5 أسباب وراء خسارة حفتر لمعركة طرابلس

31 يوليو 2019
خسائر متتالية منيت بها قوات حفتر(فاضل سينا/فرانس برس)
+ الخط -
بعد أكثر من 116 يوماً من وعد اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر باقتحام العاصمة طرابلس خلال 48 ساعة فقط، بدت قواته عاجزة حتى عن المبادرة بالهجوم للمحافظة على مواقع قليلة غير ذات أهمية جنوب طرابلس، بعد تجرع مرارة الخسارات المتوالية.

وتوازياً مع خسائر حفتر على الصعيد العسكري، فقدت، مساء الاثنين، منطقة الزطارنة، أول خطوط الدفاع عن مدينة ترهونة (95 كيلومترا جنوب شرق طرابلس)، ما مكّن قوات الجيش بقيادة حكومة الوفاق من التقدم باتجاه ترهونة، ما يعني إمكانية سقوطها. تزامناً مع التهديد الذي تعيشه قاعدة الجفرة، المركز الرئيسي لقيادة عمليات حفتر تجاه طرابلس.

هذه التطورات الميدانية صاحبها إطلاق البعثة الأممية جهوداً حثيثة من أجل الدعوة لوقف القتال والإعلان عن هدنة بمناسبة قرب حلول عيد الأضحى، ما فسره مراقبون على أنه ضغط من داعمي حفتر الدوليين والإقليميين على البعثة الأممية لإقناع طرفي القتال بعقد هدنة بهدف إنقاذ موقفه الفاضح. ما يطرح تساؤلات عديدة عن الأسباب التي أدت إلى فشل معركته على طرابلس، لا سيما أن هذه الأسباب لا تزال قائمة، وتزيد من سوء وضعه العسكري والسياسي.

وأولى تلك الأسباب؛ التقدير السيء للمعركة غرب البلاد

رغم نقله لكتائب قوية من قواته كاللواء 73 مشاة وكتيبة طارق بن زياد، إلا أنّ اعتماده الرئيسي في معركته باتجاه غرب البلاد، كان من الواضح أنها تعتمد على جملة من التحالفات والصفقات مع القوة المحلية، من خلالها سيطر على غريان وترهونة من دون قتال. وبحسب تقديرات الخبراء، فإنّ أولى علامات الفشل التي مُني بها اعتماده على اتصالات مع قوة مسلّحة داخل طرابلس لتنفيذ انتفاضة داخلية لصالحه.

والجدير بالذكر أن هذه الاستراتيجية، اعتمد عليها سابقاً للسيطرة على الجنوب ومناطق من شرق البلاد والهلال النفطي أيضاً، إلا أن الفارق هذه المرة وضوح فشل هذه الاستراتيجية، غرب البلاد خصوصاً في طرابلس، منذ الساعات الأولى لانطلاق معركته في إبريل/نيسان، ومع هذا لم يعمل على معالجة وتدارك الأمر، ما سرع من فقدان مدينة غريان، التي كانت تحتضن غرفة عملياته الرئيسية. وفي أقل من ست ساعات التحمت قوات الجيش بقيادة الحكومة مع فصائل من داخل المدينة.

من هنا جاءت يقظة حفتر بهذا الجانب متأخرة، وتجلت في نقله لغرفة العمليات الرئيسية إلى قاعدة الجفرة، البعيدة عن طرابلس بواقع 550 كيلومترا جنوب الغرب، بدلاً من نقلها إلى ترهونة المحاذية لطرابلس، التي تسيطر عليها مليشيات اللواء التاسع المؤلفة غالبيتها من مقاتلي النظام السابق. وسريعاً اختلف مقاتلو هذه المليشيات مع كتيبة طارق بن زياد، وقاموا بطردها من المدينة لتنتقل للتمركز في منطقة الهلال النفطي، بعيداً عن مسرح المعركة.

وحالياً، لا يمتلك حفتر وجوداً عسكرياً قوياً جنوب طرابلس، باستثناء مناطق صغيرة في أحياء عين زاره ووادي الربيع، بينما الوجود الأغلب لمقاتلي مليشيات اللواء التاسع، التي يبدو أنها تتبعه اسمياً فقط، في قصر بن غشير ووادي الربيع.

وفي تقدير سيئ آخر، مراهنة حفتر على سلاح الجو في معركته في طرابلس على غرار معاركه السابقة في الجنوب ومنطقة الهلال النفطي وفي بنغازي ودرنة التي اعتبر فها الطيران عاملاً حاسماً للمعركة.

وعلى الرغم من امتلاك، قوات الجيش بقيادة الحكومة، طيراناً رادعاً لقوات حفتر الجوية، فقد اعتمد الأخير على قواعد خلفية لتسيير غاراته، كقاعدة الوطية والجفرة، البعيدتين عن طرابلس، وسريعاً ما أصبحت كلتا القاعدتين مهددتين بالقصف المتوالي، ووقعتا ضمن حصار جوي ضربته، قوات الوفاق، ما حد من قدرتهما على تنفيذ ضربات جوية مناسبة لحجم صعوبة المعركة على الأرض.

هذه العوامل وغيرها مثل انكشاف ظهر قواته من ناحية الجنوب، الذي يشهد فراغاً، عجل بعودة نشاط المجموعات الإرهابية وفي مقدمتها "داعش"، ما كشف عن سوء تقدير عسكري للمعركة، قصر من قدرته على فتح جبهات أخرى بعيداً عن أرض المعركة جنوب طرابلس، كما أشارت تصريحات قادة قواته، في أولى أيام المعركة، إلى نيتهم إشعال محاور جديدة في سرت شرقاً، وأخرى غرباً في صرمان وصبراته باتجاه طرابلس.

ثاني الأسباب: سوء تقدير قوة المجموعات المسلحة في طرابلس

رغم نجاحه في التقدم باتجاه جنوب طرابلس، بعد يوم من سيطرته على غريان، وتقدم أنصاره في ترهونة إلى الجنوب الشرقي للعاصمة، إلا أنه وطيلة عشرة أيام لم يتمكن من التقدم أكثر داخل الأحياء التالية لقصر بن غشير ووادي الربيع وعين زاره، بسبب ثبات مجموعة حماية العاصمة المؤلفة من أربع قوى كبرى (لواء ثوار طرابلس، وكتيبة الدعم لسريع، وقوة الردع الخاصة، ولواء النواصي) وهي مجموعات مؤلفة من مقاتلي العاصمة فقط.

وتشير تصريحات قادة قوات حفتر، في أول أيام المعركة إلى دفع حفتر بقرابة 10 آلاف مقاتل لمعركة طرابلس ترافقها عربتان مسلّحتان من نوع "تايقر" الإماراتية. تزامناً مع تقارير أكّدت دعماً لوجستياً قدمه له ضباط فرنسيون من داخل غريان وغرف يشرف عليها ضباط إماراتيون لتسيير طائرات من دون طيار، ووجود مصري كذلك.

وحتى اليوم العاشر من المعركة لم تتمكن حكومة الوفاق من الحصول على دعم عسكري مناسب لحجم المعركة، كما لم تصل قوة مصراته التي تتركز أغلبها، في ذلك الوقت، في سرت وعدد من مناطق أخرى بالإضافة لمصراته نفسها؛ إلى أرض المعركة جنوب طرابلس، ما جعل الفضل يعود لثبات قوة مجموعات طرابلس المسلّحة، التي أساء حفتر تقدير قواتها، لا سيما عندما تمكنت خلال الساعات الأولى من استرداد منطقة ورشفانة غرب طرابلس، والسيطرة على بوابة (17 كيلومترا غرباً) والتي تمثل المنفذ الغربي الرئيسي للعاصمة.

ثالث الأسباب: انتحار سياسي

حتى مطلع إبريل/نيسان الماضي كانت كل القوى السياسية والدولية تنتظر نتائج ملتقى "غدامس" الجامع، الذي عملت البعثة الأممية طيلة أشهر لإعداده ليكون الفاصل بين أيام أزمة البلاد، والأيام المنتظرة المفضية لحالة الاستقرار الدائم، كما منح لقاء أبوظبي الذي جمع حفتر برئيس المجلس الرئيس لحكومة الوفاق، فائز السراج نهاية فبراير/شباط الماضي، فرصة ثمينة للمشاركة بشكل أساسي في صياغة مشهد البلاد المقبل، وضمان وجوده بشكل فاعل، لكن مراهنة حفتر على حسم قواته لمعركة طرابلس أضاعت عليه هذه الفرصة، وقطع على نفسه خط الرجعة، فتوقيت إعلانه الحرب على طرابلس يعني انقلابه على الحل السياسي ورفضه لأي اتفاق ينبثق عن لقاء "غدامس"، لا سيما مع وجود الأمين العام للأمم المتحدة، غسان سلامة، وقتها في طرابلس لمتابعة التحضيرات الأخيرة لعقد الملتقى.

غير أن إدراكه لانتحاره السياسي كان مبكراً على ما يبدو إذ ما إن انتهى الشهر الأول لمعركته، حتى بدأ في جولة دولية زار خلالها عواصم عربية ودولية على في مقدمتها باريس وروما. وعكست تصريحات وبيانات مسؤولي تلك الدول مساعي حفتر لبحث إمكانية وقف القتال وسبل العودة للمسار السياسي، الذي اصطدم برفض حكومة الوفاق واشتراطها العودة للعملية السياسية بانسحاب كامل لقواته وعودتها على مواقعها الرئيسة في شرق وجنوب البلاد، ما يعني بالنسبة له استسلاماً مقروناً بتبعات تفقده مكانته وقوته حتى بين مؤيديه في شرق البلاد، الذين يمثلون قاعدة انطلاقه الأصلية.

رابع الأسباب: تخلي حلفاءه عنه

على الرغم من سعي حكومة الوفاق للرد بشكل غير مباشر على داعمي حفتر الدوليين من خلال إجراءات تعليق تنفيذ اتفاقات أمنية مع فرنسا، وإلغاء تراخيص 40 شركة أجنبية عاملة في ليبيا، إلا أن ذلك لم يثنِ داعميه عن حثه على التقدم نحو طرابلس وتسير كل السبل لذلك بما في ذلك تقديم الخبرة العسكرية، بل والأسلحة وجلب المرتزقة، ليكون للميدان الكلمة الفصل في تراجع قوة الدعم الدولي.

ومنذ منتصف مايو/أيار، وتزايدت مطلع الشهر التالي في يونيو/حزيران تصريحات قادة بعض الدول الداعمة لحفتر، التي عكست تراجعاً في مواقفها. إذ دعا وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، لوقف القتال، مؤكداً أن بلاده تعترف بحكومة الوفاق. أعقبه تصريح مماثل لوزير الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش. ولم يمر وقت طويل حتى بدأت أبوظبي والقاهرة بالزج بشخصية ليبية سياسية هو السفير الليبي السابق في أبوظبي، العارف النايض، في كواليس حل الأزمة كمشروع بديل عن حفتر، تزامناً مع مساعي فرنسا لإعادة علاقاتها مع حكومة الوفاق.

وانكشف التراجع الدولي بشكل أكثر في تصريحات القائمة بأعمال السفارة الأميركية في ليبيا ناتالي بيكر، منتصف يونيو/حزيران الماضي، التي أكدت خلالها بأن أطرافاً داعمة لحفتر ضللت الإدارة الأميركية لدفعها لتأييد حفتر في معركته على طرابلس. بل وحددت، بيكر، أكثر من ذلك موقف بلادها من حفتر بالقول إنّ "الحرب على طرابلس أثبتت فشل رهان بعض الجهات التي حاولت إقناع البيت الأبيض أن قوات حفتر مرحب بها وتحظى بشعبية غرب ليبيا".

وفيما نفت، بيكر، أنباء دعوة بلادها حفتر لزيارة واشنطن، أكدت أن بلادها تعتبر حكومة الوفاق شريكاً سياسياً في محاربة الإرهاب، وأن "حكومة الوفاق هي شريك مثالي قدم نموذجاً يحتذى به".

ذلك التخلي الدولي، وإن لم يبدُ تخلياً كلياً إذ لا تزال الإمارات تقدم لحفتر الدعم العسكري، أثّر بشكل كبير في مواقف المجتمع الدولي الذي كان يميل إلى الصمت والترقب، لصالح عودة الدعوات للحل السياسي ورفض الحل العسكري، ما أجبر حفتر على التمليح أكثر من مرة في مقابلات صحافية عن إمكانية قبوله بحلول سياسية، وسط محاولات لم تتوقف حتى الآن للعودة إلى مواقعه السابقة جنوب طرابلس وفي غريان لتعزز موقفه في حال انخرط مجدداً في مفاوضات مع الحكومة من جانب، ومن جانب آخر للمحافظة على قوة قاعدته المحلية التي تشهد خلافات من خلال محاولة إقناع حلفائه المحليين والقبليين بأنه لا يزال يحتفظ بقوته السابقة.

خامس الأسباب: إخفاق إعلام حفتر

نجحت حكومة الوفاق والنشطاء الموالون لها بتسجيل انتصار إعلامي، عبر فضح جرائم اقترفتها قوات حفتر في مواقع بالقرب من طرابلس وداخلها، مقابل فشل إعلامي ذريع لإعلام حفتر رغم تعدد قنواته ووسائله محلياً ودولياً أيضاً.

التأثير البالغ للإعلام الذي كان يوالي نقل صورة الحدث يبدو أنه أوقع أثراً بالغاً، وكشف زيف حرب حفتر "على الإرهاب والمليشيات في طرابلس"، فشهادات أسرى قوات حفتر، التي كانت تبثها وسائل إعلام الحكومة، كانت ترسل عبر لقاءات مرئية للأسرى عدم صدق دعاوى حفتر عن وجود إرهابيين في طرابلس، ومشاركة عناصر "داعش" في القتال وغيرها من الدعاوى. وأضاف للنجاح نقل إعلام الحكومة الحجم الحقيقي لخسائر قواته، ولا سيما البشري منها.

بينما أعلنت حكومة مجلس النواب في الشرق الليبي الموالية لحفتر، الأسبوع الماضي، حظر بث وسائل الإعلام المرئية والإلكترونية التابعة لحكومة الوفاق، وهي عشر وسائل إعلامية، في أراضي سيطرة حفتر، بل وحذرت النشطاء والسياسيين والنواب والبلديات من التعامل معها.

في حين، امتد التأثير الإعلامي إلى الخارج، فنجاح إعلام الحكومة في نقل مشاهد قصف طيران حفتر للأحياء والمنشآت المدنية، من بينها مطار العاصمة الوحيد؛ دفع بالكثير من المنظمات الإنسانية والدولية إلى التعبير عن موقفها الرافض لتلك التعديات واعتبارها "جريمة حرب"، ولا سيما بعد قصف مقر إيواء مهاجرين في تاجوراء ومستشفيات ميدانية.

المساهمون