وأكّد الشاهد أنّ "حرب التونسيين ضدّ الإرهاب حرب حياة أو موت، وحرب وجود ستنتهي بنصر قريب ضدّ هذه المجموعات التي تبشر بثقافة الخراب والتدمير"، معتبراً أنّ الهجمات الأخيرة تهدف إلى إرباك التونسيين واقتصاد البلاد، وإعاقة الانتقال الديمقراطي، لا سيما مع قرب انطلاق الموسم السياحي وعلى بعد بضعة أشهر من الانتخابات.
وتفاقمت المخاوف أمس مع تزامن الاعتداءات مع تراجع الوضع الصحي للرئيس السبسي، إذ أعلنت الرئاسة التونسية أمس، عن نقل السبسي إلى المستشفى العسكري، بسبب أزمة صحية ألمّت به ووصفتها بالحادة. وهي المرة الثانية التي ينقل فيها الرئيس التونسي إلى المستشفى ذاته، في مدة زمنية قصيرة، ما يدعو إلى توقّع كل السيناريوهات الممكنة، لا سيما حالة الفراغ التي تحدّث عنها الدستور في مثل هذه الحالات، والذي ينصّ على تولي رئيس البرلمان مهام الرئاسة مؤقتاً لتسعين يوماً كحد أقصى يجب أن تحصل خلالها انتخابات رئاسية جديدة. وتنص المادة 84 من الدستور التونسي على التالي: عند الشغور الوقتي لمنصب رئيس الجمهورية، لأسباب تحول دون تفويضه سلطاته، تجتمع المحكمة الدستورية فوراً، وتقر الشغور الوقتي، فيحل رئيس الحكومة محل رئيس الجمهورية. ولا يمكن أن تتجاوز مدة الشغور الوقتي ستين يوماً. إذا تجاوز الشغور الوقتي مدة الستين يوماً، أو في حالة تقديم رئيس الجمهورية استقالته كتابةً إلى رئيس المحكمة الدستورية، أو في حالة الوفاة، أو العجز الدائم، أو لأي سبب آخر من أسباب الشغور النهائي، تجتمع المحكمة الدستورية فوراً، وتقر الشغور النهائي، وتبلغ ذلك إلى رئيس مجلس نواب الشعب الذي يتولى فوراً مهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة لأجل أدناه خمسة وأربعون يوماً وأقصاه تسعون يوماً.
واستهدفت عملية انتحارية أولى، أمس، سيارة للشرطة البلدية بالقرب من شارعي شارل ديغول وبورقيبة في العاصمة. وقالت الداخلية التونسية في بيان لها إنّه في الساعة 10.50 صباحاً بالتوقيت المحلي (9:50 بتوقيت غرينتش)، أقدم شخص على تفجير نفسه بالقرب من دورية أمنية بشارع شارل ديغول بالعاصمة. وأسفرت العملية عن مقتل شرطي وإصابة ثلاثة مدنيين بجروح متفاوتة الخطورة.
وبعد عشر دقائق من الانفجار الأوّل، وقع الانفجار الثاني في منطقة القرجاني بالقرب من مبنى إدارة الشرطة العدلية. وأكدت الداخلية أنّ شخصاً ثانياً قام بتفجير نفسه أمام الباب الخلفي لإدارة الشرطة العدلية الذي يأوي عدة مصالح للشرطة. ونتج عن هذا الاعتداء إصابة أربعة أمنيين بجروح متفاوتة.
وقبل ذلك، كانت محطة الإرسال بجبل عرباطة بقفصة، جنوب غرب تونس، والمؤمنة من طرف تشكيلات عسكرية، تعرّضت في حدود الساعة الثالثة والنصف من فجر أمس، إلى إطلاق نار من قبل مجموعة إرهابية من دون تسجيل أي أضرار بشرية أو مادية، وذلك بحسب بيان لوزارة الدفاع الوطني. وتدخلت القوى العسكرية المتواجدة في المكان، وردت فوراً على مصدر إطلاق النيران، ما أجبر المنفذين على الفرار في أعماق الجبل، فيما وما زالت العملية العسكرية والأمنية متواصلة لتقفي آثار هذه المجموعة.
وأثارت عودة الاعتداءات حالة من الهلع، خصوصاً أنها حدثت وسط العاصمة التونسية في مناطق تعرف كثافة مرورية وبشرية كبيرة، لقربها من أسواق شعبية، بالإضافة إلى أنها تأتي في بداية موسم سياحي هام. ويشير تواتر العمليات في اليوم نفسه، إلى أنّ المنفذين كانوا يسعون لتوجيه ضربة كبيرة لتونس، كان يمكن أن تخلّف عدداً كبيراً من الإصابات، خصوصاً أنّ العملية الأولى وقعت في منطقة باب البحر المعروفة بكثرة أسواقها وحالة الاختناق المروري اليومية فيها.
وتشير تفاصيل العملية الثانية في حي القرجاني إلى أنّ الانتحاري كان يحاول الدخول إلى مقر إدارة الشرطة العدلية هناك، لكن اليقظة الأمنية منعته من ذلك، فالتجأ إلى المدخل الخلفي للإدارة في موقف للسيارات، وقام بتفجير نفسه، ليخلّف أربع إصابات.
مع العلم أنه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فجّرت امرأة نفسها في وسط العاصمة مما أدى لإصابة 15 شخصاً، بينهم عشرة من رجال الشرطة، في تفجير أنهى فترة من الهدوء بعد مقتل العشرات في سلسلة هجمات شنها متشددون عام 2015.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ حالة اليقظة لقوات الجيش في جبل عرباطة في قفصة هي التي منعت حصول إصابات في صفوف العسكريين هناك بعد الهجوم الذي تعرضوا له فجر أمس، مما دفع القوة المهاجمة إلى الفرار، وقاد إلى تفادي حصول أي إصابة بشرية أو مادية. لكنّ ذلك لا يلغي حالة الخوف من النشاط الإرهابي في تلك المنطقة والذي ما انفك يهدّد الوضع الأمني هناك.
ورفعت قوات الأمن والجيش من درجة تأهبها أمس، وفرضت طوقاً أمنياً في محيط موقعي الاعتداءين، وقامت بزيادة تأمين المواقع الحساسة والأماكن السياحية، فيما عادت الحركة إلى حالتها الطبيعية تدريجياً في وقت لاحق أمس وسط العاصمة.
وتعليقاً على هذه التفجيرات، قال الخبير الأمني المتقاعد من الحرس الوطني التونسي، علي زرمدين، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "تونس كانت على أهبة الاستعداد للتصدي للهجمات الإرهابية، وهو ما جعل الخسائر أقل ما يمكن، على الرغم من وقوع شهيد من عناصر الأمن"، موضحاً أنّ "تسجيل نسبة صفر من المخاطر والخسائر أمر لا يمكن حدوثه، خصوصاً أنّه حصلت ثلاث عمليات متواترة، وكان الهدف منها عودة الإرهابيين إلى الساحة، بعد الخسائر الجسمية التي تكبدوها طيلة السنوات الماضية".
ومحاولاً التخفيف من أهمية ما حدث، أكد زرمدين أنّ "مثل هذه العمليات تقع في كل البلدان، ولا سيما تلك التي تعلن عن مكافحتها للإرهاب"، معتبراً أنه "لا يجب تضخيم ما حصل، لأنّ الإرهاب يبحث عن الإثارة". وقال إنّ "الخسائر اليوم معنوية أكثر مما هي مادية"، مشيراً إلى أنّ "اليقظة الأمنية موجودة، وهو ما جعل تونس تتجنب كارثة كبرى، وهي ستواصل التصدي للإرهاب".
ويمكن اعتبار أنّ تونس تفادت الأسوأ بعد هذه الاعتداءات المتواترة، خصوصاً أنها تأتي في بدايات موسم سياحي واعد انتظره التونسيون طويلاً لترميم الصورة التي ضربتها الاعتداءات الإرهابية السابقة عبر استهداف مواقع سياحية مختلفة (مثل فندق في سوسة ومتحف باردو وسط العاصمة في العام 2015)، ووسط هشاشة الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد قبيل انطلاق انتخابات تشريعية ورئاسية منتظرة في أكتوبر/تشرين الأوّل المقبل. في المقابل، تؤكّد هذه الهجمات، جاهزية القوات الأمنية والعسكرية، التي لا تنفك تشدد على أنّ البلاد ليست في منأى عن اعتداءات محتملة، وأنها لم تتخلّص نهائياً من خطر الاٍرهاب مثل العديد من الدول الأخرى.