السيسي يهيمن على المجلس العسكري: "جيل أكتوبر" خارجه

19 ديسمبر 2016
تغييرات عدة طرأت على تركيبة المجلس العسكري (العربي الجديد)
+ الخط -
في إطار التغييرات التي أجراها يوم السبت الماضي، في قيادة سلاحي الدفاع الجوي والبحرية، أفرغ رئيس النظام المصري، عبدالفتاح السيسي، المجلس الأعلى للقوات المسلحة مما كان يعرف اصطلاحاً بـ"أبناء جيل أكتوبر"، وهم القادة العسكريون الذين شاركوا في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وساهموا في الانتصار العسكري المصري الوحيد في القرن العشرين. وهؤلاء كانوا يشغلون قيادة معظم الأسلحة العامة والتخصصية خلال عهدي الرئيسين المخلوع حسني مبارك، والمعزول محمد مرسي، وخلال فترة عام ونصف العام التي تولى فيها المجلس العسكري إدارة شؤون البلاد في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.

أبرز من شملتهم التغييرات، هو القائد السابق للدفاع الجوي، الفريق عبدالمنعم التراس، الذي أحاله السيسي للتقاعد عن عمر 64 عاماً. وكان التراس آخر عضو في المجلس العسكري شارك في قتال إسرائيل، ويحمل ميدالية حرب "6 أكتوبر"، والتي كان المجلس العسكري مكوناً في معظمه ممن يحملونها منذ نحو 4 أعوام فقط. إلا أن التغييرات المتعاقبة التي أجراها السيسي قدمت القيادات من جيل السيسي ووزير دفاعه، صدقي صبحي، والجيل الذي يليه، وقد تخرجوا جميعاً بعد انتهاء الحرب مع الإسرائيليين فعلياً.

وتقتصر الخبرة العسكرية الميدانية للسيسي وجميع أعضاء المجلس العسكري المصري حالياً، على المشاركة في حرب الخليج أو في دورات القوات متعددة الجنسيات. كما أن معظمهم، لا سيما السيسي وصبحي ورئيس الأركان محمود حجازي (صهر السيسي)، حازوا على درجاتهم العلمية العسكرية الأساسية في الولايات المتحدة خلال فترة التسعينيات التي شهدت ازدهار التعاون العسكري بين القاهرة وواشنطن كجزء من المساعدة الأميركية العسكرية لمصر.

وجاء تعيين السيسي للواء علي محمد علي فهمي (المولود عام 1959) قائداً لسلاح الدفاع الجوي، واللواء أحمد خالد حسن (المولود عام 1958) قائداً للقوات البحرية، لاستكمال هذا الاتجاه. ولم يعد هناك قائد عسكري مصري أكثر خبرة من السيسي نفسه، لا سيما بعد الإطاحة بالتراس ومن قبله باقي أبناء جيله. وعلى الرغم من أن رئيس الأركان، حجازي، أكبر سناً من السيسي إلا أنه ليس أكثر خبرة، فهو متخرج معه في نفس دفعته كما تلقى السيسي دورات أكثر من حجازي.

وتقول مصادر مطلعة على الشؤون العسكرية المصرية إن التراس كان موضع مقارنة دائمة داخل الجيش بالسيسي وحجازي من حيث الخبرة القتالية والكفاءة العسكرية. والتراس كان أقوى المرشحين لتولي رئاسة أركان القوات المسلحة مرتين: الأولى عندما أطاح الرئيس المعزول، محمد مرسي، بالمشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان من القيادة العامة ورئاسة أركان الجيش في 12 أغسطس/آب 2012. لكن مرسي عيّن السيسي وصبحي بدلاً منهما على التوالي، وأوكل قيادة سلاح الدفاع الجوي للتراس الذي كان آنذاك مديراً لكلية الدفاع الجوي، على الرغم من أنه كان معروفاً بخبرته الواسعة وقربه من القيادة. أما المرة الثانية، فكانت عندما عقد السيسي عزمه على تولي رئاسة الجمهورية مطلع عام 2014. ولم يكن أحد داخل المجلس العسكري يتوقع أن يختار السيسي صهره حجازي، رئيساً للأركان باعتباره مديراً للاستخبارات الحربية، وهو جهاز نوعي وليس جهازاً قتالياً. وفي ذلك الوقت، كانت كل المؤشرات تصب في صالح تصعيد صبحي وزيراً للدفاع والتراس رئيساً للأركان، ليس باعتباره القائد الأقدم بين أقرانه وحسب، بل أيضاً لخبرته القتالية الميدانية.


إلاّ أن السيسي وبعد اتصالات مع باقي أعضاء المجلس العسكري، قام في مارس/آذار 2014 بتصعيد صهره لرئاسة الأركان متجاوزاً كلاً من التراس، واللواء أحمد وصفي، الذي كان يتولى قيادة الجيش الثاني الميداني، واللواء محمد فريد حجازي الذي كان يعتبر الرجل الثالث في المجلس العسكري خلال فترة توليه إدارة البلاد. واللواء فريد حجازي يتمتع بخبرة ميدانية كقائد سابق للجيش الثاني الميداني ثم الحرس الجمهوري (الذي كان يتولاه طنطاوي قبل اختياره وزيراً) بالإضافة لخبرة إدارية طويلة كونه كان الأمين العام لوزارة الدفاع منذ عام 2012 وحتى الآن.

وتوضح المصادر القريبة من المؤسسة العسكرية أن السيسي كان "ينوي منذ اليوم الأول لخلعه البزة العسكرية، القيام بحركة التغيير الواسعة هذه في المجلس العسكري، لكن بعض القيادات نصحته بالتريث وبعدم إجرائها مرة واحدة، بل على مراحل ولأكثر من عام، حتى لا تثير قلاقل أو اتفاقات ضده بين عدد من القيادات المتضررة". وتشير إلى أن "الدافع المباشر للتغيير هو اعتقاد السيسي، شأنه شأن جميع العسكريين المصريين، بضرورة أن يكون القائد العام أكثر خبرة من باقي القيادات وأن يكون رئيس الجمهورية من خلفية عسكرية وأكثر خبرة من قيادات المجلس العسكري لتسهل له السيطرة عليهم". وتضيف المصادر أن "معظم المعارضين لترشح السيسي لرئاسة الجمهورية من داخل المجلس العسكري كانوا الأكبر منه سناً، أو الأكثر خبرة في الأسلحة القتالية، نظراً لأن طبيعتهم الشخصية والمهنية كانت بعيدة عن العمل السياسي". وتحفظت المصادر على أسماء القيادات التي اعترضت على هذه الخطوة.

كما تكشف المصادر عن أن الإطاحة بالتراس من قيادة الدفاع الجوي أعقبت إحالة العشرات من قيادات هذا السلاح تحديداً إلى التقاعد، نظراً لعلاقتهم الوطيدة برئيس الأركان الأسبق، قائد هذا السلاح في عهد مبارك، الفريق سامي عنان. وحصل ذلك نظراً للعلاقة السيئة القديمة المعروفة في أوساط الجيش بين السيسي وعنان. وكان الأخير رافضاً بشدة لتولي السيسي وزارة الدفاع. وقبل ذلك، كان الاثنان يتنافسان على مساحات التحرك والتحكم داخل المجلس العسكري. وكان عنان يعتزم الترشح للرئاسة عام 2014، لكنه انسحب فجأة بعد اتصالات مع بعض مؤيدي السيسي من الإعلاميين والسياسيين.

وتشير المصادر إلى أن قيادة الدفاع الجوي تم تغييرها بنسبة لا تقل عن 90 في المائة. ولم يعد من بين قادة الفرق وأعضاء هيئة أركان السلاح أي ضابط عمل عن قرب مع عنان أو تولى مناصب مساعدة له. وتؤكد أن "إحالة التراس للتقاعد الآن تحديداً تأتي في هذا الإطار".

وفي ما يتعلق بإحالة قائد القوات البحرية، الفريق أسامة منير ربيع، إلى التقاعد وتعيينه نائباً لرئيس هيئة قناة السويس، يقول مصدر في الهيئة إن "السيسي لم يكن راضياً عن أسلوب أسامة ربيع في إدارة القوات البحرية من الناحية المهنية، ولامَ بشدة من رشحه لتولي المنصب في إبريل/نيسان 2015"، مشيراً إلى أن خليفته، أحمد خالد حسن، هو "أكثر كفاءة وكان يحظى بثقة السيسي منذ العام الماضي، لكنه لم يعينه لأنه كان أصغر سناً من ربيع".

ويضيف المصدر أن "وظيفة نائب رئيس هيئة قناة السويس يشغلها أيضاً القائد الأسبق للبحرية، اللواء أسامة الجندي، وهي وظيفة لا معنى لها إلا (في إطار) التقدير الأدبي (المعنوي)، ولا مكان لها في عضوية مجلس إدارة الهيئة المعروفة باتصالها الوثيق بالقوات البحرية، والتي يرأسها حالياً الفريق مهاب مميش". ويختم بالقول إن "مميش رجل قوي ولا يترك هامش حركة بجانبه للضباط السابقين القادمين من البحرية، ويعتمد بشكل أساسي على المهندسين والمحاسبين والمرشدين الملاحيين".