حظر الأجهزة الإلكترونية على الطائرات:حماية أمنية أم حمائية ترامب؟

23 مارس 2017
مسافرة سورية تستخدم حاسوبها المحمول ببيروت أمس(أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -
بعد ساعات قليلة من قرار الولايات المتحدة الأميركية حظر حمل الحواسيب والأجهزة اللوحية والهواتف الذكية على متن الطائرات مع الركاب الآتين من عشرة مطارات في مدن مركزية في الشرق الأوسط وأفريقيا، وهي القاهرة ودبي وأبوظبي وإسطنبول والدوحة وعمّان والكويت والدار البيضاء وجدة والرياض، أصدرت بريطانيا قراراً مماثلاً ليشمل حظرها تركيا ولبنان والأردن ومصر وتونس والسعودية، مع توقعات أن تصدر قرارات مماثلة عن دول غربية أخرى مثل كندا وفرنسا. 


وفيما أشارت تقارير إعلامية أميركية وبريطانية إلى أن قرارات الحظر جاءت بناءً على معلومات "موثوقة" تُفيد بأن تنظيمات متشددة، مثل تنظيم "القاعدة في شبه جزيرة العرب" وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وغيرها، تقوم بتطوير متفجرات يمكن إخفاؤها في الأجهزة الإلكترونية، أبدى عدد من الخبراء تشكيكهم في دقة الذريعة الأمنية، وسط معطيات تفيد بأن لقرار الحظر دوافع اقتصادية ترتبط بالمنافسة في سوق المواصلات الجوية، وأهداف تتعلق بإضعاف بعض شركات الطيران المنافسة للشركات الأميركية، لا سيما الشركات الخليجية.

وجاء في تقرير لصحيفة "الديلي تلغراف" تحت عنوان "خطر إرهابي جديد وراء منع الآيباد"، أن أجهزة الاستخبارات في واشنطن ولندن حصلت على "معلومات استخباراتية مهمة" بهذا الصدد، إثر غارة شنّتها قوة المهام الخاصة في البحرية الأميركية "نيفي سيل" في اليمن، في يناير/كانون الثاني الماضي، واستهدفت تنظيم "القاعدة" في شبه جزيرة العرب. وأضافت الصحيفة أن التقارير الاستخباراتية التي تابعت تلك العملية، أشارت إلى أن خبير صنع القنابل في التنظيم، إبراهيم العسيري، يحاول بناء قنابل مدمجة تحتوي على كمية قليلة من المعادن يمكن تهريبها على متن الطائرات في الرحلات الجوية. ويشير تقرير "الديلي تلغراف" إلى أن معلومات أخرى توفرت للأجهزة الأمنية بعد رصد أحاديث متزايدة في الأسابيع الأخيرة من مسلحين، تشير إلى زرع متفجرات وإخفائها في أجهزة كمبيوتر.

أما الجهات الرسمية، سواء في واشنطن أو لندن، فاكتفت ببيانات مُقتضبة. وزارة الأمن القومي الأميركية قالت في بيانها إن الحكومة الأميركية "تشعر بقلق إزاء اهتمام الإرهابيين المتواصل باستهداف الطائرات التجارية، بما في ذلك مراكز النقل خلال العامين الماضيين، كما يتضح من إسقاط طائرة في مصر عام 2015، ومحاولة إسقاط طائرة في الصومال عام 2016، والهجمات المسلحة على مطارات في بروكسل وإسطنبول عام 2016". وأضاف البيان أن "معلومات استخباراتية خضعت للتقييم، تشير إلى أن المجموعات الإرهابية تستمر في استهداف الطائرات التجارية، بما في ذلك تهريب الأجهزة المتفجرة في مختلف أصناف السلع الاستهلاكية"، وفق البيان. وتابعت الوزارة الأميركية أنه "استناداً إلى هذا الاتجاه، قررت إدارة أمن النقل والمواصلات، بالتشاور مع الوزارات والوكالات المعنية، أنه من الحكمة تحسين التدابير الأمنية، بحيث تشمل الإجراءات الأمنية في المطارات المتخذة بالنسبة للركاب في بعض المطارات التي تغادر منها الطائرات مباشرة إلى الولايات المتحدة". وذكرت أن "هذه التحسينات تشمل تدابير أشد صرامة تطبق على 10 مطارات محددة"، وفق ما ورد في بيان وزارة الأمن القومي الأميركي.

واكتفى مصدر حكومي في لندن بإعلان أن "بريطانيا مطلعة على نفس المصادر الاستخباراتية المتوفرة لدى الولايات المتحدة". وقال وزير المواصلات البريطاني، كريس غرايلينغ، إن بلده يواجه "تهديداً إرهابياً دائم التطور باستمرار ويجب الرد وفقاً لذلك"، بحسب تعبيره.

وأثار قرارا كل من واشنطن ولندن العديد من الأسئلة، لا سيما في ما يخص توقيتهما، وتزامنهما مع قرارات منع السفر التي حاول الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فرضها على مسافرين من أقطار عربية وإسلامية. وتساءل مراقبون في لندن عن حقيقية الأسباب التي دفعت واشنطن ولندن لفرض الحظر الآن. وثمة تساؤلات حول تباين مضمون قرار كل منهما. وفي حين طاول المنع الأميركي تسع شركات غير أميركية وهي: "الملكية الأردنية" و"مصر للطيران" و"الخطوط الجوية التركية" و"العربية السعودية" و"طيران الكويت" و"الخطوط الملكية المغربية" و"طيران قطر" و"الإماراتية" و"طيران الاتحاد"، طاول القرار البريطاني ست شركات بريطانية تشمل شركات منخفضة التكلفة، "بريتيش إيروايز" و"إيزي جيت" و"جيت تو دوت كوم" و"مونارك" و"توماس كوك" و"تومسون". ويؤثر القرار على ثماني ناقلات أجنبية تشمل "مصر للطيران" و"الملكية الأردنية" و"طيران تونس" و"الخطوط الجوية التركية".

التباين يُثير الشك
بالنظر إلى قائمة الشركات التي شملها القرار الأميركي، ومقارنتها بالشركات التي أدرجها قرار الحظر البريطاني، لفتت صحيفة "واشنطن بوست" إلى أن ثلاث شركات طيران خليجية وردت في القائمة الأميركية، هي "الاتحاد الإماراتية" و"طيران الإمارات" و"الخطوط القطرية"، لم يشملها الحظر البريطاني. ولم تجد الصحيفة الأميركية تفسيراً لذلك إلا بالنظر إلى "حرب المنافسة" التي تشنها منذ سنوات شركات طيران أميركية ضد الشركات الجوية الخليجية بسبب تلقي الأخيرة دعماً مالياً هائلاً من حكوماتها، ما يجعلها أقدر على منافسة نظيراتها الأميركية.
وبالنظر إلى توقيت القرار الأميركي، رأت "واشنطن بوست" أنه تزامن مع مخاوف عبّرت عنها شركات الطيران الخليجية، بأن ترامب، صاحب السياسة الحمائية، ينوي التدخل لصالح الشركات المحلية في بلاده.

وأكدت مجلة "فوربيس" ما ذهبت إليه "واشنطن بوست" بالإشارة إلى أن قرار ترامب بالحظر جاء بعد أيام من ضغوط مارستها دوائر صناعة الطيران الأميركية لتعديل اتفاقية الأجواء المفتوحة، والتي تسمح لخطوط الطيران الدولية بتسيير رحلات طيران مباشرة إلى الولايات المتحدة الأميركية. ونقلت المجلة عن الخبير في شؤون الطيران، برايان كيلي، إشارته إلى لقاء جمع الرئيس الأميركي مع المديرين التنفيذيين لشركات الطيران الأميركية الشهر الماضي، تعهّد خلاله بمساعدة الشركات المحلية في مواجهة شركات الطيران الأجنبية التي تتلقى إعانات من حكوماتها المحلية.

وأشارت "فوربس" إلى أنه خلال السنوات القليلة الماضية، بدأت شركات الطيران الأميركية الكبرى بقيادة "دلتا"، في تقديم طلبات للحكومة الأميركية بمنع ثلاث شركات من الشرق الأوسط هي (الخطوط الجوية القطرية، والاتحاد، والإمارات) من تسيير رحلات مباشرة إلى الولايات المتحدة.

ولم يستبعد الباحثان في العلوم السياسية، هنري فاريل، وأبراهام نيومان، أن يكون قرار حظر الأجهزة الإلكترونية على متن الطائرات المتوجّهة إلى الولايات المتحدة، جزءاً من أجندة "حمائية على نحو واسع" لترامب، كما قالا لصحيفة "واشنطن بوست". وتساءل الخبير في شؤون الطيران، برايان كيلي، عن معنى استهداف مطارات تستخدم أحدث التقنيات الأمنية في العالم، مثل مطارات "الدوحة ودبي وأبوظبي"، فيما قطر والإمارات حليفتان للولايات المتحدة في الحرب ضد الإرهاب، ويتم في المقابل "استثناء مطار لاغوس في نيجيريا" من قائمة الحظر، بحسب تعليقه.

تشكيك في الجدوى الأمنية
وشكك خبراء في "الجدوى الأمنية" للإجراءات الأميركية والبريطانية، ذلك أن الحظر لم يأت شاملاً لكل شركات الطيران والمطارات في العالم، ما يعني أن بإمكان "الإرهابيين المفترضين" التسلل من أحد المطارات التي لم يشملها الحظر، وتفادي الإجراءات الأمنية التي ستركز على المسافرين الآتين من الدول أو المطارات التي شملتها قرارات الحظر. كذلك شكك خبراء التكنولوجيا في قدرة الإجراءات الجديدة على تأمين سلامة الطائرات والمسافرين، إذ إن خطر وجود الأجهزة الإلكترونية "المُفخخة" يظل قائماً سواء كانت بين الأمتعة المحمولة في مقصورة المسافرين أو الأمتعة الموجودة في عنابر الشحن. وفي كلتا الحالتين هي موجودة على الطائرة. كذلك قال خبراء التكنولوجيا إن العديد من الهواتف الذكية، والتي لا ينطبق عليها الحظر، لديها نفس قدرات الأجهزة الكبيرة. وأثار بعض الخبراء، بمن فيهم خبراء إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية، مخاوف من وجود بطاريات "الليثيوم" المُستخدمة في الأجهزة المحظورة، في عنابر الشحن الخاصة بالطائرات، مع احتمال انفجارها، وفق رأي الخبراء.

ونقلت صحيفة "ذي تايمز" البريطانية عن الخبير المُتخصص بالأمن الجوي، جيفري برايس، قوله إن الإجراءات الجديدة سترفع من وتيرة حوادث السرقة التي تستهدف الأمتعة المنقولة في عنابر الشحن على الطائرات، كما أن إجراءات الحظر ستضر برجال الأعمال بعد منعهم من متابعة أعمالهم على متن الطائرات، وربما لساعات طويلة.

الأجهزة الممنوعة
وبحسب القرار البريطاني، يشمل الحظر: الهواتف والحواسيب المحمولة والأجهزة اللوحية الأكبر من الهاتف الذكي العادي. كذلك أشارت بريطانيا إلى أن الأجهزة التي يشملها الحظر تضم تلك التي يبلغ طولها أكثر من 16 سنتيمتراً وعرضها أكثر من 9.3 سنتمرات وسماكتها أكثر من 1.5 سنتمرات (6.3 و3.7 إنشات). أما حظر الولايات المتحدة فينطبق على جميع الأجهزة الأكبر من الهاتف المحمول العادي الحجم مثل: الكمبيوتر المحمول، الأجهزة اللوحية، آلات التصوير، مشغلات أسطوانات الفيديو الرقمية المحمولة، أجهزة الكمبيوتر الشخصي.

يشار إلى أن السلطات الأميركية أمهلت شركات الطيران المعنية مهلة 96 ساعة بدأت الساعة الثالثة صباحاً من يوم الثلاثاء الماضي لإبلاغ المسافرين بالإجراءات الجديدة. ولا يملك المسؤولون إجابة عن موعد انتهاء القرار. من جهتها، منحت بريطانيا، شركات الطيران، حتى يوم السبت المقبل للبدء في تنفيذ الحظر.

المساهمون