مؤتمر باليرمو الليبي بحضور السيسي وحفتر: آمال ليبية متواضعة

13 نوفمبر 2018
أرسل حفتر ضباطاً مقرّبين منه (عبدالله دومة/فرانس برس)
+ الخط -
انتظر قائد قوات برلمان طبرق في ليبيا، خليفة حفتر، حتى اللحظة الأخيرة ليتجه إلى جزيرة صقلية للمشاركة في مؤتمر باليرمو، الذي افتتح أعماله، أمس الإثنين، على أن يستكمل اليوم الثلاثاء.

وقد ظهرت خلال مسار النهار الطويل أمس، محطات عدة، من حديث رئيس الوزراء الإيطالي، جيوزيبي كونتي، والآمال الإيطالية المعقودة على المؤتمر، إلى وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى إيطاليا للمشاركة في المؤتمر، بعد تواتر أنباءٍ عن غيابه عنه، قبل أن يلحق به حفتر ليل أمس.

وقد حملت الساعات الأولى من يوم أمس الإثنين، اتصالات سياسية واسعة بين إيطاليا وفرنسا ومصر وحفتر، دفعت السيسي لتغيير موقفه الذي كان شبه معلن من مؤتمر باليرمو بشأن القضية الليبية، معلناً أنه سيسافر لحضور المؤتمر، بعدما كان مقرراً أن ينوب عنه وزير خارجيته سامح شكري، في تغيّر واضح يعكس بحسب المصادر الدبلوماسية المصرية، التوصل إلى اتفاق على حد أدنى من البنود الختامية للمؤتمر بين روما وباريس والقاهرة.

وكشفت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن "التعليمات التي بات عليها ديوان الخارجية، الأحد الماضي، كانت تتمثل في سفر شكري لتمثيل مصر في المؤتمر، وتم إبلاغ روما بذلك، كما كان السيسي سيحضر مساء أمس الإثنين حفل ختام مهرجان الموسيقى العربية الذي أحيته الفنانة اللبنانية ماجدة الرومي، وتم اتخاذ الإجراءات الأمنية المعتادة لزيارة السيسي دار الأوبرا المصرية بالزمالك بالقرب من ميدان التحرير، لكن الاستعدادات تم تخفيفها بعد اتخاذ قرار السفر لمؤتمر باليرمو، وستحضر الحفل قرينة السيسي وعدد من أقاربه فقط".

ما حدث بين الليل والفجر ليس واضحاً بكامل تفاصيله، لكن المصادر أكدت أن "السيسي لم يكن ليحضر إلا إذا رضيت إيطاليا بتمكين حفتر وجيشه المدعوم من مصر والإمارات وفرنسا من وضع مميز في السلطة الموحدة المقرر تشكيلها"، مشيرة إلى "مواكبة الاتصالات المصرية الإيطالية اتصالات أخرى بين إيطاليا وفرنسا، فضلاً عن اللقاء القصير الذي جمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج على هامش حفل إحياء ذكرى نهاية الحرب العالمية الأولى".

وذكرت المصادر أن "إيطاليا ربما تكون قد أبدت في الساعات الأخيرة قبل بدء المؤتمر مرونة تجاه شروط حفتر والمطالب المصرية لضمان قوة المشاركة ورفع احتمالات الخروج بنتائج ملموسة، لا سيما وأن التقييم الأوروبي، وكذلك المحلي الإيطالي، للقمة قبل انطلاقها يتوزع بين اتهامها بالضعف، أو الصورية، أو أنها تهدف لمناوأة فرنسا وإظهار أن إيطاليا يمكن الاعتماد عليها لإدارة هذا الملف أمام الأمم المتحدة والولايات المتحدة".

والسبب الرئيس لانخفاض سقف التوقعات من القمة هو تراجع عدد كبير من الزعماء الأوروبيين عن الحضور بحسب وسائل الإعلام الإيطالية، في مقدمتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف، مقابل تأكيد حضور ثلاثة قادة ليبيين كبار فقط هم: السراج، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، بحضور المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة.

وإلى جانب انخفاض مستوى التمثيل الأجنبي، فإن عدم تبني إيطاليا خطة طريق محددة لإجراء الانتخابات، وضرب موعد مبدئي بعيد في سبتمبر/أيلول 2019، في مقابل إصرار سلامة على موعد يونيو/حزيران 2019، أعطى انطباعاً بعدم الجدية، وإمكانية تغيير المواعيد مع استمرار فشل محاولات التهدئة السياسية، كما حدث مع مخرجات مؤتمر باريس المنعقد في مايو/أيار الماضي، والذي كان قد اتفق فيه الفرقاء على بدء العملية الانتخابية في ديسمبر/كانون الأول المقبل. واقترح سلامة في حوار مع "رويترز" قبل بدء المؤتمر، إجراء الانتخابات في يونيو شرط أن يعقد الليبيون أولاً مؤتمراً وطنياً في أوائل عام 2019 "لتحديد شكل الانتخابات". واعتبر أن المؤتمر الوطني "يُفضَّل" أن يجرى على الأراضي الليبية، مشيراً إلى أن 80 في المائة من الليبيين يريدون إجراء انتخابات.

وكانت مصادر مصرية ذاتها قد ذكرت أن "الساعات الأخيرة شهدت تواصلاً مكثفاً بين حفتر ومصر والإمارات وروسيا في محاولته للتملص من أي التزامات قد تترتب على المؤتمر، وأبرزها ضمان تعاونه مع قوات حكومة الوفاق للقضاء على العصابات المسلحة وتمهيد الطريق خلال الشهور التسعة المقبلة لإجراء الانتخابات، إلاّ بعد كتابة دستور يضمن له وضعاً مميزاً في السلطة".

وأوضحت المصادر أن "السيسي غير راض عن الرؤية الإيطالية للمشهد الليبي من زوايا عدة، أبرزها ضرورة تمكين حفتر وجيشه المدعوم من مصر من التحكم في مقاليد السلطة التنفيذية بمختلف المناطق الليبية، بما فيها الهلال النفطي الذي أصبح تحت سيطرته فعلياً، كما أن السيسي يرى استحالة تحقيق مصالحة شاملة في ليبيا قبل إجراء الانتخابات، وبناء على هذه الرؤية يروج مع الإمارات لتصور مفاده أن المعركة السياسية في ليبيا وكأنها بين التيارات العلمانية الوطنية وتيار الإسلام السياسي الداعم للإرهاب، وهو تبسيط لا تقبله إيطاليا، لكن فرنسا تعتقد أنه مدخل مناسب لإنهاء الاشتباكات الميدانية والسياسية".

ويعتبر السيسي أيضاً أن الشواغل الإيطالية والفرنسية على حد سواء في المشهد الليبي ليست هي الأهم، فبالنسبة للسيسي الذي لا يرضى بكل الخطوات التي يتخذها حفتر، ويعتبر بعضها تسارعاً مفرطاً للسيطرة على الحكم، يرى في الوقت نفسه أن هناك ضرورة قصوى لدعم جيش متماسك، ولا ينتمي للإسلام السياسي بطبيعة الحال، لوقف حالة عدم الاستقرار والعنف والجريمة المنظمة التي تؤثر سلباً على استقرار مصر، وتمثل حواضن مناسبة للتكفيريين والإرهابيين المتحركين عبر الحدود بين البلدين، وتتنامى خطورتهم بعد القضاء على معظم التنظيمات المنظمة، وتحولهم بالتبعية لخلايا غير مركزية ومتوارية عن الأعين، فضلاً عن مساعدة مصر في جهودها للحد من الهجرة غير الشرعية، وهو التخوف الأبرز للإيطاليين تحديداً.

وأكد مصدر مقرب من قيادة حفتر مغادرة وفد عسكري ممثل للأخير من بنغازي، وذلك قبل أن يلحق به حفتر ليلاً. وكان رئيس الوزراء الإيطالي جيوزيبي كونتي أبدى تفاؤله بمشاركة حفتر بعدما زاره يوم الأحد في بنغازي لإقناعه بالتوجه إلى صقلية. ونقلت صحيفة "لاستامبا" اليومية الإيطالية عن كونتي قوله إنه "من الأهمية بمكان أن نغتنم هذه الفرصة لدعم وقف إطلاق النار، وتسهيل المناقشات لإدراك أصول أمنية جديدة في طرابلس وإظهار تصميم المجتمع الدولي على الحفاظ على إنشاء ونشر القوات المسلحة النظامية وقوات الأمن". وأكد على "أن هناك انسجاماً في المواقف مع فرنسا بشأن ليبيا". أما بالنسبة لروسيا، فإن "هدفنا الذي يشاطره المجتمع الدولي بأسره، هو ليبيا مستقرة، مع مؤسسات يختارها الشعب الليبي".

المساهمون