حملة انتخابات أميركا في أسبوعها الأخير: قلق من رفض ترامب لنتائج التصويت

29 أكتوبر 2024
ترامب وزوجته ميلانيا في نيويورك، 27 أكتوبر 2024 (Getty)
+ الخط -

سبعة أيام باتت تفصل الأميركيين والعالم عن موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، المقررة يوم الثلاثاء المقبل، والتي يهيمن عليها دونالد ترامب، للموسم الانتخابي الرئاسي الثالث على التوالي. هذا المشهد، الذي بات قبل أسبوع من موعد الاقتراع، يطرح السؤال الأهم، وهو ليس من سيفوز في انتخابات أميركا بين ترامب ومنافسته الديمقراطية كامالا هاريس، وهما متنافسان، أصبحت الفروقات بين أجندتيهما استنسابية، خصوصاً بعد الحرب التي تشنّها إسرائيل في الشرق الأوسط، والدعم اللامحدود الذي قدّمه الديمقراطيون لدولة الاحتلال، بل أصبح السؤال الأكثر إلحاحاً، هو المتعلّق بـ"اليوم التالي" للاقتراع، وما يُمكن أن يحصل إذا خسر ترامب رهانه على ولاية ثانية، أو ما يُمكن أن يحصل في حال فوزه، ولا سيما في ظلّ تلويحه بـ"ديكتاتورية من اليوم الأول"، قد لا تجد طريقها للتنفيذ سريعاً، ولكنها قد تلقي بثقلها على أحداث كثيرة تجري حول العالم، كما في الداخل الأميركي، حيث يتوجّس المهاجرون من خطة ترحيل ضخمة مع بدء ولاية ثانية للرئيس الجمهوري السابق.

انتخابات أميركا وهواجس اليوم التالي

وبانتظار مآلات "اليوم التالي" ليوم الانتخاب في 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، يخيّم تقارب المرشحَين في استطلاعات الرأي على أجواء الحملة الانتخابية التي تحمل كلاً من هاريس وترامب إلى سباق محموم لإقناع الناخبين في 7 ولايات متأرجحة، ستتجه الأنظار إليها على الفور مع انتهاء التصويت يوم الثلاثاء المقبل، لاحتساب كل صوت، وسط إمكانية الطعن التي لا تزال واردة للمرشح الخاسر، أو طلبه إعادة فرز الأصوات في ولايات بعينها.

أقل من 1% نسبة تقدم كامالا هاريس على دونالد ترامب في ولايات حاسمة

ويتقارب المرشحان بشكل لافت، في استطلاعات الرأي الوطنية، وعلى صعيد الولايات، وهو ما يؤكد المجهود الذي بذلته حملة هاريس، خلال أشهر قليلة، منذ إعلان الرئيس جو بايدن انسحابه من السباق لولاية ثانية. هذا المجهود، يترجم في نجاح هاريس، التي ظلّت نائبة رئيس مغمورة، طوال أعوام ولاية بايدن، في اللحاق بترامب، الذي اكتسح الانتخابات التمهيدية لحزبه، الشتاء الماضي، وكان يتقدّم بفارق كبير على بايدن في استطلاعات الرأي.

وبحسب آخر الاستطلاعات، قالت صحيفة نيويورك تايمز، أمس الاثنين، إن تقدم هاريس على ترامب قبل أسبوع من يوم الانتخابات، أصبح ضئيلاً جداً. وبحسب مجموع الاستطلاعات الأخيرة التي أجرتها الصحيفة، فإن تقدم المرشحة الديمقراطية أصبح يقل عن واحد في المائة. أما صحيفة واشنطن بوست، فرأت أن التقارب بين المرشحين هو النمط السائد منذ أسابيع، لكنها وجدت أن هاريس تتقدم في 4 ولايات من أصل 7 ولايات متأرجحة، وهي بنسلفانيا وويسكونسين وميشيغين ونيفادا.

وبحسب قسمة عدد من استطلاعات الرأي الأخيرة، تتقدم هاريس على ترامب في نيفادا بنقطة واحدة، وفي بنسلفانيا بنقطة واحدة أيضاً، وفي ويسكونسين بنقطتين، وفي ميشيغين بنقطتين. أما ترامب، فيتقدم على منافسته في كارولينا الشمالية بأقل من نقطة واحدة، وفي جورجيا بنقطتين، وفي أريزونا بنقطتين. وكان الفارق في استطلاعات الرأي، في مثل هذا الوقت، أي قبل أسبوع من يوم التصويت، أكبر بين ترامب وبايدن، في انتخابات أميركا عام 2020، لصالح الأخير، في عدد من الولايات المتأرجحة، بحسب "واشنطن بوست". فكان بايدن متقدماً على ترامب في نيفادا، بخمس نقاط، لكنه عاد وفاز عليه بحوالي نقطتين.

وتزور هاريس، اليوم الثلاثاء، مدينة واشنطن، ويفترض أن تسلّط الضوء على تحفيز منافسها أنصاره لاقتحام مقر الكونغرس في 6 يناير/كانون الثاني 2021، لمنع المصادقة على فوز بايدن بالرئاسة. وأكدت المرشحة الديمقراطية أنها ستنظّم التجمع في الموقع الذي طلب منه ترامب من أنصاره التوجه إلى مبنى الكابيتول "لأنني أعتقد أن من المهم جداً للشعب الأميركي أن يفكر في هوية الشخص الذي سيشغل المكتب البيضاوي في 20 يناير"، وفق تصريح أدلت به، أول من أمس، لقناة سي بي إس، محذّرة من "الخطر" الذي يمثله ترامب وسياساته.

فبعدما ركّزت هاريس، في بداية حملتها، على إضفاء طابع الاحتفالية على ترشحها، مقابل استمرار بايدن "المسنّ" في الترشح، والذي كان يثير قلق الديمقراطيين وخصوصاً فئة الشباب منهم، كثّفت خلال الأسابيع الأخيرة، هجومها على منافسها الذي وصفته بالفاشي والمسنّ، وسط عودة التحذير من إمكانية أن يرفض ترامب مجدداً نتائج الاقتراع، إذا جاء بخسارته.

وكانت هاريس قد تواجدت أول من أمس، في بنسلفانيا، وحظيت بدعم مشاهير، من أمثال بروس سبرينغستين والمغنية بيونسي. واعتمدت المرشحة الديمقراطية تكتيكاً يقوم على تحفيز الناخبين بالتوجّه إلى أحيائهم، وفق فريق حملتها، مع التركيز على الناخبين في انتخابات أميركا من أصول أفريقية واللاتينيين، بغية جذب أكبر قدر من الأصوات في بنسلفانيا التي يفترض أن تُرجّح كفّة الانتخابات. وقالت هاريس من مدينة فيلاديلفيا بالولاية: "يجب أن لا نستفيق في اليوم التالي للانتخابات وأن نشعر بالندم".

وكان ترامب أقام تجمعاً انتخابياً أول من أمس الأحد، في نيويورك، بماديسون سكوار، حيث استعرض زخم حملته الانتخابية بوجود أنصاره في "الساحة الأكثر شهرة في العالم"، وفق تعبيره، والتي انطلقت منها فرق غناء عالمية، واستضافت مباريات للدوري الأميركي للمحترفين وفرق هوكي الجليد الشهيرة. ولم يتراجع ترامب طوال الأيام الماضية عن سرديته المتطرفة، ووصف المهاجرين بالحيوانات وبـ"العدو من الداخل". كما شنّ هجوماً على هاريس، متهماً منافسته الديمقراطية بتدمير الولايات المتحدة. وقال عن هاريس: "لقد دمّرتِ بلدنا. لن نتحمل ذلك بعد الآن يا كامالا، أنت مطرودة. اخرجي. اخرجي. أنت مطرودة".

كما سعى ترامب، من نيويورك، إلى تقديم نفسه من جديد، في مدينة كانت مقر إقامته سابقاً وبنى فيها امبراطوريته المالية، قبل الانتقال إلى فلوريدا، إذ لترامب علاقة خاصة بنيويورك، التي شهدت رغم كل ما استثمر فيها، إدانته مرات عدة في محاكم مدنية وجنائية. وسوّق نفسه خلال تجمعه الأحد، على أنه "الحل الأفضل لإصلاح كل ما خرّبته هاريس". كما لم يتوان عن وصف المرشحة الديمقراطية بأنها "حمقاء" و"مدمنة مخدرات". وقوبلت خطابات عدد من المتحدثين في تجمع ترامب في نيويورك، بهتافات مؤيدة، بينما هاجموا هاريس أيضاً وبورتوريكو وأصحاب الأصول الأميركية اللاتينية.

 

46 % من الناخبين يفضلون السياسات الاقتصادية لترامب مقابل 38 % ينظرون بإيجابية إلى خطط هاريس

وفي هذا الإطار، سخر الفكاهي توني هنشكليف، من معدل الولادات في أوساط الأشخاص من أصول أميركية لاتينية، ووصف بورتوريكو التابعة للولايات المتحدة في الكاريبي، بأنها "جزيرة عائمة من القمامة". وتواجه بورتوريكو صعوبات، بما في ذلك أزمة الديون ومشاكل في شبكتها الكهربائية، وتفتقر أيضاً إلى قوة التصويت في الكونغرس، فضلاً عن عدم قدرتها على إبداء الرأي عندما يتعلق الأمر بمن يفوز بالبيت الأبيض (رغم أنها تشارك في انتخابات أميركا الرئاسية التمهيدية). وجاء ذلك رداً على فيديو نشرته حملة هاريس، الأحد، وعدت فيه بخلق اقتصاد فرص للجزيرة، في محاولة لجذب الناخبين الذين يتحدّرون منها.

ويتطرّق ترامب في خطاباته إلى قضايا تتعلّق بالاقتصاد والتضخم وانعدام الأمن التي لم تتمكن إدارة بايدن من معالجتها بالكامل. ونظّم ترامب تجمّعه الانتخابي في ماديسون سكوير، بعد أيام قليلة على تصريح أحد كبار المسؤولين في البيت الأبيض خلال عهده، وهو جون كيلي، بأن الرئيس السابق ينطبق عليه تعريف الفاشي، وهو ما ردّدت هاريس من بنسلفانيا بأنه تعريف تؤيده.

تحفيز المترددين والكسالى

وبالنسبة لكلتا الحملتين، بات واضحاً أنه في ظل أكثر المنافسات في انتخابات أميركا تقارباً منذ عقود في استطلاعات الرأي، فإن كل الثقل يتجه للمترددين، والناخبين الذين لم يحسموا أمرهم بعد، كما يركّز المرشحان على قدراتهما على إخراج أكبر قدر من الناخبين من المنازل، وتحفيزهم للتوجه إلى صناديق الاقتراع. ويبدو أن الحزب الجمهوري قد نجح في تحشيد القاعدة، وهو ما أظهره الإقبال الجمهوري المتزايد على التصويت في الانتخابات المبكرة المتواصلة.

ويتوقع أيضاً مراقبون للانتخابات الأميركية، فرقاً في التصويت بين الرجال والنساء هذا العام، على اعتبار أن هناك مرشحة امرأة قد تصل إلى البيت الأبيض، ما سعّر الخطاب الجندري لدى الحزب المحافظ. كما يخشى الديمقراطيون من تصويت الرجال من الأقليات من أصول أفريقية، خصوصاً المتدينين منهم، لمرشح رجل، مهما كان الحزب الذي ينتمي إليه. وهناك خطوط حمراء في انتخابات أميركا هذا العام، تتعلّق بالجنس والسنّ واللون.

وأمس الاثنين، حضرت هاريس مجدداً في ميشيغين، حيث كان الاقتصاد متصدراً عناوين برنامجها وخطابها، فيما توجه ترامب إلى ولاية جورجيا، لتحشيد الناخبين المتدينين. وعلى الرغم من أن الاقتصاد الأميركي شهد تحسناً في عهد بايدن، إلا أن استمرار ارتفاع أسعار السلع الغذائية، شكّل انتكاسة للرئيس الديمقراطي. ويتعلق الأمر ليس فقط بسياسات الإدارة الاقتصادية، بل بتكلفة العمالة، والمنافسة، وسلاسل الإمداد الغذائية. وفي الولايات السبع المتأرجحة، 61% من الناخبين ينظرون بسلبية للاقتصاد، بحسب استطلاع للرأي أجرته هذا الشهر وكالة رويترز بالتعاون مع شركة إيبسوس، حيث قال 68% منهم أيضاً إن إدارة تكلفة المعيشة تسير في الاتجاه الخاطئ.

ويقدّم كل من هاريس وترامب، وجهتي نظر مختلفتين لتصحيح الأخطاء في هذا الإطار، حيث وعدت المرشحة الديمقراطية بخفض الضرائب على العائلات التي تضم أولادا، ومحاربة التلاعب بالأسعار، فيما اقترح ترامب منع اقتطاع أي ضريبة من رواتب ساعات العمل الإضافية وفرض ضرائب جديدة على الاستيراد، فضلاً عن القيام بحملة ترحيل واسعة للمهاجرين. لكن اقتصاديين يحذّرون من أن حملة الترحيل سترفع أسعار السلع والخدمات، بدل خفضها، فيما محاربة التلاعب بالأسعار، تبقى خطة لم يجر اختبارها على الصعيد الفيدرالي بعد. رغم ذلك، وبحسب استطلاع "رويترز"- إيسبوس، فإن 46% من الناخبين يفضلون السياسات الاقتصادية لترامب، مقابل 38% ينظرون بإيجابية إلى خطط هاريس المرتبطة بالاقتصاد.

في غضون ذلك، ينظر الكثير من المواطنين إلى انتخابات أميركا بقلق، متوجسين من اليوم التالي، ومن إمكانية عودة العنف إلى الشارع ومحاولات الانقلاب على نتائج الانتخابات، وانعكاس ذلك على الديمقراطية في البلاد، وهو ما أظهره استطلاع جديد أجرته وكالة أسوشييتد برس، بالتعاون مع مركز "نورك" لأبحاث الشأن العام، ونشرت نتائجه أمس. وبحسب الاستطلاع، فإن 4 من أصل 10 ناخبين مسجلين، أكدوا أنهم "قلقون بشدة" أو "قلقون كثيراً" من محاولات لقلب نتائج الانتخابات المرتقبة، عن طريق اللجوء إلى العنف. كما أن نسبة مشابهة تخشى من محاولة الانقلاب على النتيجة عن طريق اللجوء إلى القضاء. وقال واحد من أصل كل 3 مرشحين، إنه قلق بشدة أو كثيراً من محاولات مسؤولين في عدد من الولايات منع استكمال عملية الإعلان الرسمي عن النتيجة في ولايتهم.

رغم ذلك، شدّد 9 من أصل كل 10 ناخبين، على أن الخاسر في الانتخابات يجب أن يعترف سلمياً بخسارته. وبحسب الاستطلاع، فإن 8 من أصل كل 10 ناخبين جمهوريين يشدّدون على ذلك. وأكد 8 من أصل كل 10 ناخبين، أن هاريس سوف ستقر سريعاً بأي هزيمة محتملة لها. لكن ثلثي الجمهوريين فقط يعتقدون أن ترامب سوف يقرّ سلمياً بالخسارة، فيما أقرّ واحد فقط من أصل كل 10 ناخبين ديمقراطيين بأن ترامب لن يقرّ بخسارته سلمياً.

المساهمون