"البورد الطبي"... جدل يحسمه مجلس النواب الأردني

12 سبتمبر 2022
عدد أطباء الأردن الممارسين يفوق 32 ألفاً (كريغ ستينيت/Getty)
+ الخط -

يناقش مجلس النواب الأردني اليوم الاثنين، المادة الـ 17 المثيرة للجدل من مشروع قانون المجلس الطبي، التي تتعلق بإعفاء فئات من الأطباء العاملين بالخارج من التقدم إلى امتحان "البورد الطبي".

تعتبر الشهادة الصادرة عن المجلس الطبي، أعلى شهادة مهنية للاختصاص في الطب البشري وطب الأسنان والصيدلة في الأردن، وخلال مناقشات الأسبوع الماضي، وافق مجلس النواب على أغلب مواد القانون المتعلقة بالسياسات العامة للمجلس، ومعايير الاعتماد، ومواصفات التدريب المتعلقة بالاختصاصات، وتشكيل اللجان، وإجراء الامتحانات.
حسب نص مشروع القانون المقدم من وزارة الصحة، تعفي المادة من التقدم للامتحان عدة فئات، من بينها الطبيب الحاصل على أعلى شهادة اختصاص من الخارج قبل ديسمبر/كانون الأول 2001، شرط تحقق لجنة مختصة بالمجلس من شهادته، والطبيب الحاصل على أعلى شهادة اختصاص من دولة تربطها بالأردن اتفاقيات اعتراف متبادل.
كذلك تعفي الطبيب الحاصل على أعلى شهادة اختصاص وفقاً لبرنامج تدريبي معتمد ينتهي باجتياز الامتحان المخصص في البلد الذي تدرب فيه، على أن يحمل رخصة مزاولة مهنة سارية لمدة 3 أعوام من دون انقطاع في البلد الذي منحه الرخصة، والطبيب الحاصل على أعلى شهادة اختصاص فرعي، شرط أن يكون حاصلاً على الاختصاص من المجلس أو ما يعادله في التخصص الرئيسي، وأن يكون التخصص الفرعي الجديد فرعاً للتخصص الرئيسي. 
وقال وزير الصحة، فراس الهواري، خلال مناقشات النواب، إن قانون المجلس الطبي لم يتطور أو يحدّث بشكل حقيقي منذ عام 2005، مشيراً إلى أن "الفجوة الصحية والتعليمية بدأت بالاتساع، والحكومة استجابت للمتغيرات على الساحة الطبية، والتطور التكنولوجي، وقدمت مشروع القانون الذي يُمكّن المجلس الطبي من القيام بدوره. ما تضمنه مشروع القانون من استثناءات هدفه استقطاب الخبرات الأردنية في الخارج، وسيسهم ذلك في تعزيز السياحة العلاجية، وتهيئة باب العودة لهم للاستفادة منهم". 
وأوضحت الحكومة أن المجلس الأردني الطبي يعمل بمقتضى القانون على رفع المستوى العلمي والعملي لجميع الأطباء، وتأهيلهم، الأمر الذي تطلب نتيجة للتطبيق العملي ومتابعة المستجدات العلمية، ضرورة إعادة النظر في مهام المجلس وصلاحياته، وعمل اللجان المشكلة فيه، بما يمكنه من تحقيق أهدافه، والمحافظة على المستوى الطبي المتميز، وتمكين المجلس من مواكبة التطورات في برامج الامتياز والاختصاص والزمالة، واعتمادها، والتوسع في الاعتراف بتخصصات طبية جديدة لم تكن معتمدة سابقاً، وإعادة هيكلة هذه البرامج، وشمول تخصصي الصيدلة السريرية ودكتور الصيدلة، وتطوير امتحانات المجلس.

هل القطاع الطبي الأردني بحاجة إلى خبرات أجنبية؟

من جانبه، قال نقيب الأطباء الأردنيين، زياد الزعبي، لـ"العربي الجديد"، إن "التعديلات التي اقترحها وزير الصحة في القانون ستفتح الباب أمام عمل الأطباء غير الأكفياء. الأطباء الأردنيون من أكفأ الأطباء في المنطقة العربية، ولديهم من العلم والخبرات ما يفيض عن الحاجة، والقطاع الطبي المحلي ليس بحاجة إلى خبرات أجنبية. إذا ما مررت الفقرة الـ17 كما هي، فإنها ستفتح الباب لآلاف من الاختصاصيين في فروع الطب القادمين من بلدان مستواها الطبي أقل من المستوى الأردني، خاصة أن عدد طلاب الطب الأردنيين حالياً 38 ألف طالب في الداخل والخارج، وهذا يفوق عدد الممارسين حالياً، ما يخلق فوضى كبيرة، وبطالة بين الأطباء".  
وأضاف الزعبي: "الضغوط تمارس حالياً لتمرير الاستثناءات، كأن أطباء الخارج يرغبون في العودة إلى الأردن، أو كأن الطب عندنا يعاني من انهيار وتخلف مع أننا حققنا نجاحات كبيرة جعلتنا نتصدر خريطة السياحة العلاجية عربياً. مبررات الوزير حول التعديل، من قبيل أنهم بحاجة إلى خبرات في وزارة الصحة والجامعات، لا تستند إلى الواقع. عدد الأطباء العاملين نحو 32 ألف طبيب، وعدد الأطباء المنتسبين إلى النقابة الذين يعملون في الخارج نحو 5 آلاف طبيب".
وأوضح أن النقابة قدمت تعديلاً مقترحاً للفقرة مثار الجدل، ينص على أنه "لأغراض التعيين في وزارة الصحة والخدمات الطبية والجامعات، يستثنى من امتحان البورد الأردني من حصل على شهادة اختصاص مماثلة للبورد الأردني تدريباً وامتحاناً، ولديه خبرة لا تقل عن 10 سنوات في ذات التخصص حصل خلالها على درجة مستشار أو أستاذ جامعي، وعليه العمل في الجهة نفسها التي تقدم لها لمدة لا تقل عن 5 سنوات يتم خلالها تقييمه قبل أن ينتقل إلى القطاع الخاص".
في المقابل، يرى اختصاصي التخدير والعناية الحثيثة، أنمار قشقيش، وهو خريج الجامعة الأردنية عام 2012، ويعمل حالياً في ألمانيا، أن "التعديلات تنصف الأطباء الأردنيين الذين يعملون في الخارج"، وقال لـ"العربي الجديد"، إن "القانون الذي يُناقَش حالياً ليس دخيلاً على قوانين المجلس الطبي الأردني، حيث كان هناك قوانين مشابهة في السابق، وكثير من الأطباء القدامى في الأردن غير حاصلين على البورد الأردني لأنه أُقرّ بعد مزاولتهم لعملهم، وكثير منهم حصلوا على اختصاصات من الخارج، وجرت معادلة شهاداتهم".

الصورة
عدد طلاب الطب الأردنيين يفوق عدد الأطباء الممارسين (كريغ ستينيت/Getty)
عدد طلاب الطب الأردنيين يفوق عدد الأطباء الممارسين (كريغ ستينيت/Getty)

وأضاف أن "امتحان البورد الأردني لا يستند إلى أساس علمي واضح، بل يعتمد على أسئلة سنوات سابقة، وهي في الأصل مستقاة من الامتحانات في الولايات المتحدة وبريطانيا، وأحياناً تكون الإجابات النموذجية غير واضحة، كذلك فإنه لا يقدر سنوات الخبرة السابقة للطبيب المتقدم مثلما يحدث في الدول الأخرى. كيف تقيم أداء طبيب عبر امتحان لمدة ساعتين تتدخل فيه الشخصنة؟ نسب اجتياز امتحانات البورد الأردني الحالية غير منطقية، ولا تحاكي مستوى المتقدمين، فبعض مديري الأقسام في المستشفيات الغربية لا ينجحون في الامتحان، كذلك إن إجراء الامتحان يتطلب التحضير لعدة أشهر، وبالتالي أخذ إجازات من العمل، وقد يتطلب ذلك ترك العائلة في حال وجود أطفال في سن المدرسة". 
وتابع قشقيش: "هناك من يدعو إلى إجراء تعديل على الامتحان، لكن ذلك يحتاج إلى فترة طويلة، وفي ظل نظام صحي  متخلخل حالياً، لا نضمن اختفاء الواسطة، أو الترسيب المتعمد. التعديل لا يتيح الحصول على البورد الأردني بالمعادلة، وإنما الاعتراف به اختصاصياً، والسماح له بمزاولة العمل، ويبقى عنصر المفاضلة قائماً لدى أرباب العمل، كذلك هناك اختصاصات فرعية غير موجودة في الأردن". 
وأوضح الطبيب الأردني أن "هناك دولاً عديدة، منها بريطانيا وكندا وبعض دول الخليج العربي، تعترف بشهادات الاختصاص الأجنبية وفق معايير وشروط واضحة، والأجدر أن تستفيد المؤسسات الوطنية من خبرات وكفاءات أبنائها الذين يعملون في أقوى الأنظمة الصحية حول العالم. عدد الاختصاصيين الذين يعتزمون العودة إلى الأردن في الوقت الحالي، يكاد لا يتجاوز العشرات بعد أن أسسوا ارتباطات عائلية ووظيفية ومادية ليس من السهل التخلي عنها، لكن البعض يرغب في العودة من أجل البقاء بجانب الأهل، وتهيئة ظروف تربوية أفضل للأطفال تتماشى مع قيمنا وتعاليمنا وعاداتنا". 

بدوره، يؤكد عضو الهيئة العامة في نقابة الأطباء، محمد حسن الطراونة، لـ"العربي الجديد"، أن "التعديلات التي طرحتها الحكومة مررت إلى مجلس النواب من دون عرضها على النقابة، وينبغي وضع آلية محددة للدول التي سيُعترَف بها في البورد، فالتوسع في الاعتراف بالشهادات الطبية سيضعف من قوة البورد الأردني أمام الشهادات القادمة من الخارج، واحتجاجات الأطباء المغتربين تتركز أكثر على طبيعة أسئلة الامتحان، والانتقائية، ومن الممكن تعديل الامتحان، ووضع ضوابط، لكن الإعفاء من الامتحان غير مقبول، فكيف نخضع كل من يعمل في الأردن لامتحان البورد فيما نعفي من يأتي من دول أخرى من الامتحان، ونكتفي بشهادة و3 سنوات خبرة؟". 
وتابع الطراونة: "نحن مع عودة كل الأطباء المغتربين، لكن كل دول العالم تخضعك لامتحانات قبل ممارسة الطب، والطبيب الذي يملك قاعدة قوية من البيانات والمعلومات لن يعجزه الامتحان، ونحن مع التعديل، لأن الإلغاء سيفتح المجال للمحسوبية والواسطة. لكن الموضوع يتخذ مساراً آخر لتفرد وزير الصحة بتفاصيله، إذ قام بتجهيز القانون من دون التشاور مع أي جهة. الوزير هو رئيس المجلس الطبي بحكم منصبه، واستغل حل نقابة الأطباء، وكان أحياناً يحل مكان القائم بأعمال النقيب. الوزير وضع القانون، وعرضه على نفسه كنقيب، ثم بعثه إلى مجلس النواب من دون استشارة جهات الخبرة والاختصاص مثل النقابة والجامعات".

المساهمون