تقارب إيران والاتحاد الأوروبي بين عائقي النووي والصواريخ

17 ابريل 2016
موغريني أكدت وجود عوائق كثيرة يجب إزالتها (فاطمة بهرامي/الأناضول)
+ الخط -
تكتسب الزيارة التي بدأتها وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغريني، أمس السبت إلى إيران، للمرة الثانية منذ التوصل لاتفاق البلاد النووي مع السداسية الدولية يوليو/تموز من العام الماضي، أهمية خاصة كونها تعدّت هذه المرة بحث تفاصيل ملف طهران النووي. موغريني التي وصلت إلى العاصمة طهران، صباح أمس، على رأس وفد أوروبي رفيع المستوى يتكوّن من رؤساء لجان أوروبية عدة، التقت عدداً من المسؤولين الإيرانيين، قبل أن تؤكد عقب اجتماع ثنائي جمعها بوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أن زيارتها هذه تفتح صفحة جديدة من العلاقات بين طهران وعواصم الاتحاد الأوروبي، معلنة في مؤتمر صحافي عقدته وظريف، أن الاتحاد الأوروبي راغب بتعزيز العلاقات الاقتصادية مع إيران في قطاعات عدة منها النقل والطاقة، ولافتة إلى دعم مساعي إيران الرامية للانضمام لمنظمة التجارة العالمية.
ظريف، من جهته، لم يبتعد عن هذا السياق، فتحدث عن نية الطرفين تطوير التعاون النووي غير العسكري، فضلاً عن التعاون البيئي والسياحي، وتعزيز التبادل الثقافي والخبرات، إذ تستعد إيران لإرسال طلاب وأساتذة وباحثين من جامعاتها ومؤسساتها للمراكز الأوروبية التي أبدت ترحيباً بالأمر، حسب قولهما.
وبدا أن الاتفاق النووي استطاع أن يحقق هدف طهران بالتقارب أكثر مع الغرب، ولكن على الرغم من هذا التقارب، لدى طهران ما يقلقها كثيراً وما يعكّر عليها صفو هذه الأجواء، منها ما يتعلق بالملف النووي ذاته من جهة، ومنها ما يتعلق بالملف الصاروخي من جهة ثانية، الذي تكثّفت التصريحات الغربية حوله أخيراً، عقب إجراء الحرس الثوري اختبارات على صواريخ باليستية رأى بعض المسؤولين الأميركيين والأوروبيين أنها تنقُض الاتفاق النووي صراحة.
في ما يتعلق بالنووي، وعلى الرغم من أن الاتفاق يسمح بإلغاء العقوبات الدولية المفروضة على طهران في سنوات سابقة بسبب برنامجها النووي، لكن حتى الآن تشكو البلاد على الصعيد الرسمي من الإبقاء على بعض هذه العقوبات، لا سيما تلك التي تشمل القطاع المصرفي ونظام التحويل المالي "السويفت الدولي".
موغريني التي بحثت مع ظريف هذا الملف، قالت إن التوصل للاتفاق لا يعني أن المهمة قد انتهت، فهناك عوائق كثيرة يجب إزالتها، كما يجب التأكد من سير عملية التنفيذ والتطبيق العملي للتعهدات، وهو ما تم بحثه خلال اجتماعين سابقين بين مسؤولين إيرانيين وأوروبيين وما سيتم بحثه مرة أخرى في اجتماع مستقبلي قريب.
كما أشارت إلى رغبة المصارف الأوروبية باستئناف العمل مع طهران، لافتة إلى وجود صعوبات تعمل على حلها في الوقت الراهن، وهو ما سيحقق التقارب الإيراني الأوروبي الاقتصادي بالدرجة الأولى.



جاءت هذه التصريحات في وقت تواجد فيه حاكم المصرف المركزي الإيراني ولي الله سيف في الولايات المتحدة الأميركية للمشاركة باجتماعات صندوق النقد الدولي، ونقلت عنه مواقع إيرانية قوله على هامش هذا الاجتماع إن على الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي أن تفي بتعهداتها وإلا فإن الاتفاق النووي سيكون معرضاً للانهيار، معتبراً أن بلاده لم تلمس عملياً بعد النتائج المطلوبة من الاتفاق.
وكان مسؤولون إيرانيون قد تحدثوا في وقت سابق عن أن مصارف كبرى ولا سيما المصارف الأوروبية لم تستأنف تعاملاتها مع طهران على الرغم من رفع الحظر الاقتصادي، وتم تبرير الأمر حينها من قبل بعض المسؤولين الحكوميين بأن عملية تطبيق الاتفاق تحتاج وقتاً.
في السياق نفسه، نشرت وكالة أنباء فارس، المحسوبة على المحافظين في إيران، تقريراً مفصلاً يرصد ما اعتبرته تردداً من قبل المصارف الأوروبية لاستئناف علاقاتها مع طهران. ونقلت عن عضو الهيئة الرئاسية في غرفة التجارة بدرام سلطاني قوله إن الولايات المتحدة تفرض ضغوطاً على الاتحاد الأوروبي للوقوف بوجه هذا التعاون، معتبراً أن القلق هو العامل الأول الذي يمنع عدداً من المصارف الأوروبية الكبرى من التعاون مع طهران، إذ يتعامل هؤلاء مع إيران بحذر كونها معرضة لفرض عقوبات جديدة بسبب أي ملفات أخرى.
وفي وجود هذا التحدي الذي تركز إيران على حله مع ممثلي الاتحاد الأوروبي في الوقت الراهن فضلاً عن استقبالها لوفود أوروبية عدة في الفترة الأخيرة، يُعدّ ملف الصواريخ منغصاً ثانياً للعلاقات مع الغرب، تحاول إيران فصله عن النووي قدر المستطاع. وقالت موغريني في تصريحاتها أمس، إن التجارب الصاروخية الأخيرة لا تخرق الاتفاق النووي، لكنها اعتبرت أن الاختبارات الصاروخية الباليستية الأخيرة، تبعث القلق بالنسبة لبعض الأطراف في الإقليم، وقد ترسل رسائل خاطئة وهو ما قد يؤدي لاتساع رقعة النزاع ورفع مستوى التوتر في المنطقة.
في المقابل، اعتبر ظريف أنه لا داعي للقلق من المنظومة الصاروخية التي ترى طهران أن تطويرها حق مشروع لها، كونها منظومة دفاعية، وصواريخها الباليستية غير مصممة لحمل رؤوس نووية، لافتاً إلى أن الأمر لا يُعد خرقاً للاتفاق.
وركز المسؤولون العسكريون في إيران خلال الفترة الأخيرة على هذا الملف كثيراً، إذ فصلوا الملف النووي عن الصواريخ، وأكدوا حق البلاد بتطوير هذه الصواريخ وتصنيعها محلياً.
وعلى الرغم من أن التركيز الأكبر خلال زيارة موغريني إلى طهران كان على موضوع تطبيق الاتفاق النووي وضرورة إزالة العقبات التي تعترضه وتمنع طهران من الاستفادة القصوى من تبعاته الإيجابية، لكن بعض الملفات الإقليمية ولا سيما تلك المرتبطة بالحرب على الإرهاب، والوضع في سورية واليمن نالت حصتها من لقاءاتها. وخلال اجتماع موغريني مع أمين مجلس الأمن القومي علي شمخاني، قال الأخير إن على أوروبا أن تتحمّل مسؤولية سياساتها الخاطئة، كونها سمحت بتزويد بعض التنظيمات في المنطقة بالأسلحة، وهو ما أدى لتفاقم النزاع في سورية واليمن وليبيا، حسب قوله. ودعا شمخاني المسؤولين الأوروبيين لعدم الموافقة على فرض عقوبات جديدة على إيران وإيقاف العقوبات المتعلقة بملف حقوق الإنسان، معتبرا أن من شأن هذا الأمر أن يزعزع الثقة بين طهران والاتحاد الأوروبي وهو ما قد يهدد تطوير العلاقات.
أما موغريني فاعتبرت من جهتها أن إيران تستطيع أن تقوم بدور بناء في تحقيق استقرار المنطقة، قائلة إن التعاون الإيراني الأوروبي يستطيع أن يسهل تطبيق الحلول الدبلوماسية والسياسية لملفات النزاع في المنطقة.