25 إبريل المصري...صراع المخابرات والأمن الوطني على حساب المعتقلين

25 ابريل 2016
يدفع المصريون ثمن صراعات الأجهزة الأمنية (العربي الجديد)
+ الخط -
يتعرض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي هذه الأيام لهزات وتهديدات عنيفة من داخل نظامه، أشار إليها بنفسه في عدد من خطاباته الأخيرة، عندما قال "كلما وضعت يدي في مكان أجد المشاكل"، وصولاً إلى كلمته، قبل يومين، في دار القضاء العالي، التي قال فيها إنّ "مساعي الشر والسوء تواجه مصر بالداخل والخارج". ويتزامن كلام الرئيس المصري مع استعدادات النظام لمواجهة التظاهرات، اليوم الاثنين، ضد سياسات السيسي بصفة عامة، وضد ترسيم الحدود البحرية مع السعودية ونقل تبعية جزيرتَي تيران وصنافير إلى المملكة، خصوصاً.

وبلغت التهديدات من داخل النظام ذروتها بالتحركات الأمنية المفاجئة التي بدأت، الخميس الماضي، باعتقال عشرات الشباب المسيّسين والمستقلين من منطقة وسط البلد في القاهرة ومناطق أخرى في الجيزة والإسكندرية. كما أُلقي القبض على عدد من النشطاء اليساريين بتهمة التحريض على التظاهر ضد قرارات السيسي، على الرغم من صدور بيان رسمي من رئاسة الجمهورية نفت فيه أنباء عن صدور أوامر من السيسي لوأد التظاهرة المرتقبة، وعدم السماح بتسييرها على عكس ما حدث الأسبوع في "جمعة الأرض هي العرض".

بدا الفرق شاسعاً بين بيان الرئاسة المفعم بالتهدئة والذي صدر على لسان المتحدث باسم السيسي، وبين التحركات الأمنية على أرض الواقع، ولا سيما أن الشرطة أفرجت من دون مبررات، وبصورة غير مسبوقة، عن معظم الشباب الذين تم اعتقالهم بعد أقل من ساعتين من القبض عليهم، ما مثّل لغزاً آخر أثار تساؤلات النشطاء قبل المراقبين. ويستغرب مراقبون من هذا التحرك المفاجئ من الشرطة، وتحديداً من جهاز مباحث الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً) الذي جاء بعد ساعات قليلة من نشر وكالة "رويترز" تصريحات منسوبة لستة مصادر منها ثلاثة استخباراتية تشير إلى تورط الأمن الوطني في خطف واعتقال الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، قبل العثور على جثته مقتولاً مطلع فبراير/شباط الماضي.

في هذا السياق، يؤكد مصدر حكومي ذو خلفية أمنية لـ"العربي الجديد" أنّ "المشهد الحالي يكشف حلقة أخرى من صراع الدوائر داخل نظام السيسي، وخصوصاً بين الأمن الوطني والدائرة المخابراتية ـ الرقابية التي شكلها السيسي لإدارة المشهد السياسي". ويوضح أن "المبادرات الفردية من قيادات في الأمن الوطني بالقبض على شباب أو تركهم وتقديمهم إلى النيابة بحجج واهية، لا يمكن أن تكون بناء على توجيهات رئاسية، لأنها تحرج السيسي أمام الرأي العام"، على حد تعبيره. ويضيف المصدر ذاته أنّ "هذه المبادرات لا يمكن أن تكون تصرفات فردية عفوية، بل يجب أن تكون مقصودة على مستوى الجهاز"، قائلاً "سألت عدداً من قيادات المباحث العامة ما إذا كان لديهم علم بهذه الحملة فنفوا ذلك، وهذا يدل على أن القرار متّخذ من قيادات في جهاز الأمن الوطني، ومن المستحيل أن يعرف السيسي مَن أصدر القرار".

ويوضح المصدر الحكومي أن "العمل داخل جهاز أمن الدولة يتم بتراتبية شديدة وسرية، كما لم تعد قيادات الجهاز تعتمد على المكاتبات لتسيير الأوامر بعد عام 2011. وبالتالي، فإن وزير الداخلية نفسه يفشل أحياناً في التعرف على بعض التفاصيل التي يريدها على الرغم من أنه أحد قيادات الجهاز السابقين". ويشير إلى أن الجهاز ككل لم يعد متجانساً بعد التعديلات التي طرأت على قياداته خلال العامين الماضيين، وفق المخطط الذي وضعه مساعد السيسي للملف الأمني، اللواء أحمد جمال الدين". ويشرح المصدر الحكومي آثار هذا المخطط قائلاً، "قيادة الجهاز العليا المقربة من الوزير والرئاسة لم تعد وثيقة الصلة بالقيادات الوسيطة التي يدين معظمها بالولاء للقيادات القديمة التي تم التخلص منها على مراحل بعد ثورة 25 يناير 2011. وبالتالي، لا يمكن لأي مسؤول أن يتعامل مع الجهاز الآن كوحدة إدارية واحدة".


ويتقاطع حديث المصدر الحكومي مع معلومات مصدر أمني آخر أكد لـ"العربي الجديد"، يوم الجمعة الماضي، أن "التعليمات الرسمية التي صدرت من وزير الداخلية مجدي عبدالغفار للمباحث العامة ومباحث أمن الدولة كانت بالتهدئة وليس بالتصعيد". كما ذكر أن "تدخلاً سريعاً من الوزير بناءً على توجيهات رئاسة الجمهورية هو ما أدى للإفراج عن معظم المعتقلين فجر الجمعة، وترحيل عدد قليل إلى نيابة أمن الدولة صباح السبت، والتي أمرت بإعادتهم للنيابات الجزئية باعتبار التحريات غير مستوفاة، ولا تمكّن النيابة من تحريك قضية أمن دولة ضدهم".

واعتبر المصدر الأمني أن "تسلسل الأحداث هذا يشير إلى تغير في تعامل الأمن مع المتظاهرين والمحرّضين على التظاهر، والذي اتسم بالعنف منذ منتصف 2013"، مرجحاً أن تكون حملة الاعتقالات التي شنها جهاز الأمن الوطني، مساء الخميس وصباح الجمعة، "محاولة لإحراج النظام من بعض الدوائر داخل الجهاز الأمني" لكنه استدرك قائلاً، "قد تكون تعليمات الوزير لم تصل إلى جهاز الأمن الوطني، وتعامل الجهاز مع نشطاء الشباب كما هو معتاد قبل التظاهرات الكبيرة بشن حملة اعتقالات".

ولا تقتصر أسباب ترجيح المصدرَين (الحكومي والأمني) وجود ضربة متعمدة من الأمن الوطني للسيسي على معلومة أنّ هناك توجهاً للتهدئة لامتصاص غضب الشباب، خصوصاً أن معظم الداعين لتظاهرة، اليوم، لا يدرجون على جدولها مطالبات بإسقاط النظام. فالمصدران يؤكدان أن السبب الأبرز هو شعور الأمن الوطني بالتهميش تارة، وتحميله مسؤوليات كبرى تارة أخرى، وذلك من قبل الدائرة المخابراتية ـ الرقابية التي يديرها مدير مكتب السيسي عباس كامل وتخلو من ممثلي هذا الجهاز. ويشير المصدران إلى أن الصلاحيات التي يتمتع بها الأمن الوطني "لا تزال كبيرة على الرغم من كل ما يواجهه الجهاز من تضييقات واتهامات، وعلى الرغم من توسيع السيسي صلاحيات أجهزة أخرى موازية أو مناوئة كإدارة الأمن الداخلي بالمخابرات العامة وجهاز الرقابة الإدارية". وقد يصل ذلك إلى الحد الذي يمكن الجهاز من إحراج السيسي مرات عدة ومنع خروج عدد من السجناء الشباب في قرارات العفو الرئاسي، والتحكم في هوية المشمولين بالعفو، وذلك باعتباره الجهاز الوحيد المختص بجمع التحريات والأكثر التصاقاً بالشارع.

غير أن هذا الصراع في جنبات النظام والذي يقلق السيسي، من دون شك، ويهدد استمراره لا ينفي رغبة النظام ككل "في تقليم أظافر النشطاء وتجفيف منابع دعوات التظاهر"، بحسب مراقبين، وأن الخلاف يبقى فقط حول التحركات والسياسات، تشديدها أو تخفيفها. فدائرة السيسي المتضررة من حملة اعتقالات، يوم الخميس الماضي، تعلم جيداً بوجود حملة اعتقالات واسعة في صفوف الطلاب والشباب بمختلف المحافظات، وخصوصاً المنتمين لحزب "مصر القوية" وحركتَي 6 إبريل والاشتراكيين الثوريين، وذلك منذ نحو أسبوعين، كما شملت أيضاً عدداً من شباب جماعة "الإخوان المسلمين"، وفقاً للمراقبين.

وتهدف هذه الحملة التي يمكن وصفها بـ"الهادئة" إلى تخويف الشباب والنشطاء من تفجير قضية مستقبلية تتهمهم بالإرهاب أو تلقي تمويلات من الخارج، على شاكلة القضايا التي نُسبت لشباب جماعة الإخوان على مدار عامَي 2014 و2015، وقُدم فيها العشرات إلى القضاء العسكري والقضاء العادي، كالقضايا المعروفة إعلامياً بـ"العمليات النوعية، وخلية أبناء الشاطر، وخلية المنصورة، وخلية المتفجرات". ويتخوف النظام من حجم المشاركة في تظاهرات، اليوم، لتشمل مواطنين عاديين غير مسيسين على شاكلة ما حدث في يناير/كانون الثاني 2011. كما يتخوف من أن يؤدي أي صدام بين الأمن والمتظاهرين إلى وضعه في مأزق يكون فيه مطاَلباً بتقديم تنازلات سياسية، خصوصاً في ما يتعلق بجزيرتَي تيران وصنافير اللتين من المقرر أن يدرس البرلمان وضعهما قانونياً على ضوء اتفاقية ترسيم الحدود خلال الشهر المقبل.


المساهمون