سرق اعتداء اللوفر، أمس الجمعة، الأضواء في فرنسا والعالم، مع تمكن الشرطة الفرنسية المكلفة حماية أكثر متاحف العالم استقبالاً للسياح من إنهاء الهجوم بسرعة قياسية، ومهنية عالية. كذلك تمكنت من إصابة المهاجم بجروح خطيرة، مقابل جروح طفيفة أصابت أحد الجنود في رأسه، والذي سرعان ما عاد لمزاولة عمله.
الفرنسيون اعتادوا سماع أخبار الهجمات والاعتداءات، وكذلك خطابات السياسيين التي تؤكد أن الخطر الإرهابي لا يزال قائما، ويتطلب الحذر والاستعداد لمواجهته.
وعلى الرغم من فشل محاولة الاعتداء، إلا أن تعليقات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وبعض النواب الفرنسيين، من حاملي الجنسية الإسرائيلية، كانت أكثر إثارة؛ فتحدث الأول بلغة بعيدة عن الدبلوماسية ودون انتظار نتائج التحقيق والقضاء، عن اعتداء نفذه "إرهابي إسلامي راديكالي"، في حين كتب النائب عن فرنسيي الخارج مايير حبيب، وهو مقرب من خط رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، معلّقا: "اعتداء اللوفر، التحية لقواتنا على تحييد الجهادي. هل يتعلق الأمر بانتفاضة السكاكين في فرنسا؟ وهل اللوفر مستوطنة؟".
وهو تصريح ردّ عليه رئيس جمعية "فرنسا ـ فلسطين ـ تضامن"، توفيق تهاني، بالقول: "على الأرجح يعشق مايير حبيب هذا النوع من الهجمات (الإرهابية)، لأنها تتيح له أن يتقيأ أكاذيبه ويبثّ سمومه. وأيضا التعبير عن عشقه للاستيطان والاحتلال الإسرائيليَيْن".
وإن كان الخبراء الفرنسيون في قضايا الإرهاب لا يزالون ينتظرون نتائج التحريات والتحقيقات الأمنية والقضائية، والتي قد تطول بسبب طبيعة المهاجم، والذي وصل إلى فرنسا قبل فترة قصيرة، ولا تنطبق عليه الصورة النمطية للإرهابيين، والذين هم عادة مواطنون محليون يهاجمون مواطنيهم، أو تسللوا مع المهاجرين واللاجئين.
وعبد الله المصري الجنسية، كما يكشف جواز السفر الذي عثر عليه في غرفة المهاجم، والمقيم بصفة قانونية في دولة الإمارات العربية المتحدة، حصل على تأشيرة دخول سياحية قانونية، ومعه بطاقة سفر ذهاب وإياب، ما يجعل السلطات الأمنية الفرنسية تعتقد أن وجوده للسياحة، خصوصا أنه يشتغل في الإمارات، بعد أن حصل في مصر على شهادة جامعية في القانون عام 2011.
هذه التفاصيل التي أفرج عنها المدعي العام الفرنسي ساهمت في تعتيم الصورة أكثر مما ساهمت في معرفة مسار المهاجم، ما دفع معلّقين إلى الحديث عن "إرهاب سياحي"، أو "إرهاب رخيص الكلفة"، لم تشهده فرنسا من قبل. كذلك رأى بعض آخر افتراض أن المهاجم من جنود تنظيم "داعش" شيء إيجابي يكشف عن نضوب خزّان الجهاديين، وعن فشل التنظيم في تجنيد جنود محليين، وهو الذي طالب أتباعه بعد اشتداد الحصار عليه في سورية والعراق بألاّ يفكروا في السفر إلى هذين البلدين، وأن يكتفوا بضرب الأمكنة التي يوجدون فيها، ما يفسّر عمليتي نيس وبرلين وغيرهما.
وقبل أن يستعيد المهاجم عبد الله قدرته على الكلام، بحسب آخر تقرير طبي، ويكشف حقيقة ما جرى، ونواياه الحقيقية وسرّ خطاباته النارية في "تويتر"، لا تفكّر القوة الأمنية والعسكرية التخفيف من حالة التأهب القصوى استعداداً لكلّ طارئ، خصوصاً مع اقتراب انتخابات 2017 الرئاسية.
وإذا تركزت الحملة الانتخابية والنقاشات الشعبية، وبعد تحديد المرشحين، على ما أصبح يُسمَّى بـ"فضيحة بينيلوبي"، والتي تنكشف فصولها يوما بعد آخَر، سارقةً الضوء من مناقشة هموم المواطن الفرنسي الحقيقية، في الشغل والسكن والصحة، فإن هذا الاعتداء "الإرهابي" يخطف الضوء قليلاً عن المرشح الرئاسي فرانسوا فيون، ويُعيد مواضيع الإرهاب والأمن والإسلام والمهاجرين إلى الواجهة السياسية والانتخابية، بعد أن كان المراقبون المتفائلون يتصورون أن الفائز في رئاسيات 2017 سيكون بفضل برنامجه الاقتصادي، في المقام الأول، وموقفه من الاتحاد الأوروبي، ومن التحدي الأميركي والروسي، غير المسبوقَيْن.