قراءة في العقوبات الأميركية على 4 زعماء عراقيين

20 يوليو 2019
العقوبات طاولت حلفاء إيران في العراق (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

وسط تسريبات تتحدث عن وجود أسماء عراقية أخرى، تستعد واشنطن لإعلان وضعها في قائمة عقوباتها، تشترك جميعها في كونها من مدن شمال وغرب العراق المحرر من تنظيم "داعش"، وكذلك ترتبط بعلاقات وثيقة مع طهران، ينشغل الوسط السياسي العراقي والقانوني منه في تفسير وتحليل إعلان واشنطن إدراج أربعة من الزعماء المحليين في العراق على لائحة العقوبات الخاصة به، وتبعات ذلك، وخصوصاً أن من بينهم نائب وزعيم أحد أكبر الكتل العربية السنّية في البرلمان، وهو أحمد الجبوري المعروف بلقب "أبو مازن". ووفقاً لإيجاز قدّمته وزارة الخزانة الأميركية، فإن كلّاً من الجبوري الذي كان محافظ صلاح الدين سابقاً، ومحافظ الموصل المقال نوفل العاكوب، وزعيم مليشيا "بابليون" المسيحية في سهل نينوى ريان الكلداني، وزعيم مليشيا "حشد الشبك"، القيادي عن المكون الشبكي وعد القدو، باتوا على لائحة العقوبات الأميركية. والأربعة هم من بين أبرز الشخصيات التي تملك نفوذاً واسعاً في محافظات نينوى وصلاح الدين وأجزاءً من كركوك وديالى.

في السياق، أفاد عضو في البرلمان عن "تحالف الفتح" لـ"العربي الجديد"، بأن "التسريبات تحدثت عن سبعة أسماء سياسية وحشدية سنية، لكن الخزانة الأميركية أعلنت أربعة فقط"، مضيفاً أن "رئيس البرلمان محمد الحلبوسي أطلعهم على المعلومة بعد عودته من واشنطن في نهاية مارس/ آذار الماضي". وبيّن أن "التوقعات هو وجود أسماء أخرى من محافظة الأنبار ومن بغداد وكركوك لشخصيات أخرى تعتبرهم واشنطن أنهم أدوات إيرانية جديدة داخل المدن والمناطق العراقية المحررة، ودعمتهم في الانتخابات البرلمانية وعسكرياً".

ورجح أن "تكون هناك أسماء أخرى غير متوقعة، لكنها بطبيعة الحال لن تكون ذات تأثير واضح أو حتى ملموس، على غرار عقوبات مماثلة فرضت على عراقيين في أوقات سابقة بالعامين الماضيين". غير أنه أقرّ بالوقت نفسه بأنها "رسائل أميركية باتجاهات عدة، الأولى أن واشنطن تراقب التمدد والنفوذ الإيراني داخل المدن ذات الغالبية السنّية في شمال وغرب العراق، وثانيها أنها تقوّي الفريق أو المعسكر السياسي السني الآخر الممانع للتقارب مع إيران (معسكر أسامة النجيفي ضمن تحالف الإصلاح)".

واستدرك العضو البرلماني، قائلاً إن "الفيتو الإيراني على الشخصيات السياسية العراقية أقوى بكثير من العقوبات الأميركية، من حيث فاعليتها على الساحة العراقية". وردّ الجبوري على العقوبات الأميركية في بيان نقلته وسائل إعلام محلية، إنه "يتفهم معطيات القرار الأميركي ودور خبراء التضليل في إنضاجه"، مؤكداً "التزامه سيادة القرار العراقي بوصفه الفيصل بين الحقيقة ونقيضها، ومستمدين العزم من دستورية التفسيرات الوطنية وثقة القاعدة الشعبية التي نفتخر بها، بعد أن اجتهدنا بالوقت الصحيح واتخذنا الموقف الشجاع بمواجهة الإرهاب بكل عناوينه وأهدافه للحفاظ على سيادة العراق وأخوّة شعبه".

لكنه في حديث خاص بـ"العربي الجديد"، علّق على القرار بقوله إنه "متفاجئ"، مضيفاً أنه "فوجئ أكثر من التدخل الأميركي بالشأن العراقي، لأن أميركا تريد من دول مجاورة للعراق أن لا تتدخل بالشأن المحلي العراقي، وفي الوقت نفسه بمنصب القضاء العراقي وهيئة النزاهة". واعتبر أن "ذمتي المالية موجودة أمام القضاء العراقي وهيئة النزاهة، ولو كنت متهماً بالفساد أو قضايا تتعلق بانتهاكات لحقوق الإنسان لكنت الآن في السجن، إلا أن الأمر كله عبارة عن استهداف لمشاريعنا العراقية الخالصة". وأكمل أن "القرار الأميركي غير ملزم لنا في العراق، وهو باطل وغير صحيح"، لافتاً إلى أن "الحكومة العراقية ملزمة بالرد على قرار الخزانة الأميركية، لأنه استهدف شخصيات لها قاعدة جماهيرية مؤمنة بعملها". من جانبه ذكر الكلداني في تغريدة عبر "تويتر": "نعم... كل الأمور متوقعة"، مضيفاً أن "سياسة حكام البيت الأبيض صنعت داعش عسكرياً، وصنعت قرارها بنفس النوايا".



غير أن علي القدو وهو قريب قائد مليشيا "حشد الشبك"، قال لـ"العربي الجديد"، إن "العقوبات تتحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان، فهل يمكن أن نفتح هذا الملف قليلاً مع أميركا في العراق وما فعلته من مجازر بحق العراقيين؟". وأضاف أن "الشيخ أبو جعفر (وعد القدو) يملك جنسية ألمانية أيضاً، وعاد للعراق لمساعدة أهله الشبك من هجوم داعش، والأميركيون يعتبرون كل شخص ليس معهم في العراق بمثابة عدوهم أو مع إيران. وهذه قاعدتهم في كل المنطقة وليس بالعراق فقط". ويتشارك المعاقبون الجدد في كونهم على علاقة وثيقة بعضهم مع بعض، وأنهم من ضمن "تحالف الفتح" البرلماني بقيادة هادي العامري ونوري المالكي.

بالنسبة إلى الخبير أحمد الحمداني، فإن "العقوبات الأميركية لن تكون ذات تأثير، لكنها حققت رسائل عدة أو منافع معنوية، فهي بمثابة إعلان عن أذرع إيرانية في العراق، فلو كانت أميركا جادّة في حقوق الإنسان والانتهاكات الجارية، لأدرجت شخصيات مقربة منها قامت بانتهاكات بشعة في مدن شمال وغرب العراق، كما حال بعض الأطراف العشائرية غربي العراق المرتبطة مع قاعدة عين الأسد". وأضاف بأن "العقوبات فُرضت على أهم المتعاملين مع إيران في المناطق الغربية والشمالية العراقية، وصحيح أن العقوبات ستقوّي الجبهة السنية الثانية الرافضة لإيران، لكن في حقيقة الأمر لا تأثير لها، ولن تكون مهمة للأشخاص الذين تعرضوا لعقوبات الخزانة الأميركية". واعتبر أن "المصرف المركزي العراقي والمصارف العراقية الأخرى، ملزمة بالتحرك نحو أصول الأربعة في المصارف ووقف التعامل المالي معهم. وهي مشكلة قد لا تكون مهمة لدى المعاقبين الأربعة على الأغلب".

وفي سياق سِيَرهم الخاصة، فإن أحمد الجبوري المعروف بـ"أبو مازن" من مواليد مدينة بيجي شمالي صلاح الدين عام 1968، عمل مع القوات الأميركية ضمن مشاريع "الصحوات العشائرية" التي لاحقت آنذاك الجماعات العراقية المسلحة المقاومة للوجود الأميركي، وعُرف تاجراً للمواشي والعقارات أيضاً. وبرز اسمه سياسياً بعد عام 2010 من خلال بناء سلسلة علاقات مختلفة له مع قادة عراقيين في بغداد. وتولّى منصب محافظة صلاح الدين عام 2013 ثم وزير شؤون المحافظات، عن المكون السنّي، بترشيح ودعم أحزاب سنّية مختلفة، لعام واحد قبل أن يقال ضمن سلسلة ترشيق حكومي أجراها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.
اعتقل بتهم فساد مالي وإداري عام 2017 ليطلق سراحه بعد فترة باعتبار عدم كفاية الأدلة، ثم خاض الانتخابات البرلمانية عام 2018 عن كتلة "صلاح الدين هويتنا"، التي فازت بمقاعد نيابية عدة. وفضلاً عن منصبه البرلماني والسياسي، فإن الجبوري نجح في تأسيس نفوذ عال له داخل نينوى وصلاح الدين، مستخدماً القدرات المالية وعلاقاته القوية مع قادة وزعماء فصائل عراقية مسلحة.



أما ريان الكلداني، فهو عراقي مسيحي كلداني من مواليد بلدة القوش في سهل نينوى عام 1982. وهو خريج معهد إعداد المعلمين في الموصل. برز اسمه بعد اجتياح "داعش" العراق كزعيم مجموعة مسلحة لا يتجاوز أفرادها بضع عشرات، لكنه سرعان ما تحول لزعيم مليشيا ضخمة، يتجاوز عدد أفرادها المئات وأطلق عليها اسم "بابليون". ومنحها تعريف بأنها "قوات مسيحية كلدانية لحماية مسيحيي سهل نينوى". كما حصل الكلداني على اعتراف من الحكومة العراقية و"الحشد الشعبي"، وبات فصيلاً كباقي الفصائل العراقية المنضوية ضمن "الحشد"، مسيطراً على مناطق سهل نينوى ذات الغالبية المسيحية، وعُرف بمواقفه المؤيدة لإيران. ترشح الكلداني لانتخابات مجلس النواب ضمن قائمة "بابليون" وفاز بمقعد واحد. كما ينضوي في تحالف "الفتح" الجناح السياسي لمليشيات "الحشد الشعبي". ودخل الكلداني بمشادّات ومعارك إعلامية مع الكنيسة الكلدانية وكنائس مسيحية عراقية عدة، بسبب تدخله بالجانب الديني ودعواته للتجنيد ومحاولة إدخال المسيحيين في لعبة المحاصصة الطائفية في العراق والتحدث باسمهم. وأصدرت البطريركية بياناً مطلع العام الحالي، قالت فيه إن "الممثلين الحقيقيين للمسيحيين في العراق هم المدعومون من قبل الكنيسة". يسيطر الكلداني اليوم على مفاصل مهمة في مناطق سهل نينوى بالتعاون مع "الحشد الشعبي".

أما نوفل العاكوب، فهو من مواليد مدينة الموصل عام 1964. حاصل على البكالوريوس في القانون من جامعة الموصل، كان أول ظهور له قائداً على منصة اعتصام الموصل، التي عرفت خلال فترة الاحتجاجات على سياسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، واختير محافظاً لنينوى بعد إقالة المحافظ الأسبق أثيل النجيفي، إثر سيطرة "داعش" عليها. وخلال فترة تسلّمه لمنصب محافظ نينوى، اتهم العاكوب بالثراء الفاحش والفساد المالي والإداري، منها عقود تجهيز النازحين في المخيمات، واتهم بالسماح بتمدد الفصائل المسلحة داخل الموصل وإنشاء ما يعرف حالياً بالمكاتب الاقتصادية. أقيل من منصبه بسبب حادثة عبّارة الموصل الشهيرة التي راح ضحيتها أكثر من 100 شخص في مارس/ آذار الماضي.

أما وعد القدو الملقب بـ "أبو جعفر الشبكي"، فهو من مواليد مدينة الموصل، هاجر إلى ألمانيا ولديه الجنسية الألمانية. أتى إلى العراق بعد أحداث "داعش" في الموصل عام 2014 وانضم إلى "الحشد الشعبي"، ليصبح آمر اللواء 30 في قوة الشبك، المسيطرة على شرق الموصل وشمالها، وهو أخ النائب عن المكون الشبكي، حنين القدو. الشبكي متهم بتورطه بجرائم قتل على الهوية وعمليات تهريب وقود إلى سورية، بالتنسيق مع فصائل مسلحة أبرزها "كتائب حزب الله العراقية"، و"كتائب الإمام علي".

وتأتي العقوبات الجديدة بعد أكثر من شهر على عقوبات مماثلة بحق شركة وشخصيتين عراقيتين، قالت الخزانة الأميركية في بيان لها إنهما "يسهلان تعاملات الحرس الثوري". وذكرت أنهما كل من، مكي كاظم الأسدي ومحمد حسين الحساني وشركة "موارد الجنوب العراقية الخاصة"، وذلك بعد عقوبات فرضت على السياسي آراس حبيب الفيلي، وأكرم الكعبي زعيم مليشيا "النجباء" المرتبطة بفيلق القدس الإيراني على لائحة الإرهاب.