ضعف تحالف غروكو يهدد ولاية ميركل الرابعة

17 مارس 2018
على ميركل التكيف مع زواج "الاشتراكي" (توبياس شوارتز/فرانس برس)
+ الخط -
لم يشفع لأنجيلا ميركل التي حصلت، الأربعاء الماضي، على ولاية رابعة على رأس المستشارية الألمانية، بعد 171 يوماً من الانتخابات العامة، وما رافقها من صعوبات مليئة بعدم اليقين والنكسات، للوصول إلى إعادة صياغة الائتلاف مع الحزب الاشتراكي، الحصول على استقرار حكومي. إذ ظهر، خلال نتائج التصويت على ترؤسها ولاية رابعة، أن 35 نائباً تخلفوا عن التزام تأييد أحزاب الائتلاف الحكومي، الذي يستحوذ على 399 صوتاً من أصل 709 في البوندستاغ. وحصلت ميركل على 364 صوتاً من 688 من الأصوات الصحيحة، في مؤشر اعتبره خبراء في السياسة الألمانية أنه انطلاقة عرجاء لميركل، قبيل زيارتها لباريس وإجراء مباحثات مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بخصوص ترتيب البيت الأوروبي.

ويبدو أن المستشارة ستواجه الكثير من الضغوط من قبل المعارضة المدعومة بأصوات أعضاء من الائتلاف غير الراضين على النسخة الجديدة من "غروكو"، ما يضعها أمام مواجهة المزيد من المخاطر والتحديات الوطنية والدولية. ويأتي هذا الوضع نتيجة الانتخابات التي لم تكن عادية بالنسبة إلى ميركل، في ظل وجود كتلة من 92 نائباً تمثل اليمين الشعبوي في البوندستاغ، ومع تطعيم الحكومة الاتحادية، المكونة من 16 وزيراً، بعشرة وجوه جديدة، بينهم شباب يسعون لإثبات تطلعاتهم، وهو ما لن يكون سهلاً بالنسبة إلى ميركل. وقد بات على المستشارة أن تتكيف هذه المرة مع زواج قسري مع الحزب الاشتراكي وإقناع المواطنين بأن الأمر لم يكن لمجرد الاحتفاظ بالمنصب والعودة بالائتلاف الكبير، لأن ممثلي "الاشتراكي" في الحكومة سيرفضون المهادنة، إذ إن المطلوب منهم أن يثبتوا قدراتهم وحضورهم، وليس من المستبعد أن يكونوا شركاء متمردين محتملين لشخصيتين من أكثر المنتقدين لها على طاولة الحكومة، هما زعيم الحزب الشريك لحزب ميركل، وزير الداخلية، هورست زيهوفر، ووزير الصحة المشاكس في حزبها المسيحي الديمقراطي، ينز شبان.

من هنا يبقى هناك تشكيك بإمكانية بقاء ميركل على رأس المستشارية لولاية كاملة، انطلاقاً من المعطيات التي تشير إلى أن تركيز الشقيق الأصغر للاتحاد المسيحي، الحزب الاجتماعي المسيحي، سينصب على انتخابات ولاية بافاريا الخريف المقبل، والتي تعتبر عريناً له، إضافة إلى اختلاف طروحاته الأساسية مع ثوابت المستشارة، خصوصاً في الملف المتعلق بأزمة اللاجئين، فيما يبقى هم الحزب الاشتراكي، الذي يتحضر الشهر المقبل لتنصيب رئيسة كتلته البرلمانية، أندريا ناليس، كزعيمة للحزب، استعادة الجمهور والتركيز على الملفات الحياتية التي يرفع شعارها، ومنها العدالة الاجتماعية، وتحضير خليفة ممكنة لميركل من صفوفه بعد انتخابات العام 2021. في المقابل، يتحضر الطيف السياسي الموجود في المعارضة داخل البوندستاغ لمواجهة الحكومة، عبر اعتماد المنافسة الشرسة لكسب الناخبين، علماً أنه من المتوقع أنها ستكون أكثر تجانساً بوجود الأحزاب الأربعة، الخضر والديمقراطي الحر والبديل من أجل ألمانيا واليسار، وهو ما أشار إليه زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي، كريستيان لندنر، الأربعاء، بوصفه يوم انتخاب المستشارة لولاية رابعة بـ"الوداع لفترة حكمها"، معتبراً أن ألمانيا تعيش وضعاً صعباً وتقوم بإضاعة الوقت في عالم متحول وفي ظل الحرب التجارية وتهديدات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالضرائب والحمائية الاقتصادية.


وفي هذا الإطار، رأى خبراء في علم السياسة والاقتصاد أن قدرة المنافسة في الولايات المتحدة وفرنسا ستصبح أقوى للبضائع الألمانية مع تخفيض الضرائب، فيما ألمانيا ترد بالكثير من البيروقراطية، وهذا الأمر يضغط على الحكومة مع صرف الكثير من الأموال من دون أن يستفيد المواطن منها، مع ضرورة التمييز بين المعارضات داخل البرلمان، وهي أن الخضر واليسار لديهم طروحات الائتلاف نفسها مع بعض التعديلات البسيطة على الأولويات، فيما حزب "البديل" اليميني الشعبوي يريد إلغاء أوروبا والعودة إلى خمسينيات القرن الماضي وترحيل المهاجرين ودحض نظرية أن المجتمع الألماني كهل ويريد مهاجرين للحفاظ على استمرارية نموه والاستفادة منهم في مصانعه التي تشكل الركن الأساس لمقدرات البلد الاقتصادية، انطلاقاً من أن العالم تغير ودخل الجميع عصر التطور والرقمنة وحلت الآلة مكان الإنسان، وبالتالي فإن البلاد ليست بحاجة إلا لأصحاب الكفاءات، وهذا ما لا يرفضه الأخير بالمطلق. فيما الليبرالي الحر يمثل المعارضة المنفتحة على العالم، وهمه التطوير والرقمنة والاستفادة من المقدرات واستخدامها في إطارها الصحيح، وبالتالي سيكون متأهباً لضمان طروحات تحاكي مستقبل المواطن الألماني، كما وإدارة حماية الحدود ومكافحة الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة والأمن السيبراني والسيطرة على الهجرة لاستعادة الثقة المفقودة.

هذا الأمر يتطلب من المستشارة وحلفائها إعادة رفع مداميك وركائز جديدة للسياسة الداخلية في ألمانيا، والتي قد تساهم في استعادة ثقة الناخبين من اليمين لتحسين صورة الأحزاب التقليدية مجدداً. وهذا ما ينطبق على صورة ووضعية المستشارة وطريقة حكمها وتأمين ظروف معيشية متساوية للولايات الشرقية، حيث الحضور القوي لليمين الشعبوي، الذي يتهمها بأنها لا تملك رؤية طويلة الأمد وحلولاً مستدامة لألمانيا، وأن أطراف الائتلاف قضوا أسابيع في مناقشة أمور مثل لمّ شمل أسر اللاجئين والرعاية الصحية من دون طائل، والتي حسب رأيهم، ستزعزع استقرار ألمانيا من جديد، لأن الطموحات كبيرة والتوقعات صغيرة والتحديات هائلة وإرادة الإصلاح ضئيلة.

إلى ذلك، يعتبر محللون أن ألمانيا تضفي على نفسها طابع البؤس الذي تعيشه إيطاليا حالياً، لأن التحالف الحكومي هش ومرهون بفترة 18 شهراً وضعها الحزب الاشتراكي لتقييم الوضع داخل الحكومة، ناهيك عن استمرار الأصوات المعارضة من القاعدة التي أصيبت بالضجر من مثل هذا الحكم المعلب، مع تكهنهم بأن ينتهي عصر الأحزاب التقليدية، لأن الناس البسطاء يبتعدون أكثر فأكثر عن الديمقراطية الاجتماعية للمثقفين والمسؤولين ويصوتون لليمين، لأن المخاوف بشأن حياتهم اليومية لم تعد موجودة في برامج تلك الأحزاب. ويعتبر هؤلاء أن ميركل، إذا أرادت نجاح "غروكو" بطبعته الثالثة، ليس عليها سوى التفكير بمستقبل المواطن الألماني من خلال السيطرة على المشاكل الهائلة التي تعتري المجتمع، وليس الاعتماد على عناوين الاتفاق مع الحزب الاشتراكي. والعامل الحاسم أن الحكومة، بمزيج وزرائها من أصحاب الخبرة والشباب، لديها القدرة على ابتكار إبداعات جديدة والتركيز على الأمن الداخلي، وتخفيف الأضرار الجانبية الناتجة عن الهجرة المفرطة، والتركيز على معايير القيم الدستورية وترحيل المهاجرين المرفوضة طلبات لجوئهم واعتماد إصلاحات في مجال الرقمنة وتحديث الجيش وتأمين تقاعد الأجيال المقبلة.