عام 2019، ثم أنهيت بعد فترة، علماً أن البرنامج لحظ تقديم الحصص نفسها التي يتلقاها النازحون العراقيون، مثل مواد غذائية تشمل الدقيق والرز والبقوليات، وأخرى صحية إلى جانب مستلزمات خاصة بالأطفال والنساء وغيرها، وكذلك توفير رعاية صحية مجانية، علماً أن مراكز الصحة الأولية في العراق أغلقت أبوابها منذ فترة". ويتابع المسؤول في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "السوريين في بغداد والأنبار والبصرة وبابل تحديداً تعرضوا لسلسلة مضايقات من أجهزة الأمن العراقية، ما جعل حال أسر كثيرة منذ فترة غير قليلة أشبه بالوجود في سجن، خصوصاً تلك التي نقلت إلى ملعب كرة القدم قيد الإنشاء جنوب مدينة الفلوجة بمحافظة الأنبار، حيث لا تتوافر أدنى مقومات الحياة أو العيش الكريم"، ما أغضب الشارع العراقي الذي ندد بما وصفه بأنه "معاملة سيئة للشعب السوري الذي كان استقبل عراقيين بترحاب كبير حين فروا من العنف في أعقاب الغزو الأميركي لبلدهم عام 2003، وعاملوهم بطريقة جيدة جداً".

الصورة
غالبية النازحين السوريين في العراق من المناطق الحدودية (Getty)
غالبية اللاجئين السوريين في العراق من المناطق الحدودية (Getty)

ويكشف المسؤول أن أجهزة الأمن العراقية نفذت حملة واسعة لاعتقال لاجئين سوريين يعملون في مهن مختلفة، ودفعت عدداً منهم إلى السفر، بينهم أطباء ومهندسون بعدما اتهمتهم بمخالفة شروط الإقامة عبر الالتحاق بالعمل أو فتح مشاريع، في وقت تعتبر أنهم يقيمون في شكل مؤقت، وضمن بند استثنائي أصدرته الحكومة. ويؤكد المسؤول أن الهدف الأساس من سلسلة المضايقات التي يتعرض لها السوريون هو محاولة دفعهم إلى اتخاذ قرار العودة إلى بلدهم، باعتبارهم لا يملكون خياراً آخر، علماً أن لاجئين سوريين كثراً قدموا طلبات لمنحهم تصاريح للتوجه من بغداد وباقي المحافظات إلى إقليم كردستان العراق، حيث تسود ظروف إنسانية ومعاملة أفضل، ويتوافر دعم الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى ناشطة على الأرض.

وكانت منظمات لحقوق الإنسان تابعة للأمم المتحدة قد حذرت في مارس/ آذار من تداعيات الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها اللاجئون السوريون في العراق، والتي قالت إنها "زادت سوءاً بعد تفشي أزمة جائحة كورونا". وأورد بيان مشترك أصدرته هذه المنظمات في مناسبة مرور 10 سنوات على بدء الحرب في سورية، والذي صادف قبل أسابيع: "أصبحت حياة اللاجئين السوريين من نساء ورجال وفتيات وفتيان أكثر صعوبة منذ اندلاع الأزمة السورية. ومع مرور كل عام، تزداد صعوبات أوضاعهم، علماً أن حوالى ربع مليون لاجئ وطالب لجوء سوري يعيشون في العراق، في ظل ظروف معيشية صعبة منذ بداية الأزمة الإنسانية السورية". ويشير بيان منظمات لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إلى أن "نسبة 60 في المائة من أسر اللاجئين قالت إنها خفضت استهلاكها الغذائي ووقعت تحت ديون، وأن نحو ثلث الأسر أصبحت تعتمد على مساعدات نقدية إنسانية".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

من جهته، يقول المدير العام لإدارة فروع وزارة الهجرة العراقية في المحافظات، علي جهاكير: "قطعت السلطات في العراق المساعدات عن اللاجئين السوريين بسبب قلة الموارد المالية ومخصصات توفير الدعم والمساعدة لهم وليس بسبب تطبيق السلطات سياسات لطردهم، علماً أن وزارة الهجرة ليست مسؤولة عن توزيع المساعدات، لكن جرى قبولها أخيراً باعتبارها طرفاً يعمل ضمن غرفة عمليات إغاثة اللاجئين وتوفير احتياجاتهم". يضيف جهاكير: "الباب مفتوح أمام اللاجئين السوريين الذين يريدون العودة إلى بلدهم الأصلي، وذلك بالتنسيق مع السفارة السورية في بغداد". ويرجح وجود 22,500 عائلة سورية في كردستان العراق، وهو رقم كبير، علماً أن عائلات كثيرة أقامت سابقاً في محافظات العراق التي تديرها بغداد، غادرت إلى إقليم كردستان العراق، بحثاً عن فرص حياة جديدة".

يكشف مدير مخيم "دارا" للاجئين السوريين في محافظة أربيل، بدر الدين نجم الدين، لـ "العربي الجديد"، أن "المخيم يضم نحو 2600 أسرة سورية من مناطق متفرقة يرفض أفرادها العودة إلى بلدهم، في مقابل عدم مطالبة أحد أيضاً بمغادرتهم". ويؤكد أن "المساعدات المخصصة للاجئين السوريين متوقفة منذ أشهر لأسباب مجهولة، في حين تراجعت المنظمات الدولية عن دعم اللاجئين بحجج مختلفة يتعلق أهمها بمواجهة أزمات مالية. أما حكومة إقليم كردستان العراق فتواصل مع بعض المنظمات المحلية والمتبرعين تمويل هذا المخيمات بمستلزمات الحياة الأساسية التي تحتاج إليها الأسر".

الصورة
أجهزة الأمن العراقية ضايقت السوريين (صباح عرار/ فرانس برس)
أجهزة الأمن العراقية ضايقت السوريين (صباح عرار/ فرانس برس)

وفي أحاديث أجرتها "العربي الجديد" مع عدد من اللاجئين السوريين في مخيم "دارا"، يصف بعضهم أوضاعهم بأنها "صعبة جداً، خصوصاً مع مواجهة ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف"، علماً أن سلطات إقليم كردستان العراق عملت خلال الفترة الماضية على تغذية المخيم بالتيار الكهربائي، إلا أن إجراءاتها لم تكف لمعالجة المشكلة بالكامل". ويشير بعضهم إلى الحاجة إلى تغذية أطفالهم، وزيادة المنظمات الدولية منح التعليم، وبناء مزيد من المدارس، وتأمين دورات تقوية للشبان داخل المخيم من أجل تعليمهم مهارات حرف يمكن أن يستغلوها في أعمال مهنية عند خروجهم من المخيم.

وتعتبر قطر والكويت في طليعة الدول التي قدمت مساعدات إنسانية في ملف اللاجئين في كل مدن العراق، علماً أن لا رقم دقيقاً لعدد السوريين اللاجئين في مدن ومحافظات العراق، وهو ما لم تحدده السلطات. لكن الأكيد أنه بين عشرات آلاف اللاجئين تشتت قسم كبير منهم بعد اجتياح تنظيم "داعش" للعراق، واضطروا إلى النزوح مجدداً من مدن ومحافظات في الشمال والغرب إلى أخرى في الوسط والجنوب وبغداد، إضافة إلى إقليم كردستان العراق.

يشدّد رئيس لجنة الهجرة والمهجرين في البرلمان العراقي، رعد الدهلكي، في حديثه لـ "العربي الجديد"، على أن "السلطات العراقية يجب أن تضطلع بواجبها الإنساني في توفير دعم كافٍ ومساعدات إنسانية، وحتى تأهيل نفسي واجتماعي لجميع اللاجئين والنازحين، أكانوا عراقيين أم سوريين. وهذا أمر ذو أهمية كبيرة بالنسبة إلى شرائح أصيبت بأضرار كبيرة من الحروب التي شهدها العراق وسورية خلال السنوات الماضية، ومن احتلال تنظيم داعش أجزاء كبيرة في البلدين. ومن الضروري أيضاً تخصيص مبالغ كافية لضمان عدم تجويع هؤلاء، وحث المنظمات المحلية والدولية على العمل وتنفيذ واجباتها الخاصة بالتعامل مع هذه الأزمة". ويشير إلى أن أي شخص أو جهة أو سلطة لا تملك حق إجبار اللاجئين على العودة إلى أماكن سكنهم في بلدهم الأم، طالما أنها غير مؤهلة لاستقبالهم، وأن عودتهم لا بدّ أن تكون طوعية وبلا إكراه، وتجنب تطبيق أساليب التجويع وسياسة الإبعاد عبر تقليص الدعم المادي والإنساني.

المساهمون