صادق البرلمان الأوروبي اليوم الأربعاء، بغالبية كبيرة على معاهدة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ووافق النواب الأوروبيون على الاتفاق بـ621 صوتاً ومعارضة 49 وامتناع 13 عن التصويت.
وهذه هي المرحلة الرئيسية الأخيرة في المصادقة على الاتفاق بعد ثلاث سنوات ونصف على الاستفتاء حول "بريكست". ويأتي ذلك بعد أن تأكد الطرفان أنه من الأفضل تجنب الفوضى ولكون دول الاتحاد 27 المتبقية تريد أقرب شراكة ممكنة مع بريطانيا فيما يتعلق بالعديد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، بينها السياسية والاقتصادية والمالية والبيئية والصناعية والتجارية إلى قضايا السلام من حول العالم.
وتخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي رسمياً عند الساعة 11 من مساء يوم الجمعة 31 يناير/ كانون الثاني، لتطوي بذلك صفحة في كتاب "بريكست"، وتبدأ صفحة أخرى.
وستكون بريطانيا على موعد مع احتفالات، وإن كانت مصغرة، أمام دواننغ ستريت، حيث مقر الرئاسة، وويستمنستر، مقر البرلمان، تسبقها كلمة موجزة لرئيس الوزراء، بوريس جونسون. وستتزين ساحة البرلمان بالأعلام البريطانية، بينما ستعلن ساعة العد العكسي للحظة الخروج من الاتحاد. كما لن يفوت زعيم حزب "استقلال بريطانيا"، نايجل فاراج، الفرصة وسيستضيف مجموعة من مؤيدي "بريكست".
وعلى الرغم من أنه لن يتغير شيء مباشرة، أي اعتباراً من الأول من فبراير/شباط المقبل لأنه وبعد الانسحاب ستبدأ مرحلة انتقالية حتى 31 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وبخاصة للمواطنين الأوروبيين والمستهلكين والشركات والطلاب وغيرهم، إلا أن مرحلة الانتقال تعني خروج بريطانيا رسمياً من التكتل الأوروبي، لكنها ستلتزم بجمع قواعد الاتحاد حتى نهاية العام الحالي، بينها الميزانية المطلوبة، لأن جميع برامج الاتحاد الأوروبي ستبقى فاعلة في المملكة المتحدة.
لكن ما لم يعد مسموحاً هو أن يكون لبريطانيا رأي في بروكسل، وهي لن تعود ممثلة في المفوضية أو في المجالس أو قمم الاتحاد أو البرلمان الأوروبي، إذ سيغادر في الأول من فبراير 73 نائباً بريطانياً البرلمان الأوروبي.
في المقابل، سيفقد الاتحاد الأوروبي طاقة نووية وعضواً دائماً في مجلس الأمن وسيتقلص الناتج الإجمالي للاتحاد الأوروبي البالغ 15.3 تريليون يورو في عام 2018، بنحو 15% وفق ما بينت التقارير الاقتصادية بعد فقدان الاتحاد لبريطانيا، أحد أبرز المساهمين في ميزانيته، وحيث تشارك سنوياً بحوالي 14 مليار يورو، وبات على دافعي الضرائب من الألمان سد هذه الفجوة خلال السنوات المقبلة.
من جهة ثانية، فقد بينت التحليلات أن شمال غرب إنكلترا سيخسر ما يصل إلى 12% من قوته الاقتصادية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق تجاري، وسوف يعاني من خسائر بنسبة 16%.
هذا الواقع، أشارت إليه التقارير والتحقيقات الإعلامية في ألمانيا مبرزة أن هناك الكثير من قلة التنظيم لفترة ما بعد الانتقال، ويسود الترقب لما سيؤول إليه الوضع مستقبلاً، وعما إذا ما سيكون هناك تعريفات في المستقبل، أم ستتعرض البضائع لعمليات فحص عند الحدود، ومن سيسمح له بصيد الأسماك الموجودة في بحر الشمال، وماذا سيحل بالمواطن الذي يريد السفر إلى بريطانيا، وهل يمكن للشرطة مستقبلاً مواصلة تبادل البيانات الجنائية.
هذه الأمور حذر منها فابيان زولينغ خبير بريكست من مركز السياسة الأوروبية في بروكسل، الذي اعتبر أن "هناك القليل من الوقت لإعداد كل الملفات المتعلقة بالمفاوضات"، مشدداً على أن "أحد عشر شهراً هو ببساطة جدول زمني مستحيل، ومن أنه وبدون عقد العلاقة المستقبلية لا يزال هناك خطر الوقوع في المجهول".
واعتبر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في مقال نشرته، صحيفة "دي تسايت" الألمانية اليوم الأربعاء، أن الاتحاد الأوروبي "سيفقد 66 مليون مواطن أوروبي وواحد من أقوى اقتصاداته، وهذا الأمر لن يكون سهلاً، إنما آمل في أن تمنح الفترة الانتقالية حتى نهاية 2020 الشركات مزيداً من الوقت للتكيف مع الظروف الجديدة ومع النظام الخاص للحدود في الجزيرة الإيرلندية".
وأضاف "بالطبع سوف تتغير الأمور في علاقتنا، وستصبح أكثر مرونة وأقل التزاماً مما كانت عليه داخل الاتحاد. إنما كألمانيا يمكننا القول إننا نريد أن نتشارك نفس القيم الأوروبية، إلى ما يتعلق بحقوق الإنسان والتقنيات المستقبلية أو قضايا الأمن الاوروبية وتوضيح سبل التجارة الحرة والمنافسة العادلة والسفر والتبادل الأكاديمي والحماية من الإرهاب والجريمة المنظمة والإدارة المشتركة للأزمات الدولية".
وأضاف "لن ننجح في هذه المهمة الشاقة إلا إذا تعاملنا مع بعضنا البعض بصراحة ونزاهة، وبدون معايير عادلة ومماثلة لحماية العمال والموظفين لا يمكن الوصول إلى أكبر سوق للتجارة البينية في العالم".
من جهته، قال السفير البريطاني السابق في الاتحاد الأوروبي إيفان روجرز، الذي فقد وظيفته عندما حذر لندن من المشاكل التي سيجلبها بريكست، في حديث مع صحيفة "دي فيلت" إنه الآن وبعد أن أصبح المخرج جافاً، يريد المستثمرون أولاً معرفة كيف ستبدو العلاقة المستقبلية مع الاتحاد لأن الاتفاقية مع بروكسل ليست أساساً لقرارات الشركات على الإطلاق".
وأوضح في حديثه أن الجانب الأوروبي سينظم المفاوضات وفقاً لأفكاره، وبالتالي سيضع أقصى الضغوط على بريطانيا، وهذا ما فعله الاتحاد عندما أجبر البريطانيين في المرحلة الأولى من المفاوضات عام 2017 على سداد الديون المستحقة أولاً.