3 أشهر قبل الانتخابات الرئاسية في تونس: جدل حول النزاهة والضمانات

03 يوليو 2024
مركز اقتراع خلال انتخابات سابقة في تونس 4 فبراير 2024 (Getty)
+ الخط -

لم يتبق سوى ثلاثة أشهر على موعد الانتخابات الرئاسية في تونس المحددة في 6 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وسط قلق المعارضة من انتخابات غير نزيهة، بسبب استمرار غموض القواعد والشروط وضيق الوقت والتضييقات على الحريات. وأعلنت الرئاسة التونسية، في بيان مساء أمس الثلاثاء، أن الرئيس قيس سعيد حدد يوم الأحد السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2024 موعداً للانتخابات الرئاسية في تونس. وأصدر سعيّد أمراً رئاسياً لدعوة الناخبين، الذين يتجاوز عددهم أكثر من 9 ملايين ناخب، حسب آخر عملية اقتراع عام، للتصويت في ثالث انتخابات رئاسية بعد الثورة، والأولى من نوعها منذ إقرار دستور 2022، الذي صاغه الرئيس سعيد بمفرده في سياق مسار 25 يوليو/تموز2021، الذي تعتبره المعارضة "انقلاباً على دستور الثورة وانفراد بالسلطات".

ولم يعلن سعيّد، الذي انتخب رئيساً عام 2019، عن ترشحه رسمياً، لكن من المتوقع أن يعلن ذلك لاحقاً سعياً منه لولاية ثانية. في مقابل ذلك، أعلنت أكثر من 9 شخصيات سياسية نيات ترشحها في السباق الرئاسي، غالبيتها متهمة في قضايا انتخابية وشبهات فساد مالي، فيما يقبع مرشحان من بينها في السجن، واعتبرت أن هناك محاولة لإقصاء المنافسين البارزين المحتملين للرئيس.

ويقول معارضون ونشطاء إنه جرى تحريك دعاوى قضائية ضد كل من يعلن ترشحه بهدف فتح الطريق أمام فوز سعيد بالانتخابات، فيما ينفي أنصار سعيّد ذلك ويقولون إن القانون فوق الجميع مهما كانت صفته السياسية. وتطالب المعارضة بتنقية المناخ السياسي، وإطلاق سراح السياسيين المسجونين، ووقف الضغوط على وسائل الإعلام لإجراء انتخابات نزيهة وذات مصداقية.

واعتبر المدير التنفيذي لمرصد شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية، الناصر الهرابي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "هناك تخوفاً وقلقاً حقيقياً في الشارع التونسي بخصوص غموض الشروط، فالدستور الجديد جاء بشروط ليست موجودة في القانون الانتخابي، وأخرى موجودة وجرى التوسع فيها، كشرط السن الذي رفع من 35 سنة إلى 40 سنة، وشرط الجنسية، حيث كان ممكناً التنازل عن الجنسية الثانية عند الفوز وأصبح شرط الترشح بجنسية تونسية وحيدة، وكذلك شرط التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، الذي قد يتطلب الاستظهار ببطاقة الخلو من السوابق العدلية عدد "3". وشدد الهرابي على أنه "كان على المشرّع، مجلس نواب الشعب، أن ينظر في الشروط الواردة في الفصل 89 من الدستور ويجري تنزيلها في القانون الانتخابي، ولكن بقي القانون الانتخابي مطابقاً للشروط السابقة القديمة (الواردة في دستور 2014)".

شروط الانتخابات الرئاسية في تونس

وبين الهرابي أن "هيئة الانتخابات في وضع غير عادي لا تحسد عليه، فبإصدارها القرار الترتيبي (أعلنت أنه سيكون يوم الخميس المقبل) الذي سيضبط شروط الانتخابات الرئاسية في تونس. والأصل فيه أن تستمد تلك الشروط من القانون الانتخابي، لكن تلك الشروط ستمتد من الدستور مباشرة، وهو ما لا يخوّله لها القانون، فهيئة الانتخابات لا يمكنها تنزيل الأحكام من الدستور مباشرة، وهذا الموضوع محل جدل كبير ومعارضة، وقد تتعرض قراراتها للطعن لدى المحكمة الإدارية، بسبب من يعتبر أن في هذه الشروط تشدداً، وقد تقصي بعض المترشحين، وبالخصوص من لديهم سوابق قبل الثورة بسبب قضايا سياسية أو بعدها، وهل أن كل عقوبة منصوص عليها في البطاقة هي مانع للترشح وهنا تكمن التساؤلات".

وحول قلق المعارضة من ضيق الوقت على المترشحين المعارضين، بيّن الهرابي أن "هذه الانتخابات يفترض أنها دورية وكان من الأجدى أن تستعد لها هيئة الانتخابات من قبل ولا تنتظر أمر دعوة الناخبين، غير أنه للأسف بقيت تترقب رئيس الجمهورية مستندة إلى أن هناك دستوراً جديداً وأول انتخابات تشريعية ومحلية دعا إليها الرئيس، ولكن من غير المفهوم عدم نشر الروزنامة والشروط وإبقاء الأمور غير واضحة للمواطن التونسي".

انتخابات شكلية

واعتبر المحلل السياسي شكري بن عيسى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هناك تقدماً بإعلان موعد الانتخابات الرئاسية في تونس، وجرى الالتزام بدستور 2014، حيث جرى تأكيد مبدأ دورية الانتخابات وكذلك تأكيد مبدأ أساسي هو استمرارية الدولة". وشدد بن عيسى على أن "هناك مخاوف جدية وحقيقية من غياب ضمانات أساسية وجوهرية لانتخابات حرة ونزيهة وشفافة، فالواقع يشير إلى انتخابات شكلية مفرغة من كل مضمون، باعتبار أن كل الضمانات مفقودة بداية بمنظومة دستورية لا تستجيب لمعايير الانتخابات الديمقراطية، وكذلك منظومة مؤسساتية في اتجاه واحد لا ترسخ إلا انتخاب شخصية من منظومة ما يسمى مشروع قيس سعيد".

وتابع "السلطات الجهوية والمحلية في اتجاه واحد وكذلك المنظومة المدنية التي أرساها سعيد المتمثلة في الشركات الأهلية والتي تعد أذرعا في خدمة مشروع سعيد". وأضاف أن "القضاء الذي سيراقب ويضمن الانتخابات لا تتوفر فيه الشروط الأساسية للحياد والاستقلالية، بحسب تقارير المنظمات الدولية، وكذلك في ظل عدم وجود إعلام نزيه ومستقل تتوفر فيه شروط المراقبة الميدانية للانتخابات، خصوصاً في إطار المرسوم المقيد للحريات عدد 54 الذي يعاقب بعقوبات زجرية عالية".

وأكد بن عيسى أن "من غياب الضمانات أيضاً، هيئة الانتخابات التي وصفتها لجنة البندقية (اللجنة الأوروبية للديمقراطية عن طريق القانون" بأنها غير محايدة وغير مستقلة، باعتبارها معيّنة من رئيس الجمهورية قيس سعيد، وبالتالي لا يمكن أن نتأكد من أن هذه الهيئة ستراقب الانتخابات الرئاسية في تونس بشكل نزيه ومحايد ولا تنحاز إلى سعيد". وأشار إلى أن "الوظائف التشريعية من مجلس نواب الشعب ومجلس الجهات والأقاليم هي في اتجاه واحد، ولا يُنتظر منها أن تضمن وتراقب الانتخابات الرئاسية في تونس، وأن تكون مؤسسات محايدة".

وخلص بن عيسى إلى أنه "لا وجود لأي ضمانات ونعني بالضمانات، التزامات قانونية وسياسية واضحة ودقيقة ومؤسسة تترتب عنها عقوبات زاجرة قانونياً ومؤسساتياً". وبين بن عيسى أن "المناخ الانتخابي العام في اتجاه واحد يرسخ فكرة أن هناك مرشحاً وحيداً في اتجاه الفوز في هذه الانتخابات، فالمناخ والإطار والمحيط الانتخابي هو محيط على القياس".

المساهمون