"العربي الجديد" في إدلب: صراع الفصائل وترقب لخرائط أستانة

28 يونيو 2017
مخاوف لدى الأهالي على مصير منطقتهم(عمر حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
يعيش أهالي محافظة إدلب السورية حالة من الترقب الحذر لما ستؤول إليه الأوضاع في منطقتهم، في ظل الحديث عن احتمال دخول قوات تركية إلى المحافظة في إطار اتفاق تخفيف التصعيد الذي ترعاه كل من روسيا وتركيا وإيران، مقابل توجّس من رد فعل "هيئة تحرير الشام"، التي سارعت لإعلان عدم التزامها بمقررات مؤتمرات أستانة، وما نتج عنها. وتشهد المحافظة صراعاً غير معلن بين حركة "أحرار الشام" و"هيئة تحرير الشام"، مع محاولة كل فصيل تحقيق مكاسب إضافية لصالحه، فيما تسود في صفوف المواطنين حالة واسعة من فقدان الثقة بالفصائل التي تسيطر على المنطقة، والتي تسعى لتحقيق مصالحها.

ويجري الحديث عن تطبيق اتفاق تخفيف التصعيد ضمن ثلاثة سيناريوهات، الأول هو إدخال قوات تركية إلى مناطق المحافظة والإشراف على إدارة شؤونها العسكرية والخدمية على غرار التواجد التركي ضمن مناطق غرفة عمليات "درع الفرات"، وبالتالي الإشراف المباشر على إدارة تلك المناطق بالإضافة إلى مراقبة خطوط الاشتباك التي ستتواجد قوات روسية على الجانب الآخر منها. أما السيناريو الثاني فيقوم على تواجد قوات تركية روسية على خطوط الاشتباك فقط، تكون مهمتها فقط مراقبة وقف إطلاق النار، فيما يقضي السيناريو الثالث بأن يتم تشكيل غرف مراقبة من الخارج في كل من أنقرة وموسكو لمراقبة وقف إطلاق النار عن بُعد، والتدخّل عند اللزوم في حال الاشكاليات التي تستدعي التدخّل.

ولم تتأخر "هيئة تحرير الشام"، لتعلن في بيان ليل الأحد-الإثنين، أنها لم تكن جزءاً ولا طرفاً مشاركاً أو موافقاً على مؤتمرات أستانة منذ بداية انعقادها وحتى الآن، وعليه فإنها غير ملتزمة بما ينص عليه الاتفاق، من دخول قوات تركية إلى الشمال السوري. وأوضحت الهيئة في بيانها الذي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، تعليقاً على تصريحات المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، حول دخول قوات تركية إلى إدلب، أنها "لا ترضى أي تدخّل خارجي، يقسم البلاد لمناطق نفوذ تتقاسمها الدول، أو أن تتحول لساحة جلب مصالح من طرف واحد على حساب الشعب، ثم تسلم على طبق من ذهب لنظام الأسد".
وأضاف البيان أن "الهيئة لن تقبل كذلك بتسليم الغوطة الشرقية ودرعا وريف حمص الشمالي وغيرها من المناطق المحررة في الجنوب للقوات الروسية والإيرانية". كما أشار إلى أنّ "الدول الراعية والضامنة لمؤتمرات جنيف وأستانة، أعطت الفرصة لنظام الأسد بأن يتفرغ للمناطق الواحدة تلو الأخرى، فيجمّد سلاح الثورة والجهاد، وتطلق بندقية التهجير والتوسع لصالح النظام، وهذا ما يتم الآن من تجميد منطقة إدلب وما حولها في سبيل تفرغ نظام الأسد لتهجير الغوطة ودرعا، وتوسيع سيطرته في المناطق الشرقية باتجاه دير الزور".

فقدان الثقة
على المستوى الشعبي تعيش مناطق محافظة إدلب حالة من فقدان الثقة بالفصائل التي تسيطر على المنطقة، أي حركة "أحرار الشام" التي تضم ائتلاف مجموعة من الفصائل المسلحة، و"هيئة تحرير الشام" المشكّلة من "جبهة فتح الشام" (النصرة سابقاً)، وفصائل أخرى. ويسود رأي عام أن تلك الفصائل لم يعد يهمها سوى كسب رضا الدول الداعمة لها، وتحقيق مكاسب مادية من خلال الاستثمار في تلك المناطق، أو من خلال استغلال سلطتها العسكرية للتدخّل في شؤون المدنيين، والاستثمار في بيع الخدمات لهم. ونشب أخيراً خلاف بين "أحرار الشام" و"هيئة تحرير الشام" حول اتفاق عرضه النظام السوري على الهيئة لتغذية المحافظة بالكهرباء، تسبّب بتفجير بعض محطات التحويل وتعطيل المشروع وقطع الكهرباء، بسبب الخلاف على السعر الذي سيتقاضاه كل فصيل من المواطنين، أو من المؤسسات الخدمية في المحافظة.

وشهدت مناطق عدة في محافظة إدلب منذ مدة حركات احتجاجية طالبت كل الفصائل بـ"التوحّد أو الرحيل". ومما زاد حالة التوتر لدى السكان خلال اليومين الماضيين، التفجيرات التي تشهدها بعض مناطق المحافظة، خصوصاً مناطق الاستقرار النسبي التي تشهد اكتظاظاً سكانياً كبيراً كمدينتي إدلب والدانا، اللتين شهدتا تفجيرات عدة استهدفت الأسواق في فترة اكتظاظها بالمدنيين. وتشير أصابع الاتهام في تلك التفجيرات التي لم تتبناها أية جهة، إلى النظام الذي يبدو أنه يسعى لنشر حالة من الفوضى قبيل دخول القوات الدولية الضامنة لاتفاق التهدئة.


ومن خلال جولات ميدانية لـ"العربي الجديد" على العديد من مناطق المحافظة، لاحظت وجود توجّه عام لدى السكان بضرورة توحّد كل الفصائل ضمن جيش وطني. كما يُلاحظ حتى ضمن عناصر الفصائل المسلحة، تراجع كبير في التشدد تجاه فصيل معين كما كان سابقاً، وهناك هامش كبير متروك للنقد، إلا أن معظم الأحاديث العامة بين المواطنين غالباً ما تدور كسجالات حول أداء وأخطاء الفصيلين الرئيسيين. كما لاقى قرار حركة "أحرار الشام" رفع علم الثورة على مقراتها حالة من الارتياح لدى غالبية المواطنين في تلك المناطق، فيما وجد فيه مؤيدو "تحرير الشام" مبرراً للهجوم على الحركة كمؤشر لتخلي الحركة عن مبادئها لصالح الرضوخ للمتطلبات الدولية.

صراع غير معلن
أما على مستوى الفصائل، فتسود حالة صراع غير معلن بين "أحرار الشام" و"هيئة تحرير الشام"، يحاول من خلاله كل فصيل كسب الحاضنة الشعبية وتحقيق أكبر قدر من المكاسب قبيل الاستحقاقات الدولية المقبلة. فحركة "أحرار الشام" بدأت عملها كتنظيم جهادي سلفي، بالتزامن مع ظهور تنظيم "جبهة النصرة" في العام 2012، وظهر التنظيمان كإخوة منهج، إلا أن الحركة بدأت بالتحوّل من تنظيم جهادي سلفي إلى حركة إسلامية معتدلة مع توجّهات بدأت تقارب أهداف الثورة السورية، وإن كان لها صبغة إسلامية.

وبدأ تحوّل حركة "أحرار الشام" الفعلي نحو التخلي عن الجهادية السلفية، منذ توقيعها على ميثاق الشرف الثوري عام 2014، وبدأت الحركة تصدر خطاباً أكثر اعتدالاً إلى أن وضعت شعار "ثورة شعب" على راياتها بعد نحو عام من توقيعها على ميثاق الشرف، لتتبنى قبيل عيد الفطر الحالي علم الثورة كراية لها رفعتها على كل مقراتها مع إبداء استعدادها للدخول أكثر ضمن العملية السياسية وتصدير نفسها للمجتمع الدولي كقوة معتدلة قادرة على أخذ دور ضمن الحل السياسي في سورية المستقبل.

وينافس حركة "أحرار الشام" في محافظة إدلب، "هيئة تحرير الشام" التي تشكّلت عبر توحّد مجموعة فصائل ايديولوجياتها متباينة، على رأسها تنظيم "فتح الشام" (النصرة سابقاً) وبعض فصائل الجيش الحر والفصائل الإسلامية. وجاء تشكيل الهيئة على خلفية الضغط الدولي على "جبهة النصرة" وتصنيفها كتنظيم إرهابي مستهدف من العمليات التي يقوم بها التحالف الدولي، ومستثنى من الهدن التي تُعقد في سورية، والتي ظلت كذلك حتى بعد فك ارتباطها بتنظيم "القاعدة" وتغيير اسمها إلى "جبهة فتح الشام". واستغلت "النصرة" المزاج الشعبي المطالب بتوحد الفصائل ودعت إلى اتحاد كل الفصائل تحت اسم "هيئة تحرير الشام"، واستطاعت استقطاب تيار كامل من حركة "أحرار الشام" بقيادة القائد العام السابق للحركة أبو جابر مسكنة، وضمه لهذا التكتل الجديد، وسلّمته قيادته، فيما احتفظ قائد "النصرة" أبو محمد الجولاني بقيادته العسكرية.

ومنذ تشكيل "هيئة تحرير الشام" ونجاحها بجذب قسم من "أحرار الشام"، بدأ الصراع بين الفصيلين ضمن محافظة إدلب. واستغلت الهيئة موضوع توحّد الفصائل لتُصوّر "أحرار الشام" على أنها هي من ترفض توحّد الفصائل، فيما اتهمت "أحرار الشام" الهيئة بأنها تسعى لوسم قسم من المعارضة بالإرهاب بسبب قيادة "النصرة" العسكرية للتشكيل الجديد. كما اتهمت الحركة في الكواليس، "جبهة النصرة" بأنها أغرت قائد "أحرار الشام" السابق بمنصب صُوري هو رئاسة الهيئة فيما يتم تسييره من قِبل الجولاني. وتعمل الهيئة والحركة على تأمين موارد ذاتية من خلال استثمار المعابر التجارية مع دول الجوار والمعابر مع مناطق النظام ومناطق تنظيم "داعش"، والتي تؤمن لهما مبالغ كبيرة من خلال فرض ضرائب على البضائع التي تعبر بين تلك المناطق. كما تعملان على استثمار المؤسسات الخدمية من خلال محاولة كل فصيل وضع يده على إدارة تلك الخدمات أو من خلال استثمار تلك الخدمات وبيعها للمواطنين، كالكهرباء والصرافة.

المساهمون