حراك وقف حرب اليمن: احتمالات الحكم الذاتي وماذا يشمل

02 نوفمبر 2018
ينتظر اليمنيون موعد وقف الحرب وانتهاء معاناتهم (محمد حمود/Getty)
+ الخط -
تتوالى ردود الفعل اليمنية، سواء الصادرة عن الحكومة الشرعية أو الحوثيين، المرحبة بالمهلة الأميركية، ذات الصيغة الملحة، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في اليمن وبدء مفاوضات للحل السياسي في غضون شهر، وإن كان لكلا الطرفين، الشرعية والحوثيين، وجهة نظرهما حول كيفية الوصول إلى الحل. في غضون ذلك، لا تزال التلميحات الأميركية بطرح فكرة "الحكم الذاتي" في سياق مقترحات التسوية لإنهاء الحرب المستمرة في اليمن منذ ما يقرب من أربع سنوات، تثير جدلاً واسعاً في الأوساط اليمنية، وسط تساؤلات عما إذا كانت الفكرة تعني تأييداً أميركياً لشرعنة الأمر الواقع الذي تفرضه جماعة أنصار الله (الحوثيين)، بالسيطرة على معظم مناطق شمال البلاد، بما فيها العاصمة صنعاء، أم أنها تقتصر على الحدود التقليدية لنفوذ الجماعة، بمحافظة صعدة، وما جاورها.

وفي أول رد فعل رسمي على المقترحات الأميركية، أعلنت الحكومة اليمنية، أمس الخميس، ترحيبها بالجهود المبذولة لإحلال السلام في البلاد. واعتبرت في بيان أصدرته، أن التصريحات الدولية التي تحث على أهمية دفع الجهود للوصول إلى حل سياسي وفقاً لـ"المرجعيات الثلاث"، تنسجم مع رغبة القيادة السياسية اليمنية. وأكدت الحكومة دعمها لجهود المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، بعد يوم من إعلان الأخير أنه يواصل الجهود لجمع الأطراف اليمنية على طاولة مفاوضات في غضون شهر.

وأشارت الحكومة اليمنية إلى أنها على استعداد فوري لبحث كافة الإجراءات المتصلة بـ"بناء الثقة". وقالت إن "أبرزها إطلاق سراح جميع المعتقلين والأسرى والمختطفين والمخفيين قسرا، وتعزيز قدرات البنك المركزي اليمني الذي يحظى باعتراف دولي"، وكذا "إلزام الحوثيين بتحويل إيرادات الدولة في مناطق سيطرتهم إلى البنك المركزي لتمكينه من إحكام السيطرة على الوضع المالي والاقتصادي ودفع مرتبات العاملين في الخدمة المدنية".
وتشمل إجراءات بناء الثقة، وفقاً للبيان الحكومي، فتح المطارات وفق خطوات وإجراءات مزمنة تكفل ضمان السلامة وتمكين الأمم المتحدة من الرقابة على ميناء الحديدة، لضمان عدم خرق بنود القرارات الدولية ذات الصلة والمتعلقة، بالإضافة إلى منع "وصول الأسلحة والصواريخ البالستية المهربة من إيران للمليشيات الحوثية"، حسب البيان.
وشدد موقف الحكومة اليمنية على مرجعيات الحل السياسي الثلاث المتفق عليها، وعلى أن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ومسودة الدستور اليمني الجديد قد "حددت بصورة واضحة شكل الدولة الجديدة التي توافق عليها اليمنيون، وهي الدولة الاتحادية البعيدة عن المركزية وفق مبادئ العدالة والمواطنة المتساوية والحكم الرشيد".
وفي تعليق ضمني على طرح وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، فكرة الحكم الذاتي، قالت الحكومة اليمنية إن أي "حديث عن شكل الدولة اليمنية يجب أن ينسجم مع مخرجات مؤتمر الحوار الوطني". وأضاف البيان "فهمنا لبعض التصريحات التي صدرت هو في ذلك السياق، وفِي الإطار نفسه الذي أقرته المرجعيات المتفق عليها وليس غير ذلك"، في إشارة إلى أن الدعوة الأميركية للحكم الذاتي، وفقاً للتفسير الحكومي، تقوم على أساس التقسيم الفيدرالي المقر في مؤتمر الحوار، بتحويل البلاد إلى دولة اتحادية مؤلفة من ستة أقاليم.
وكانت مصادر سياسية قريبة من الشرعية قد تحدثت لـ"العربي الجديد"، عن هذه التلميحات الأميركية بشأن الحكم الذاتي بوصفها "تحولاً خطيراً" في مسار المقترحات المطروحة للتسوية السياسية، تنقل قاعدة الحديث عن الحل من "مبدأ وحدة البلاد واستعادة المؤسسات الحكومية وغيرها من مضامين مراجع المرحلة الانتقالية"، إلى التقسيم وفقاً لاعتبارات مناطقية وطائفية مرفوضة شعبياً ورسمياً.

من جهته، تجاهل القيادي البارز في الجماعة، محمد علي الحوثي، الذي يترأس ما يعرف باللجنة الثورية العليا، في تصريحات نقلتها شبكة "المسيرة" التابعة للحوثيين، التعليق على مقترح الحكم الذاتي، وإن كان عضو المكتب السياسي للحوثيين عبدالملك العجري، قد اعتبر قبل أيام أن "حديث ماتيس عن مناطق حكم ذاتي يكشف عن نواياهم التفتيتية"، مؤكداً أنها "مرفوضة من كل القوى الوطنية، ولا تمثل رؤية أنصار الله ولا غيرهم من القوى السياسية". في المقابل، دعا الحوثي أولئك الذين يحثون على وقف إطلاق النار إلى "ترجمة رغبتهم في إحلال السلام في اليمن إلى عمل" و"وقف قصف اليمنيين على الفور ورفع الحصار عن اليمن". وطالب الحوثي بتشكيل لجان تحقيق دولية للتحقيق في جرائم ما يصفه المتمردون بـ"العدوان الأميركي السعودي".

من جهته، قال عضو المجلس السياسي الأعلى الذي يديره الحوثيون، سلطان السامعي، إنه "من الضروري وقف الحرب وأعمال العدوان، أولا وقبل كل شيء، من الدول المعتدية التي تدعمها الولايات المتحدة الأميركية". وقال السامعي إنه في حين أن الحرب يجب أن تنتهي، فإن المتمردين لن يدعموا سوى "السلام الذي سيحافظ على استقلالنا".


في غضون ذلك، تباينت التعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي بشأن مقترح الحكم الذاتي على وجه خاص، بين اعتبار الدعوة إلى وقف الحرب تحولاً إيجابياً بحد ذاته، لا يجب أن يتوقف عند التفاصيل، وبين عدد غير قليل من الآراء التي اعتبرت الدعوة الأميركية للحكم الذاتي قضية على درجة من الخطورة. وبحسب هؤلاء، فإن الدعوة من شأنها أن تؤسس لشرعنة التقسيم الذي بات أمراً واقعاً تفرضه قوة السلاح وخارطة الحرب. كما رأوا أنها تحقق رغبات الحوثيين، وإن كانوا لن يتجرأوا على الاعتراف بالأمر، على اعتبار أن الفكرة قد تكون أقصى ما يمكن تحقيقه بالنسبة لجماعة تنطلق من خلفيات مذهبية ومناطقية، لا تتفق مع الغالبية من اليمنيين، وتحكم سيطرتها على مناطق واسعة في البلاد.

وفي أول تعليق من مسؤول حزبي رفيع، اعتبر الأمين العام المساعد لحزب المؤتمر الشعبي العام، وزير الخارجية الأسبق، أبوبكر القربي، في تغريدة على حسابه الشخصي في تويتر، أن "الجديد في دعوة ماتيس لوقف الحرب وبدء المفاوضات (يتمثل في) فكرة الحكم الذاتي التي لن تحل جوهر الصراع يمنياً أو إقليمياً وربما تعقده". وأضاف "لذلك لننتظر مشروع المبعوث الأممي مارتن غريفيث لتتضح صورة المخطط وأهدافه، فالسلام لن يتحقق إلا باستعادة سيادة الدولة كاملة ونزع سلاح كافة المليشيات في إطار حل شامل وعادل لكافة المكونات".
وكان التلميح الأميركي حول الحكم الذاتي قد تردد في الأساس على لسان وزير الدفاع جيمس ماتيس، خلال مؤتمر البحرين الأمني، الأسبوع الماضي، إذ تحدث عن معالم تسوية تنهي الحرب في اليمن، وتتمحور حول إيجاد مناطق عازلة في الحدود مع السعودية تراعي مخاوف الرياض، ومنح الحكم شبه الذاتي للجماعة. وبدا لافتاً أن الشق الأخير لم يتكرر حرفياً في بياني ماتيس وبومبيو يوم الثلاثاء الماضي، أو حتى في حديث وزارة الخارجية، أول من أمس الأربعاء، إذ أعادت التأكيد على أنه حان الوقت لوقف الأعمال القتالية في اليمن، وجلوس كلا الجانبين على مائدة التفاوض، مؤكدة أن واشنطن تعتقد بأن المناخ مناسب للمضي قدماً في محادثات السلام لإنهاء حرب اليمن.
مع ذلك، لم تقدم التصريحات الأميركية المتلاحقة ما يدل على توجه الخطة بعيداً عن طرح الحكم الذاتي، إذ أغفلت كل ما من شأنه الحديث عن انسحابات مطلوبة للحوثيين من العاصمة صنعاء، على سبيل المثال، والتركيز فقط على المناطق الحدودية.
وفي السياق، برزت التساؤلات حول حدود وطبيعة الحكم الذاتي الذي طرحه الأميركيون، وأتبعوه بمواقف صارمة تنادي بوقف الحرب. ويحكم الحوثيون السيطرة عملياً على غالبية محافظات شمال ووسط البلاد. والحديث عن منح الجماعة حكماً ذاتياً يثير تساؤلاً عما إذا كان القصد من ذلك محصوراً في مناطق نفوذها التقليدية، أي في محافظة صعدة وما جاورها، أم أنه يشمل المناطق الخاضعة لسيطرتها، بما فيها العاصمة صنعاء.
وإذا كان اليمن، في الواقع، يُحكم حالياً من قبل سلطات متعددة، فشلت أي منها بتحقيق تقدمٍ ميداني نوعي، فإن المضي بهذا المقترح من الممكن أن يغير موازين السيطرة في البلاد. ويتحكم الحوثيون بمحافظات الشمال والغرب التي تتركز فيها الكثافة السكانية، باستثناء مأرب وأجزاء من الحديدة وتعز والجوف. والحديث عن حكم ذاتي يسمح للجماعة بالبقاء في هذه المحطات، ما يعني أن الحرب ستنتهي بسيطرة كبرى للحوثيين على الجزء الأكثر حيوية من اليمن، وعاصمة البلاد، وهذا ما سيواجه برفض من غالبية الأطراف اليمنية، التي وإن أقرت بحق الحوثيين في أن يكون لهم دورهم وتمثيلهم السياسي، إلا أن مثل هذا الطرح يجعلهم الورثة الفعليين لليمن المجزأ بعد الحرب الكبرى في تاريخه.
إلى جانب ذلك، يأتي التفسير الآخر للتلميحات الأميركية، بحيث تبدو كما لو أنها تعطي الجماعة حافزاً يدفعها للقبول بالتسوية، بحصر مناطق الحكم الذاتي في مناطق نفوذها التقليدية (صعدة ومحيطها شمال صنعاء)، أو بما يشمل ما يُسمى بـ"إقليم آزال"، الذي يضم صنعاء وصعدة وعمران وذمار، حسب التقسيم الفيدرالي المقترح للبلاد، بناءً على مقررات مؤتمر الحوار الوطني (المنعقد بين مارس/ آذار 2013 ويناير/ كانون الثاني 2014)، مع بقاء الوضع المتصل بصنعاء العاصمة، قضية مركزية، يمثل التنازل عنها للحوثيين أو لأي جماعة أو حزب، قضية لها وضعها الخاص.

ومن المتوقع أن يتمسك الحوثيون بمناطق سيطرتهم كنطاق للحكم الذاتي، وإن أعلنوا رفضهم إعلامياً للمقترح، على اعتبار أن القبول العلني به يحسب عليهم كتماهٍ مفضوح مع تقسيم البلاد. وفي ظل الرفض المتوقع من الغالبية اليمنية، تبرز التساؤلات حول مواقف الأطراف الإقليمية الفاعلة أو المتورطة في الصراع، وتحديداً السعودية والإمارات (عمودا التحالف)، واللتين تشجعان تقسيم البلاد بخطوات وسياسات واضحة منذ سنوات، ساهمت بإضعاف الشرعية. وعملت الرياض وأبوظبي على بسط النفوذ في المناطق النفطية والساحلية، وتحويل المدن ذات الأولوية بالنسبة لليمنيين، إلى جبهات حرب استنزافية وتجمعات لأعداد كبيرة من الفقراء والمنكوبين، بما في ذلك العاصمة صنعاء.
وبالنسبة للسعودية، على وجه التحديد، وإن كانت ترى في تقسيم اليمن استراتيجية لطالما سعت إليها منذ عقود، إلا أن الإقرار بمنح الحكم الذاتي للحوثيين، إذا ما تم، فإنه يعني القبول بكيان عسكري للحوثيين، سواء كان محصوراً في المحافظات القريبة من الحدود (صعدة ومحيطها)، أو مناطق شمال اليمن بشكل عام. ومن الواضح أن موقف التحالف السعودي الإماراتي بات أضعف، سواء بعد الفشل في تحقيق انتصار محوري على مدى سنوات أو نتيجة للتطورات الإقليمية الأخيرة، بما فيها وضع السلطات السعودية، بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي، بانتظار اتضاح كامل تفاصيل المقترح الأميركي لفهم ما يسعى إليه الأميركيون، خصوصاً في ما يتعلق بـ"الحكم الذاتي".

دلالات
المساهمون