كير ستارمر... نحو رئاسة وزراء بريطانيا بتغيير وجه "العمال"

03 يوليو 2024
ستارمر خلال فعالية انتخابية في لندن، يونيو الماضي (أليشيا أبوداندي/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- كير ستارمر، زعيم حزب العمال البريطاني، يسعى لقيادة الحزب نحو الوسط ويواجه أول تجربة انتخابية كزعيم مع توقعات بفوز حزبه في الانتخابات المقبلة، في ظل تراجع شعبية المحافظين.
- بدأ مسيرته كمحامي حقوق الإنسان، دافع عن السجناء ونشطاء ضد ماكدونالدز، وانخرط في السياسة عام 2015، وتولى زعامة حزب العمال بعد الهزيمة في 2019، متعهدًا بقيادته نحو عصر جديد.
- خلال قيادته، ركز على استعادة الناخبين وتعديل وعود انتخابية مثل إلغاء الرسوم الدراسية، وواجه انتقادات واستقالات داخل الحزب بسبب مواقفه من قضايا مثل الإبادة الجماعية في غزة والهجرة.

كثيراً ما يصف زعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر (61 عاماً) نفسه بأنه من خلفية "الطبقة العاملة"، إذ لم يتردد في تكرار هذه الجملة خلال الحملة الانتخابيّة في انتخابات مجلس العموم البريطاني الحالية. لكن ستارمر الذي بدأ حياته المهنيّة بتوجهات أكثر يسارية، عمل على أخذ حزبه نحو الوسط ضمن سباقه نحو رئاسة الوزراء، في الوقت الذي يخوض فيه أول تجربة انتخابات له زعيماً لحزب العمال مع ترجيح معظم استطلاعات الرأي فوزه في انتخابات الرابع من يوليو/تموز.

قبل إغلاق البرلمان لإجراء الانتخابات، كان لحزب العمال 205 نواب، ومن أجل الفوز بأغلبية مطلقة، سيحتاج الحزب إلى الفوز بـ326 مقعداً. ورغم أن استطلاعات الرأي جميعها تعطي تفوقاً لحزب العمال غداً الخميس وتقدّماً بحوالي 20 نقطة على المحافظين، لا يتعامل ستارمر مع هذه الاستطلاعات على أنها حقيقة إلا عند تحققها بحسب تعبير ستارمر، إذ يسعى "العمال" إلى تحقيق أكبر عدد ممكن من المقاعد مستغلاً هذه اللحظة التاريخيّة لانهيار شعبيّة المحافظين بعد 14 عاماً لهم في الحكم.

كير ستارمر... انخراط متأخر في السياسة

بعد إنهاء دراسته للقانون في جامعة ليدز ولاحقاً في جامعة أكسفورد، أصبح كير ستارمر عام 1987 محامياً متخصصاً في قانون حقوق الإنسان، الأمر الذي أخذه للعمل في منطقة بحر الكاريبي وأفريقيا، حيث دافع عن السجناء الذين يواجهون عقوبة الإعدام. في أواخر سنوات التسعينيات، ترافع مجاناً عن نشطاء ما عُرف في حينه بـ"ماك ليبل" الذين لاحقتهم شركة ماكدونالدز لتوزيع منشورات تشكك في المزاعم البيئيّة لعملاق الوجبات السريعة.

رغم أن له بعض المحطات في حياته تتعلق بالعمل والمواقف السياسية، إلا أن حياته السياسية ليست زاخرة بخلاف قادة أحزاب آخرين في بريطانيا، وهو أحد الانتقادات الأكثر شيوعاً له من خصومه وأحياناً من حلفائه. لكن من هذه المحطات أنه ساعد في تحرير مجلة "البدائل الاشتراكيّة" خلال أيام الجامعة وهي مجلّة تروتسكيّة. كما قدّم حججاً قانونية ضد مشاركة حكومة توني بلير بغزو العراق عام 2003. لكن صورة "اليساري" تغيّرت بعد أن أصبح مستشاراً لرابطة كبار ضبّاط الشرطة ومجلس الشرطة في أيرلندا الشمالية الذي تم تشكيله عام 2008، وتعيينه مديراً للنيابة العامة، وهو أعلى مدّع عام جنائي في إنكلترا وويلز، وهو جانب يذكره خلال حملته الانتخابيّة عن ماضيه معتبراً أن تلك الفترة ساهمت في اطّلاعه على ما يحصل من قضايا ومشاكل داخل المجتمع البريطاني عن كثب، وحاز بسببها على وسام الفروسيّة. فقط في عام 2015، انخرط بشكل مباشر بالسياسة بعد أن أصبح نائباً في البرلمان عن منطقة هولبورن وسانت بانكراس في شمال لندن.

انخرط ستارمر عام 2015 بشكل مباشر بالسياسة بعد أن أصبح نائباً في البرلمان

خدم كير ستارمر في الفريق الأمامي لزعيم حزب العمال السابق جيريمي كوربن، وزيرَ ظل لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقال إنه ينبغي النظر في إجراء استفتاء ثانٍ على خروج بريطانيا من الاتحاد. كان من المناصرين لكوربن إلا أنّه انقلب عليه لاحقاً وعمل على طرده من الحزب. بعد الهزيمة الفادحة لحزب العمال في الانتخابات العامّة لعام 2019، ترشّح ستارمر لمنصب زعيم الحزب، وهي المنافسة التي فاز بها في إبريل/نيسان 2020، مقدماً وعوده لرفاقه بأخذ حزب العمال إلى "عصر جديد بثقة وأمل".

في السنوات الأولى من قيادته، عمل كير ستارمر على تعزيز معدلات شعبيّة حزبه الضعيفة في استطلاعات الرأي. أدت الخسارة المذلة في الانتخابات الفرعية في هارتلبول في عام 2021 إلى التركيز الجديد على استعادة الناخبين فيما يسمى بالجدار الأحمر، وهو المصطلح الذي يصف الدوائر الانتخابية في شمال إنكلترا وميدلاندز، التي كانت ذات يوم جزءاً من التصويت الأساسي لحزب العمال، لكن فاز بها نواب حزب المحافظين في انتخابات عام 2019 (اللون الأحمر هو لون حزب العمال الرسمي). أدت إعادة التفكير في السياسة إلى تخلي ستارمر عن تعهداته بإلغاء الرسوم الدراسية الجامعيّة وتأميم شركات الطاقة والمياه، فيما اتهمه البعض من يسار حزبه بخيانة الوفاء بالوعود.

تمكّن الحزب تحت قيادته من تحقيق نجاحات لاحقاً في انتخابات الإعادة في بعض المناطق والتي كانت محسوبة على المحافظين، الأمر الذي حفّز من عملية العودة إلى الشارع والسلطة في الوقت الذي كانت تنهار فيه حكومات المحافظين منذ أيام حكومة بوريس جونسون، وتتكشّف فضائح عديدة أفضت إلى انحدار شعبيّة حزب المحافظين بشكل كبير وغير مسبوق، مما دفع رئيس الحكومة الحالي ريشي سوناك للإعلان بشكل مفاجئ عن موعد جديد لانتخابات مجلس العموم البريطاني لوقف هذا الانحدار.

انحياز لإسرائيل وتخلٍ عن اليساريين

ويخوض حزب العمال بقيادة كير ستارمر هذه الانتخابات، ببرنامج انتخابي "قريب من الواقع وغير خيالي" كما يردد ستارمر في أكثر من مناسبة. تشمل بعض التعهدات التي قدّمها "العمال" خفض قوائم انتظار هيئة الخدمات الصحية الوطنية من خلال توفير 40 ألف موعد إضافي كل أسبوع، بتمويل من معالجة التهرب الضريبي وإغلاق "الثغرات" الضريبية. أما في قضية الهجرة واللجوء والتي تسيطر على النقاش الدائر في هذه الانتخابات، فتعهد ستارمر بإطلاق "قيادة لأمن الحدود" لمنع عصابات تهريب البشر من ترتيب عبور القوارب الصغيرة. كما تعهد ببناء 1.5 مليون منزل جديد من خلال إصلاح قوانين التخطيط وإدخال مخطط لمنح المشترين لأول مرة "أول دفعة" في مشاريع الإسكان الجديدة، ودعم التعليم من خلال توظيف 6500 معلم، يتم دفع رواتبهم من خلال إنهاء الإعفاءات الضريبية للمدارس الخاصة.

خلال الحملة الانتخابية، تخلى عن عدد من النواب من حزبه المحسوبين على التيار اليساري، ومنع ترشّحهم عن حزب العمال خلال هذه الانتخابات، مثل النائبة المسلمة فايزة شاهين والنائبة السوداء ديان أبوت، استكمالاً منه لنقل الحزب نحو الوسط والتخلص من الشخصيات اليسارية المعروفة.

تخلى ستارمر عن عدد من النواب من حزبه المحسوبين على التيار اليساري ومنع ترشحهم عن "العمال"

تعرّض كير ستارمر لحملة انتقادات واسعة من داخل حزبه وخارجه بسبب موقف "العمال" بقيادته من الإبادة الجماعية في قطاع غزة، إذ رفض في الأشهر الأولى للحرب تبنّي موقف وقف إطلاق النار، ورفض التصويت على ذلك، فيما استقال عشرة نواب من الحزب بسبب ذلك الموقف، إضافة إلى موجة استقالات على صعيد الأعضاء العاديين والنواب في المجالس المحلية.

كانت له تصريحات صحافية برر فيها قطع الماء والغذاء عن قطاع غزة، تراجع عنها لاحقاً، فيما كان يؤكد دائماً ما يسمى "حق إسرائيل في الدفاع عنها". وفقط خلال شهر فبراير/شباط الماضي، تبنّى موقف وقف إطلاق النار. أدت هذه المواقف لحزب العمال بقيادته إلى ترشّح العديد من المرشحين المستقلين في هذه الانتخابات بعدما كانوا محسوبين على حزب العمال، خصوصاً بين الجاليات المسلمة التي يعمل الناشطون من أبنائها على معاقبة "العمال" وكير ستارمر في هذه الانتخابات.أخيراً، تراجع عن موقف بيان الحزب الرسمي بالاعتراف بالدولة الفلسطينيّة في حال فوزه، والتأكيد أن ذلك يجب أن يحصل ضمن "عملية" تقود إلى حل الدولتين.