استمع إلى الملخص
- المحلل محمد الهلسة يرى أن إسرائيل تسعى لتغيير المفاهيم حول قدرتها على البقاء في المنطقة باستخدام القوة، وفرض سردية جديدة على الوعي العربي.
- زياد الحموري وزيد القيق يشيران إلى أن إسرائيل تستخدم الأسوار لأغراض سياسية ودينية لتأكيد سيادتها وطمأنة الجبهة الداخلية رغم الرفض العالمي المتزايد.
مع حلول الذكرى الأولى لعملية "طوفان الأقصى" التي نفّذتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، رداً على جرائم الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته، أضاءت سلطات الاحتلال ليلة أمس السور التاريخي لمدينة القدس المحتلة بصور القتلى الإسرائيليين في تلك العملية. ووصف محللون سياسيون قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي بعرض صور مئات القتلى الإسرائيليين في السابع من أكتوبر، وما بعده، بأنها رسائل تحدٍ سياسية ودينية ونفسية توجهها إلى الفلسطينيين والعرب والمسلمين، وتحاول من خلالها التلاعب بالوعي الجمعي للفلسطينيين والعرب، واستبدال منجزات المقاومة في أكتوبر وبعده إلى ما يشبه "هزيمة".
وفي هذا الإطار، قال المحلل السياسي والإعلامي، محمد الهلسة، في تصريح لـ"العربي الجديد" إن الاحتلال الإسرائيلي يحاول "من خلال قوة النار أن يمسح صورة الهزيمة من العقل الإسرائيلي، وإزالة صورة الانتصار التي تعززت في الوعي العربي والفلسطيني من خلال قوة النار ومن خلال جعل أشلاء ودماء الفلسطينيين والعرب الذين يقتلهم عبئاً ثقيلاً عليهم". وأضاف أن "هذا ما تفعله إسرائيل من خلال المجازر التي ترتكبها داخل قطاع غزة وفي الضفة الغربية والقدس والآن في لبنان".
الهلسة: إسرائيل تحاول قلب المشهد في القدس
وقال الهلسة: "الجهد العسكري الإسرائيلي منصب على تغيير المفاهيم المتعلقة بمقدرة إسرائيل على أن تبقى في إقليم معاد لها، وفق منطق النار اعتقاداً منها بأن فائض القوة العمياء الهوجاء قادر على أن يفرض وجودها في المنطقة، وأن تكون إسرائيل قادرة بما تتفوق فيه من سلاح ونار على فرض نفسها ومنع أن يهددها خصومها". وتابع "ويوازي هذا أيضاً سردية ورواية تريد أن تفرضها على الوعي العربي ليس فقط بمنطق النار إنما بمنطق شراء الذمم وفبركة الروايات وفرض روايات وتسويق أكاذيب".
وأضاف الهلسة: "هذه المشهدية على جدار القدس والمسجد الأقصى تأتي في هذا الإطار. فالمسجد الأقصى يحمل رمزية ومكانة مقدسة لكل من العرب والمسلمين، وبالتالي أن تضع إسرائيل صور قتلاها على سور الأقصى والقدس فيه رسالة تحدّ للعرب والمسلمين، كما فيه تحدّ لكرامتهم وكبريائهم بالنار".
وتابع "هي تتحدى مشاعرهم الدينية من خلال وضع هذه الصور على جدران الأقصى وسور القدس، وكأنها تقول إن دماء هؤلاء ستستمر في ملاحقة العرب والفلسطينيين، وبشكل أو بآخر هي صورة التخويف والتفزيع والتحقير في الوقت ذاته. ولا ننسى أن إسرائيل تتعاطى مع المسجد الأقصى ومع كل الأماكن باعتبارها مكاناً يخص إسرائيل، وفق روايتها الدينية والتوراتية، ولذلك هناك رسائل سياسية ودينية ونفسية، وتغيير تاريخ السابع من أكتوبر من وعي العالم يحتاج إلى جهد وسرية". ووضع كل ذلك في سياق محاولة إسرائيل "قلب المشهد لمصلحتها".
الحموري: ليست المرة الأولى
من جهته، قال مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية، زياد الحموري، إنه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها عرض سرديات ومشاهد إسرائيلية على أسوار البلدة القديمة والمسجد الأقصى. وأوضح الحموري في حديث لـ"العربي الجديد" أنه "على مدى السنوات الماضية شهدنا مثل هذه الاستعراضات المرئية التي حملت دلالات نفسية وسياسية ودينية خاصة في المناسبات والأعياد الدينية، وحتى في بعض المهرجانات الفنية والثقافية، بهدف خلق واقع آخر من التهويد لأسوار المدينة المقدسة كانت على الدوام تستفز المقدسيين فيما توجهه إليهم من رسائل تلغي عن مدينتهم هويتها العربية والإسلامية".
وقال الحموري: "لكن ما حدث الليلة الماضية بعرض صور القتلى الإسرائيليين على أسوار القدس شكل ذروة الاستفزاز والتحدي لمشاعر المقدسيين، واتسم بفرض منطق القوة الذي يتجسد واقعاً على الأرض من خلال جرائم الإبادة التي تحدث في غزة والضفة الغربية، بموازاة تصاعد إجراءات الأسرلة والتهويد لكل مظاهر الحياة في القدس التي بلغت خلال العام المنصرم منذ السابع من أكتوبر وحتى اليوم ذروتها".
بدوره، اعتبر الخبير التربوي، زيد القيق، أن "الاحتلال يريد من هذا المشهد أن يرسل رسالتين، الأولى أنه بالرغم من كل ما حدث ويحدث من جبهات مشتعلة من أقصى الشمال إلى الجنوب فالسيادة في القدس لإسرائيل، وها نحن ومن على سورها العظيم نؤكد أننا ما زلنا في القدس"، على حد تعبيره. أما الرسالة الثانية، بحسب ما يوضحه القيق في حديث لـ"العربي الجديد"، فهي "تهدئة الجبهة الداخلية وأهالي المحتجزين الإسرائيليين بأننا نعمل على تحريرهم، ولن ننساهم، وبالتالي فهي رسائل طمأنة للنفسيات الصهيونية المتوترة من موقف العالم أجمع الرافض للاحتلال".
وسبق لسلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال السنوات إضاءة أسوار البلدة القديمة بالقدس المحتلة بأعلام البحرين والإمارات والمغرب والاحتلال وأميركا تزامناً مع توقيع اتفاقيات التطبيع. كما أضاءت بلدية الاحتلال في أسوار البلدة القديمة في مدينة القدس المحتلة، بالعلمين الإسرائيلي والأميركي، بعد قرار الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، في ديسمبر/ كانون الأول 2017 الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل.