شركات إسرائيلية تحت الطلب: تدخل بانتخابات أوروبية وبرامج تجسس

26 نوفمبر 2018
تدخلت "بلاك كيوب" الإسرائيلية لصالح أوربان (ديبي هيل/فرانس برس)
+ الخط -

تواترت في العامين الأخيرين تقارير عن نشاط إسرائيلي، غير رسمي، لكنه يعتمد أساساً على خريجي المؤسسات الأمنية الإسرائيلية، للتدخل في سيرورات وحراك التغيير السياسي في دول مختلفة في العالم، كنشاط بديل أو مكمل لضمان واقع سياسي مناصر لإسرائيل في بلدان لم يعد هناك، أو لا يوجد فيها، تأثير للصوت اليهودي.

وفي هذا السياق، نشر موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أمس الأحد، فضيحة جديدة يمكن أن تضاف إلى فضائح سابقة، تؤكد انخراط شركات "أمنية"، أو شركات جمع معلومات وتجسس، في الانتخابات الوشيكة في جورجيا، إحدى دول الاتحاد السوفييتي سابقاً، وموطن الزعيم السوفييتي الراحل، جوزيف ستالين. ووفقاً لموقع "يديعوت"، فإن الحديث عن شركة يرأس مجلس إدارتها من الباطن رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي السابق والوزير السابق، يعقوف بيري، الذي اضطر للاستقالة من الكنيست واعتزال العمل السياسي الحزبي، بعد الكشف عن كذبه خلال عمله في جهاز الشاباك، وتقديم تفاصيل غير صحيحة عن خدمته العسكرية في الجيش.
ووفقاً لموقع "يديعوت أحرونوت"، فإن الانتخابات في جورجيا التي تشهد عادة سباقاً ومنافسة شديدة بين الموالين لموسكو، وأنصار التقارب مع الاتحاد الأوروبي، ستحسم هذا العام ربما بفضل "نشاط ومهارات شركة أمنية إسرائيلية، طفا بفعل نشاطها إلى السطح معلومات عن المتنافسين في الانتخابات، وذلك مع اقتراب موعد الجولة الثانية من الانتخابات للرئاسة يوم الأربعاء، بين المرشح غريغول فاشادزه، الذي يمثل الحزب الحاكم، وبين المرشحة سالومي زورابيشفيلي التي يناصرها الرئيس الأسبق، ميخائيل ساكاشفيلي، الذي يعيش خارج الدولة، بعد أن أضطر لمغادرتها إلى أوكرانيا بفعل شبهات حول تورطه بالفساد".

ووفقاً للموقع فإن الشبهات ضد ساكاشفيلي كشفت بفعل رجال شركة " CGI GROUP"، وهي شركة يملكها مواطن إسرائيلي ورجل أعمال يدعى نافيه تسفيكا، لكن رئيس الشركة هو يعقوف بيري. وبحسب التقرير فقد أبرمت الشركة، التي تدعي التخصص في مجال "الاستخبارات لقطاع الأعمال"، أخيراً، عقداً مع الحزب الحاكم في جورجيا للبحث عن معلومات حول "سوء إدارة وفساد لدى مرشحي الحزب المنافس، أو أي معلومة يمكن بفعلها قلب توجهات الرأي العام في جورجيا لصالح فاشادزه. ويشير التقرير إلى أن أفراد الشركة الإسرائيلية، قاموا بأعمال تحرٍ وتقصٍ وتحقيقات أوصلتهم إلى معلومات مفادها أن شخصاً ما "يبحث عن قناص من أجل الإطاحة برأس الرجل الأقوى في السياسة الجورجية" وهو بدزينا إيفانيشفيلي، الذي يعتبر الرجل الأغنى في جورجيا، وسياسيا شغل في الماضي منصب رئيس الحكومة وهو اليوم رئيس الحزب الحاكم. ووفقاً للتقارير الإسرائيلية فقد قامت الشركة الإسرائيلية بجهود حثيثة "سعياً للوصول إلى مخططي عملية الاغتيال، وتوصلت في نهاية المطاف إلى شريط يسمع فيه صوت ساكاشفيلي وابن عمه تامور السينيا". وأوضح تقرير "يديعوت أحرونوت" أن الشريط يظهر أن الرجلين يتحدثان عن استئجار خدمة قناص مهني تمكنه إصابة إيفانيشفيلي، وليس هذا فحسب بل إن الاثنين تلفظا بعبارات مسيئة للشعب الجورجي الذي يصفانه بالغبي. وقد تمت إحالة الشريط إلى السلطات الجورجية التي باشرت التحقيق في الموضوع. لكن بالإضافة إلى ذلك، يقول موقع "يديعوت" إن تقرير الشركة الإسرائيلية نشر على أحد أكثر المواقع انتشاراً ومتابعة في جورجيا، وهو موقع "pia"، ما أدى إلى مردود إيجابي على الشركة الإسرائيلية وعلى إسرائيل التي تم وصفها بأنها حافظت على نزاهة الانتخابات في جورجيا ومنعت جريمة قتل سياسي.


وفيما ينتظر أن تترجم نشاطات هذا الملف إلى ثمار سياسية لصالح إسرائيل، فإنه يعيد إلى الأذهان نشاط شركة تجسس إسرائيلية أخرى، هي "بلاك كيوب" وتدخلها في الانتخابات التي جرت في المجر لصالح الرئيس المنتخب فيكتور أوربان، الذي يجاهر بمواقف مناصرة كلياً لدولة الاحتلال ورئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، إلى درجة إطلاق تصريحات يعد فيها بنقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة. ووفقاً لتقارير نشرتها الصحافة الإسرائيلية والمجرية فقد نشطت شركة "بلاك كيوب"، في العام 2017 داخل المجر ومن خلال اتصالات مكثفة ونشاط كبير داخل المجتمع المدني المجري، لصالح أوربان، بما في ذلك عبر شن حملة شيطنة ضد جمعيات ومؤسسات في المجتمع المدني المجري المحسوبة على اليسار والتي تلقت دعماً مالياً من رجل الأعمال اليهودي الأميركي، جورج سوروس المجري الأصول والمولد. وقد نشطت الشركة الإسرائيلية بعمليات تحقيق وجمع معلومات واسعة ضد سوروس وجمعيات المجتمع المدني التي يمولها ويدعمها، وذلك بموازاة حملات تحريض عنصري ولاسامية من أوربان ضد سوروس. ولم يتحرك نتنياهو أو يعبر ولو بكلمة عن معارضة للإيحاءات اللاسامية في الحرب على سوروس، بل إن نجله يئير نشر على صفحته في "فيسبوك" كاريكاتوراً لاسامياً ضد سوروس، المعروف أيضاً بدعمه لأكبر صناديق الدعم اليسارية للجمعيات الإسرائيلية، "الصندوق الجديد لإسرائيل".

ونقل موقع "كالكاليست" الإسرائيلي عن صحيفة وموقع "بوليتيكو" أن وكلاء في شركة "بلاك كيوب" التجسسية الإسرائيلية التقوا سراً خلال المعركة الانتخابية الأخيرة في المجر، وعبر هويات مزيفة، مع ممثلي جمعيات اليسار ومع سوروس، وقاموا بتسجيل هذه المقابلات سراً ونشرها أيضاً في صحيفتي "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية و"ماغيار أيدوك" المجرية التي تسيطر عليها الحكومة المجرية. وجرى توظيف هذه التسجيلات من قبل أوربان المعروف بأيديولوجيته القومية الشوفينية المتطرفة، ما أدى إلى تحقيق حزبه فوزاً ساحقاً في الانتخابات. وتشكل شركتا "بلاك كيوب" الإسرائيلية و" CGI GROUP" التي يرأسها يعقوف بيري مثالاً لشركات تجسس إسرائيلية تنشط في الأعوام الأخيرة في بيع خدمات التجسس لأطراف مختلفة. وبالأمس فقط نشرت "هآرتس" الإسرائيلية تحقيقاً عن أن أطرافاً سعودية مقربة من الحكم، أجرت العام الماضي اتصالات مع شركة " NSO" الإسرائيلية المسجلة في قبرص، لكن مكاتبها في هرتسليا، لشراء وتزويد الرياض ببرنامج التجسس "بيغاسوس 3" الذي يمكن عبره مراقبة وتعقب هواتف المعارضين للحكم. ولمّحت إلى احتمال تعقب الكاتب السعودي جمال خاشقجي، الذي قتل داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، من قبل سلطات السعودية بهذه التقنيات.

وقد ورد اسم شركة "بلاك كيوب" أخيراً أيضاً في قضية المنتج الأميركي، هاري فاينشتاين، المتهم بجرائم تحرش واغتصاب، إذ سبق لفاينشتاين، قبل تسليم نفسه للسلطات الأميركية، أن استأجر خدمات شركة "بلاك كيوب" الإسرائيلية لمنع نشر التقارير التي تتضمن الاتهامات له عن جرائمه الجنسية ضد ممثلات مشهورات من هوليود خلال عملهن معه. كما أن التحقيقات الجارية في الولايات المتحدة أشارت إلى أن الشركة الإسرائيلية جمعت معلومات عن موظفين ومسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما سعياً لتخريب فرص إبرام الاتفاق النووي مع إيران، وفق ما نشر موقع "كالكاليست" في السابع من يوليو/تموز الماضي. كما سبق أن تم أيضاً اعتقال اثنين من العاملين في نفس الشركة، في رومانيا بشبهة التجسس على المدعية العامة في المديرية القومية لمكافحة الفساد. واللافت أخيراً، أن يعقوف بيري، رد على توجه "يديعوت أحرونوت" بشأن الاتهامات لشركته بالقول، إن الشركة لا تتحدث عن تفاصيل عملها ولا عن زبائنها، لكن الأخيرين هم من كشفوا التقرير والنتائج تتحدث عن نوعية العمل. أما في سياق شركة "بلاك كيوب" وتدخلها في الانتخابات في المجر، فقد ردت الشركة على موقع "كالكاليست" بعبارة "لا نتحدث عن الصفقات ولا عن الاتفاقيات مع زبائننا".

المساهمون