مسيحيو لبنان: رياضة وتيارات جديدة لترجمة الفشل

06 مارس 2015
ميشال سليمان يبحث عن دور وموقع (حسين بيضون)
+ الخط -

تكاد لا تخلو مواقف الزعماء المسيحيين في لبنان من عبارات القلق والشعور بالتهديد و"الخوف على الوجود المسيحي في الشرق". هذه هي الحال منذ أكثر من عامين، من تهجير المسيحيين في معلولا (سورية عام 2013)، وصولاً إلى تهجير تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الأشوريين من الحسكة (يحصل اليوم في سورية)، مروراً بضرب داعش للأقليات الدينية المختلفة في الموصل (العراق 2014). وتشهد بيروت السيناريو نفسه لكن بأسلوب حضاري أكثر، بحسب ما تقول معظم الصالونات السياسية المسيحية في السرّ، إن كان من خلال الشغور في موقع رئاسة الجمهورية (من حصة الموارنة، والشغور مستمرّ منذ مايو/ أيار الماضي) أو في محاولة بعض الأطراف السياسية مصادرة صلاحيات الرئاسة التي انتقلت إلى مجلس الوزراء بفعل غياب الرئيس. حتى أنّ بعض المسيحيين ذهب أبعد من ذلك في تلمُّس الخطر من "الهجوم" الحاصل على "المجتمع المسيحي"، ليضع إشكالاً في ملعب كرة السلة إلى حرب على الطائفة وأبنائها. تعارك لاعبان من ناديي الحكمة في كرة السلة (محسوب على المسيحيين) والرياضي (محسوب على المسلمين) أثناء مباراة في الدوري اللبناني، قبل أيام، ليتم تحميل الإشكال أبعاداً سياسية وطائفية ومذهبية قد تكون غير موجودة في الأصل.

أدى التماهي مع هذا الواقع والتهديد إلى قول مسؤولين سياسيين، أو حتى مواطنين إنّه "يراد مصادرة الرياضة من المسيحيين وإقصاؤهم عن كرة السلة أيضاً". مع العلم أنّ هذه اللعبة شكّلت أداة سياسية للقوى المسيحية أيام الاحتلال السوري للبنان (1990-2005) للتعبير عن آرائها السياسية من خلال هتافات الجمهور والإشارات والأعلام في الملاعب الرياضية.

سبق ذلك فتح ملفي "الإصلاح في كازينو لبنان" و"ردم الحوض الرابع في مرفأ بيروت"، اللذين حرّكا القوى المسيحية باعتبارهما يمسّان بـ"الحقوق المسيحية"، لأسباب علانيةٍ من حيث الشكل وأخرى مبطّنةٍ ومستورة تتعلّق بالحصص المسيحية داخل المرفقَين.

يقود هذا الواقع إلى القول إنّ المجتمع المسيحي في لبنان يدعي بأنه بات مخنوقاً. ونتيجة ذلك، حصل التواصل بين أبرز زعيمين محليين، رئيس تكتل الإصلاح والتغيير، النائب ميشال عون، ورئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، مطلع يناير/كانون الثاني الماضي. تواصل مستمرّ لكن متعثّر بفعل طموح الرجلين إلى منصب رئاسة الجمهورية، ومن المفترض تظهير فشل الحوار بينهما في وقت قريب، فيتم الإعلان عن ورقة ثوابت مسيحية لا تقدّم ولا تؤخر على مستوى الأزمة الرئاسية ووحدة المسيحيين أمام العرقلة الحاصلة في هذا الملف.

على صعيد آخر، يظهر في الأفق المسيحي تجمع سياسي جديد يتمثّل بالتقارب بين رئيس الجمهورية السابق، ميشال سليمان، ورئيس حزب الكتائب أمين الجميّل. التقى الرجلان من خلال وزرائهما الستّة في الحكومة وانضّم إليهما وزيران مسيحيان آخران مستقلّان، بطرس حرب وميشال فرعون، ينضويان تحت جناح قوى 14 آذار. باتت هذه الكتلة الوزارية تشكّل ثلث الحكومة، أي أنها قادرة على تعطيل عملها وإعاقتها من اتخاذ أي قرار لا تجمع عليه. ليكون هذا التجمّع تخطّى قوة جعجع وعون في آن، من خلال قدرته على فرض شروطه في مجلس الوزراء، بعيداً عن تغنّي عون بتمثيله المسيحي الأكبر (27 نائباً في البرلمان من أصل 128) أو كون جعجع ممراً مسيحياً فرض نفسه في الحياة السياسية (ويتمثل بعشرة نواب في البرلمان).

وفي حين يمتلك الجميّل وسليمان هذه القدرة الدستورية والسياسية، يبدو أنهما عاجزان معاً عن خوض هذه التجربة حتى نهايتها. فيؤكد الوزير الكتائبي، سجعان القزي، أنّ هذا التجمّع هو "لقاء تشاوري، آخر ما يفكر به إسقاط هذه الحكومة أو وقف الدعم عن الرئيس سلام"، مشيراً إلى أنّ "التنسيق قائم لعدم المس بصلاحيات رئاسة الجمهورية في ظل الشغور الرئاسي". كما يشدد قزي على أنّ هذا الفريق الجديد لن يقدم على تقديم استقالته أو عرقلة عمل الحكومة. لدى الجميّل وحزبه اعتبارات أخرى تمنعه من السير قدماً في هذه التجربة، أبزرها طموح أمين الجميّل بالعودة إلى قصر الرئاسة (رئيساً سابقاً للجمهورية 1982-1988)، الذي من شأنه منعه من الدخول في أي صدام مع القوى الوازنة الأخرى، أي حزب الله وتيار المستقبل، وبالتأكيد النائب عون.

الأمر نفسه ينطبق على مشاركة الوزير بطرس حرب في هذا اللقاء، إذ إن الرجل مشروع دائم لرئاسة الجمهورية، في حين أنّ الوزير فرعون مرتبط سياسياً بتيار المستقبل وبالتالي لا يمكنه تخطي الخطوط الحمراء المفروضة من المستقبل. على عكس ميشال سليمان الذي يسعى إلى تحصين نفسه سياسياً في هذه المرحلة والتأسيس لموقع جديد على الخريطة المسيحية. فلا يملك سليمان سوى لقب "رئيس سابق" ولا ثقل له سوى في وزرائه الثلاثة في حكومة تصريف الأعمال. فالعجز والفشل سيكون أيضاً مصير هذا التجمع الجديد.

تنظر الكنيسة المارونية بعين مباركة إلى "اللقاء التشاوري" الحكومي، مع تراجع مستمرّ في رصيد البطريرك الماروني، بشارة الراعي، الذي فقد الدور السياسي الواجب على البطريركية أن تملأه من حيث جمع القوى المسيحية ورسم الخطوط العريضة لتحركاتهم ومواقفهم. فيغيب الراعي عن الساحة السياسية ويغادر البلاد في زيارات مكوكية للاطمئنان على رعاياه المشتّتين في القارات الأخرى، بينما عبارات القلق والخوف و"الوجود" لا تفارق المسؤولين في كنيسته وفي طائفته.

إلا أنّ الساحة المسيحية سجلّت هذا الأسبوع دخول تيار جديد إليها، هو "التيار المستقلّ" برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء السابق، عصام أبو جمرة. انشقّ الأخير عن العماد ميشال عون عام 2010، بعد رفض الأخير ترشيحه للانتخابات التشريعية (2009) وثم إقصائه عن اللوائح الوزارية في حكومة الرئيس سعد الحريري (2010). حكم هذا الواقع الشخصي على تيار أبو جمرة في الشكل والمضمون، بصفته تياراً يعادي عون ويبحث عن دور ما في دائرة 14 آذار، ليلخّص بدوره جزءاً كبيراً من الأزمة التي يعيشها المسيحيون في لبنان.

يبحثون جميعاً عن الثأر الشخصي، عن السلطة المطلقة والإطاحة بكل المنافسين حتى لو على حساب "الوجود المسيحي"، إلا في حال كانت العبارة الأخيرة مجرّد شعار أو مادة ترويجية في السياسة والإعلام.