"تحالف ميلانو".. معسكر يمين أوروبي متشدد بزعامة سالفيني لـ"إنقاذ أوروبا"

09 ابريل 2019
توقعات بتوسع التحالف ليشمل أحزاباً أخرى (إيمانويل كريماشي/Getty)
+ الخط -
تحركات متسارعة تشهدها ساحة الأحزاب القومية المتشددة في أوروبا للالتقاء في كتلة واحدة، تمهيدا للانقضاض على أكبر الكتل في البرلمان الأوروبي، وهذه المرة بزعامة وزير داخلية إيطاليا وزعيم "الليغا" القومي المتشدد ماتيو سالفيني.

وفي الاجتماع الذي استضافه سالفيني الإثنين في ميلانو الإيطالية، وضم للمرة الأولى أندرس فيستسن عن "حزب الشعب الدنماركي"؛ الذي ظل يباعد بينه وبين شعبوي القارة بشكل واضح في معظم الخطابات والدعايات الانتخابية السابقة، وأولي كوترو من حزب "الفنلنديين الحقيقيين"، ويورج ميوتن من "البديل لأجل ألمانيا"، أُعلن عن تحالف جديد "لإنقاذ أوروبا".

ولا يخفي المتحالفون، في المعسكر الموصوف أوروبيا باليمين الشعبوي المتطرف، رغبتهم في "تغيير جذري للمسار.. نحو أوروبا أكثر عقلانية"، معتبرين أن خطوتهم هذه ستحدث تغييرا في موازين القوى داخل برلمان أوروبا، للمرة الأولى منذ أن بدأت انتخاباته في 1979 من مختلف دول القارة.

فالطموح الجديد لقوى اليمين المتطرف، وأكثرها أحزاب تشكك في جدوى الاتحاد الأوروبي، يستند إلى فكرة استعادة "الحدود الوطنية" واستقلالية القرارات بعلاقات أوروبية مختلفة. 

ويبقي سالفيني، ومعه تحالفه الناشئ، الباب مواربا لانضمام أحزاب أخرى، مراهنا على انضمام زعيمة حزب (التجمع الوطني) الجبهة الوطنية الفرنسية، مارين لوبين، وحزب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان (فيديز) إلى المعسكر، فـ"هؤلاء مع زعيم حزب القانون والعدالة البولندي، يورسلاف كازينسكي، سينضمون إلينا لاحقا"، بحسب ما ذكره سالفيني مساء الإثنين.


ويصف مسؤول الكتلة البرلمانية الأوروبية عن "حزب الشعب الدنماركي"، وممثله في تأسيس تحالف ميلانو، أندرس فيستسن، أن "الخطوة هي تاريخية لمواجهة غياب الأمن ولوقف سياسات بروكسل نحو تعددية ثقافية ولتعزيز الهوية الأوروبية دون أن تكون بروكسل هي التي تقرر، بل دول الاتحاد الـ27، حفاظا على هوياتها القومية الخاصة بها، مع تعزيز مستوى التعاون بين دول القارة بطريقة أخرى".

ومن الواضح أن "تحالف ميلانو" يعتبر نجاحا كبيرا لماتيو سالفيني، 46 سنة، ودوره في تزعم اليمين القومي المتشدد في بلده، وتقديمه على الساحة الأوروبية كأحد أهم أقطاب هذا المعسكر. فلم يتردد سالفيني في التعبير عن معارضته لأقوى حليفين أوروبيين في الاتحاد، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وقراءتهما لأوروبا أكثر اندماجا واتحادا.

وأعاد سالفيني، أمس، بعد تشكل هذا التحالف، تأكيده معارضة مساعي برلين وباريس بالقول: "نحن سنغير أوروبا، وهذا الائتلاف الجديد سيصبح الأكبر والأكثر أهمية لاستعادة القرار والسيادة ولإنقاذ أوروبا". 

وبحماسة كبيرة، أيد اليمين القومي الدنماركي المشارك للمرة الأولى إلى جانب سالفيني، المتهم في كوبنهاغن وصحافتها بأنه "عنصري"، ما يشير إلى قفز هذا الحزب عن محاذير سابقة وعدم قلقه من تصويت الشارع له في انتخابات البرلمان الأوروبي بعد نحو شهر ونصف الشهر.

ورغم الانتقادات التي تعرض ويتعرض لها زعيم "الليغا" ووصف تصريحاته وخطابه السياسي بـ"العنصري"، وخصوصا موقفه من المهاجرين ومنع إنقاذ لاجئي قوارب المتوسط، إلا أن الرجل، على غرار حزبه، يحظى في بلده بتأييد كبير في الشارع وباستطلاعات تمنحه أكثر من ثلث الأصوات.

وعلى الرغم من أن معسكر اليمين المتشدد بات حقيقة واقعة على الساحة الأوروبية، وتوقع توسع تحالفاته لتشمل أحزابا أوروبية أخرى، إلا أن تحقيق أهداف "تحالف ميلانو" دونه عقبات. 

فداخليا، في صفوف المتحالفين، وبقية الأحزاب التي يعول على التحاقها بهم، ثمة اختلافات عميقة. فبعضهم يؤيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبقوة، وآخرون ضده وبعنف، ويختلف هؤلاء على طبيعة الاقتصاد الذي يجب انتهاجه في أوروبا، هذا إلى جانب اختلافاتهم حول كيفية توزيع أموال وموارد الاتحاد الأوروبي.

لكن الاختلاف الأيديولوجي، الذي ربما سيجعل المهمة صعبة، هو على ما يسمى "الإرث الثقافي المسيحي لأوروبا".

فبعض التيارات الشعبوية تقدم نفسها على أنها علمانية، فيما أخرى تحمل فكرا شعبويا متشددا يستند إلى ما تسميه "القيم السياسية المسيحية"، كما هو حال فيكتور أوربان وغيره من زعامات اليمين المتشدد من بولندا واسكندنافيا شمالا إلى إيطاليا نفسها. وما يهدف إليه المعسكر الأخير يتعارض تماما مع مبادئ الاتحاد الأوروبي وقيمه التي تأسس ويسير عليها، وبالأخص الإصرار لدى هذه القوى على انتقاد نظام الاتحاد الأوروبي الذي يقوم على حماية حقوق الأقليات الدينية والجنسية، هذا بالإضافة إلى اختلافات تتزايد حول حق الإجهاض في دول القارة الأوروبية.


فالقضية الأخيرة، منع الإجهاض، إلى جانب ما يسمى استعادة القيم الأسرية، هي إحدى الأرضيات التي يستند إليها اليمين الشعبوي المتطرف في إيطاليا. ويصف سالفيني الإجهاض بمثابة "جريمة إبادة جماعية"، وغيره حول القارة، كما في المجر وبولندا، لتسويق فكرة أنه "حارس للقيم المسيحية".

وبكل الأحوال، ورغم الاختلافات التي يمكن أن تعيق هذا التحالف الشعبوي، فإن الضغط الذي يمثله اليمين الشعبوي على اليمين التقليدي بات واضحا في النجاحات الوطنية والأوروبية لجذب أصوات الناخبين، محليا وأوروبيا. فالمسرح الذي هيمنت عليه أحزاب المحافظين والمسيحيين الديمقراطيين ويسار الوسط، كأكبر كتلتين برلمانيتين أوروبيتين، يبدو أنه في طريقه للاقتحام من قبل أحزاب شعبوية أخرى وأكثر تشددا في خطابها وقراءتها لمستقبل أوروبا، وهذا يشمل حتى أحزابا اسكندنافية، مثل ديمقراطيي السويد والشعب الدنماركي والفنلنديين الحقيقيين، إلى جانب أحزاب نمساوية وألمانية وفرنسية وبلجيكية وإيطالية وغيرها، وهي تسوق نفسها على أنها تقوم بعملية تصحيح سياسي أو "ثورة وطنية" باستلهام واضح من نجاحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ 2016، ومساعي ستيف بانون لدفعها نحو تشكيل ما يسمى "ثورة القوميات العالمية"، ويشمل ذلك التحالف مع "الجناح المسيحي" في هرمية السلطة المتدينة في موسكو.

تطورات كثيرة ينتظرها الأوروبيون، في ما يخص تغير التحالفات ونشوء كتل مقابل أخرى في ديناميكية ديمقراطية تمارس منذ نحو 4 عقود بعبور للحدود الوطنية للدول والأحزاب.​