تونس تتوجه إلى القضاء الدولي لمعاقبة "الإرهابيين"

20 يناير 2017
القضية تشغل الشارع السياسي في تونس (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -



يعد موضوع "الإرهابيين" المتحصنين في بؤر التوتر، والعائدين منها، من مشاغل الشارع السياسي في تونس، ما دفع البرلمان إلى التوجّه نحو تدويل القضية، بعرض معاقبتهم على محكمة الجنايات الدولية.

ونظر البرلمان التونسي في لائحة مقترحة من "كتلة الحرة"، التابعة لحزب "مشروع تونس"، تدعو فيها الحكومة إلى إصدار قرار بتصنيف الجرائم المقترفة من تونسيين ضد الأقليات في ليبيا والعراق وسورية، كجرائم إبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب.

وطالبت اللائحة بتقديم كل من عاد من التونسيين في التنظيمات "الإرهابية"، إلى تراب البلاد للمحاكمة أمام القضاء الوطني طبقاً لقانون الإرهاب، واتخاذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة لتعهد المحكمة الجنائية الدولية، بتتبع ومعاقبة من تحصن منهم بالفرار إلى خارج التراب التونسي.

ويسمح القانون الداخلي للبرلمان في بنده الـ 141، لرؤساء المجموعات البرلمانية بتقديم لوائح تتم مناقشتها والمصادقة عليها، ويتولى رئيس البرلمان إعلام رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية بها.

وجاء في محتوى اللائحة الموقعة من قبل رئيس "كتلة الحرة" عبد الرؤوف الشريف، أنّه تمت دعوة الحكومة إلى هذه الإجراءات "نظراً لجسامة ووحشية الجرائم والاعتداءات المقترفة في ليبيا وسورية والعراق في السنوات الخمس الأخيرة من طرف تنظيمات إرهابية".

وجاء في اللائحة أيضاً أنّ الطلب يعود "لكون تلك الجرائم والاعتداءات قد استهدفت إبادة مجموعات محددة من السكان على أساس ديني وعرقي وطائفي، إلى جانب تدمير معالم دينية وتاريخية، خصوصاً بمدينة تدمر مصنفة كتراث إنساني بما يجعلها منضوية تحت تعريف جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب".

وتابعت الكتلة موضحة طلبها "ولكونه بات معلوماً أنّ من بين المشاركين في ارتكاب تلك الجرائم أشخاص يحملون الجنسية التونسية، ونظراً لأنه إذا كان التحقيق في تلك الجرائم ومعاقبة مرتكبيها ممن عاد إلى التراب التونسي يبقى من اختصاص السلطة القضائية والأمنية التونسية، فإنّه يتعذّر على هذه السلطات مباشرة أعمال التحقيق والمحاكمة ضد من تحصّن من الإرهابيين التونسيين بالفرار خارج حدود الوطن".

وقال مساعد رئيس البرلمان المكلف بالعلاقات مع السلطة القضائية والهيئات الدستورية صلاح البرقاوي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "اللائحة ستعرض على رؤساء الكتل البرلمانية، لإدخال تعديل طفيف ثم المصادقة عليها خلال يناير/ كانون الثاني الحالي"، مشيراً إلى أنّه "يتعيّن على رئيس البرلمان محمد الناصر إعلام رئيس الدولة الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد بمحتوى اللائحة، ونشرها في الجريدة الرسمية".

ولفت البرقاوي إلى أنّ "تونس منخرطة في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية واتفاق امتيازات المحكمة وحصانتها، وبالتالي بإمكانها تدويل القضية واللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية، لمعاقبة المتورطين في قضايا الإرهاب".

وتعدّ اللائحة المعروضة على التصديق أمام البرلمان التونسي، الثانية من نوعها، بعد أن سبقت المصادقة على لائحة خاصة بدعم القضية الفلسطينية ومناصرتها، في أكتوبر/ تشرين الأول 2016.

وفي سياق متصل، قرّر البرلمان عرض الطلب المقدّم من قبل 94 نائباً للتصويت على تشكيل لجنة تحقيق برلمانية حول موضوع شبكات التجنيد التي تورطت في تسفير الشباب التونسي إلى مناطق القتال، في جلسة عامة الثلاثاء المقبل.

وتختص لجان التحقيق في التقصي والبحث والاستماع إلى الجهات الرسمية والحكومية، لإعداد تقرير يعرض على الجلسة العامة للبرلمان، عند إنهاء أعمالها.

وفي سياق متصل، تدارس رؤساء الكتل ظهر اليوم الجمعة، في جلسة أولى هذه اللائحة البرلمانية وتوقفوا إثر نقاش قانوني وسياسي مطول عند ضرورة عقد جلسة ثانية في بحر الأسبوع المقبل، وذلك قبل المرور إلى التصديق عليها في الجلسة العامة وإصدارها. وتباينت مواقف الحاضرين، ولكنهم أجمعوا على مبدأ أحقية البرلمان في إصدار لوائح مماثلة وضرورة عرضها على التصويت.
من جانبه طالب رئيس الكتلة الديمقراطية بالبرلمان، الدكتور سالم لبيض، في تصريح لـ"العربي الجديد"، "بالتريث وعدم التصديق على هذه اللائحة"، مشيرا إلى ضرورة تعديلها من الناحية القانونية، ومعربا عن تخوفه من "التسرع في التوجه إلى القضاء الدولي مما يعطي شرعية لأطراف أجنبية وقوى دولية للتدخل في الشأن المحلي التونسي، بل إن هذه المؤسسات هي ذراع مجلس الأمن وعدد من الدول الأجنبية التي ساهمت في قلب عدد من أنظمة الحكم العربية".
 
وضرب لبيض المثل بالنموذج اللبناني والعراقي، مشيرا إلى "أن تدويل قضية اغتيال رفيق الحريري عاد بالويلات على الشعب اللبناني وعلى القطر العربي، في سيناريو لا يختلف كثيرا، فقد سجل التاريخ تدخل القوى الأجنبية في العراق بتعلة البحث عن أسلحة الدمار الشامل، وانتهى الأمر إلى تدمير البلاد وسلب ثرواتها".
 
من جانب آخر توجه بالتحية إلى الجبهة الشعبية في تونس لعدم لجوئها إلى القضاء الدولي في رحلة تقصيها عن حقيقة اغتيال الشهيد شكري بلعيد، وهو ما جنب تونس مغبة أن تضع هذه المؤسسات أيديها على وثائق ومعطيات وسجلات وأسرار وطنية.

وأضاف أنه "من الناحية المبدئية، لا نرى مانعا من إصدار البرلمان لائحة، ولكن يجب أن يكون دورها فعالا ونصل إلى نتيجة".

المساهمون