17 عاماً على تفجيرات الدار البيضاء... "الضربات الاستباقية" فاعلة ومستمرة

17 مايو 2020
غيّرت التفجيرات من استراتيجية الأجهزة الأمنية (Getty)
+ الخط -
بحلول الذكرى السابعة عشرة لـ"أحداث 16 مايو" الإرهابية، التي كانت الدار البيضاء مسرحاً لها، تُثار التساؤلات من جديد بشأن مدى نجاعة "الضربات الاستباقية" التي اتبعها المغرب في التصدي للتهديدات التي تستهدفه.

وفي ليلة الجمعة، 16 مايو/ أيار 2003 خرج 14 شاباً، تتراوح أعمارهم بين 20 و24 سنة، من الحي الصفيحي "طوما" في منطقة سيدي مومن بالدار البيضاء، ليستهدفوا بأحزمة ناسفة أهدافاً استراتيجية وحيوية، بدءا بفندق "فرح" ومطعم "دار إسبانيا"، مروراً بمطعم إيطالي بالقرب من "دار أميركا" ومركز اجتماعي يهودي كان مقفلاً في ذاك اليوم، وانتهاء بمقبرة يهودية قديمة، وقنصلية بلجيكا.


وشكلت تفجيرات الدار البيضاء، التي جاءت في سياق دولي متسم بارتفاع تحدي الجماعات المتطرفة، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، صدمة قوية في المملكة من هول ما حدث، بعدما كانت تصريحات عدّة تذهب في اتجاه أنّ "البلاد في منأى عن الإرهاب" الذي ضرب في ذلك الوقت عدداً من البلدان العربية.

وتحت وقع الصدمة، شنت السلطات الأمنية حملة اعتقالات واسعة في صفوف معتنقي الفكر السلفي على امتداد المغرب، وقادت لاعتقال أزيد من 2000 مشتبه به، وهو الأمر الذي انتقدته بشدّة الجمعيات الحقوقية، بعد تسجيل خروقات وتجاوزات، جعلت أعلى سلطة في البلاد تعترف بها.

ورغم مرور 17 سنة على تلك الأحداث الإرهابية، إلا أن تداعياتها ما زالت حاضرة جراء المآسي العديدة التي خلفتها لدى عائلات الضحايا، وما أحدثته من تحول في طريقة اشتغال الأجهزة الأمنية المغربية التي سارعت إلى اعتماد مقاربة استباقية، كان من ملامحها الرئيسة تفكيك الخلايا الإرهابية قبل وصولها إلى مرحلة التنفيذ، كما كان الحال في إبريل/ نيسان عام 2007، حينما كان متطرفون مغاربة يستعدون لإطلاق موجة تفجيرات انتحارية أخرى في الدار البيضاء، غير أنّ السلطات نجحت في إفشال العملية، بعد تطويقها للمبنى الذي كان يختبئ فيه أربعة منهم.
ولئن كان نجاح المغرب في اعتقال عددٍ كبير من الخلايا، يعطي "صورة واضحة" عن حجم الجاهزية واليقظة الأمنية، إلا أن تفجير مقهى "أركانة" في مراكش في إبريل/ نيسان 2011، الذي أودى بحياة 17 شخصاً، معظمهم من السياح، أدخل المغرب مرحلة حاسمة جديدة فرضت تفعيل قانون مكافحة الإرهاب الذي صدر في 2003، ومراجعة نصوصه، في اتجاه منح الجهات الأمنية والاستخباراتية والعسكرية القدرة على التحرك وتنظيم عملياتها بما لا يخالف حقوق الإنسان ويضمن أمن البلاد.

"تحول مفصلي"

وبحسب الخبير الأمني المغربي، محمد اكضيض، فقد أدت صدمة تفجيرات الدار البيضاء إلى "تحول مفصلي" في التعامل مع التهديد الإرهابي، بما فيه العابر للحدود، حيث عكف المغرب على وضع استراتيجية وطنية تقوم على مقاربة قانونية مؤسساتية وأمنية وأخرى تهم إصلاح الحقل الديني فضلاً عن المقاربة التنموية والحقوقية.

وأشار الخبير الأمني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المنظومة الأمنية المغربية شهدت تطويراً لقدراتها بما يتلاءم مع التهديدات الإرهابية، وذلك عن طريق خلق مجموعات للتدخل والاقتحام وميلاد المكتب المركزي للأبحاث القضائية في سنة 2015 باعتباره الذراع القضائي للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (المخابرات الداخلية). كما تم تطوير عمل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية ومختبراتها، وتأسيس المعهد الملكي للأدلة والعلوم الجنائية التابع للمعهد الملكي للشرطة".

من جهته، يرى إدريس الكنبوري، الباحث المغربي المتخصص في الجماعات الإسلامية، أنه بعد مرور مدة طويلة على تفجيرات الدار البيضاء، "يتبين أن النهج الذي اختاره المغرب حقق نتائج عملية على الأرض من خلال تبني السياسة الاستباقية في مواجهة الإرهاب"، مشيراً إلى أنّ "تلك السياسة تعني أساساً العامل الاستخباري، وهو ما اتضح من خلال الجمع بين المخابرات والأمن، وإنشاء مكتب مركزي للأبحاث القضائية مرتبط بهما".


وأوضح الكنبوري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن السياسة الاستباقية تعززت بالتعاون الاستخباري والأمني مع عدد من الدول الأوروبية مثل إسبانيا وفرنسا وبلجيكا، لافتا إلى أن المغرب ساهم في تفكيك عدد من الخلايا في هذه البلدان الثلاثة من خلال المعلومات التي قدمها إلى أجهزة المخابرات فيها.

ويرى الكنبوري، أن المقاربة الاستباقية أثبتت نجاحها في الحيلولة دون وقوع عمليات إرهابية في المغرب، في الفترة الفاصلة بين تاريخ قيام وسقوط نظام "داعش" ( 2014 – 2018)، بعد أن تمكنت الأجهزة المغربية من تفكيك العشرات من الخلايا في الداخل، وإفشال محاولاتها لتنفيذ عمليات إرهابية.

وبحسب إحصائيات وزارة الداخلية المغربية، فقد مكنت "الضربات الاستباقية" من تفكيك السلطات الأمنية لأكثر من 200 خلية إرهابية منذ 2003 وإلى حدود السنة الماضية، بمعدل خلية شهرياً.​