"القوائم السوداء"... وسيلة الاحتلال الجديدة لقمع المقدسيين

14 مارس 2015
تصاعد في وتيرة القمع بحق أهالي القدس (Getty)
+ الخط -

لا تترك سلطات الاحتلال وسيلة للضغط على المقاومين وأهلهم في القدس المحتلة، ومنها هدم منازل المتهمين بالقيام بعمليات مقاومة ضد الاحتلال.

أوامر الهدم لم تقتصر على المنازل التي يملكها الفلسطينيون وذووهم، بل حتى طالت المنازل المستأجرة منهم، كما في حالة طلال الصياد من حي الطور شرقي البلدة القديمة من القدس، الذي فوجئ بإخطار هدم علّقته طواقم من بلدية الاحتلال على جدار منزله، على الرغم من أنه لا يملك المنزل بل يقيم فيه كمستأجر منذ سنوات طويلة.

الصياد سخر من تسليمه أمر هدم لمنزل يقيم فيه بالإيجار منذ أكثر من 20 عاماً، وقال لـ"العربي الجديد" إنه سيطالب البلديةً بإعطائه منزلاً حتى يكون بالإمكان تحويل أمر الهدم إلى واقع.

أمر الهدم جاء بعد اعتقال نجله بتهمة المشاركة في احتجاجات مقاومة للاحتلال نهاية العام الماضي الذي شهد عمليات دهس نفّذها شبان مقدسيون، وبعد احتجاجات واسعة عقب اغتيال الطفل محمد أبو خضير حرقاً على أيدي مستوطنين متطرفين وُصفت في حينه بـ"هبّة القدس"، وقد أصابت هذه الهبّة الأمن الاسرائيلي بضربة قاصمة، توعّد إثرها مسؤولون إسرائيليون عديدون بقمع انتفاضة المقدسيين، بل وتأديبهم، كما ورد على لسان رئيس البلدية اليميني الحالي نير بركات.

وكان بركات قد عقد حينها عدة اجتماعات طارئة مع مختلف أجهزة الأمن، وعلى رأسهم مفتش عام الشرطة، وتقرر آنذاك توسيع دائرة العقوبات ضد المقدسيين من خلال تحويل ملفات مئات الشبان والفتية المقدسيين المشاركين في أعمال احتجاج إلى البلدية، وإلى دوائر الضريبة المختلفة، وكذلك إلى وزارة الداخلية لاتخاذ تدابير ضد ذويهم، تشمل فتح ملفات بناء منازلهم، والتثبّت من قانونية إقامتهم، وما إذا كانوا يتهربون من دفع الضرائب.

وفي هذا السياق، يقول مدير نادي الأسير في القدس ناصر قوس، إن أكثر من 2200 فتى وشاب مقدسي اعتُقلوا منذ اغتيال الشهيد أبو خضير ولغاية الآن، وقُدمت لوائح اتهام بحق أكثر من 600، ما يعني أن قائمة بهؤلاء سُلّمت إلى البلدية من قبل جهاز الشاباك الإسرائيلي وشرطة الاحتلال، وهو ما يفسر الزيادة الملحوظة في عمليات الهدم، واستهداف النشطاء وذويهم بإجراءات غير مسبوقة من الاعتقال والحبس المنزلي وتسليم إخطارات هدم حتى لمن لا يملكون منازل أصلاً، كما هو حال المواطن الصياد من حي الطور.

من جهته، يرى الخبير المتخصص في شؤون القدس جمال عمرو، أن الحديث اليوم عن قائمة سوداء لمقدسيين، هو اجترار لممارسات تتم في الواقع منذ شهور وليست وليدة اللحظة، وهي تتخذ شكل التصعيد المكثف ضد كل مظاهر الوجود الفلسطيني في القدس، مشيراً إلى "أننا قد نشهد مزيداً من هذا التصعيد قبيل الانتخابات الإسرائيلية، إذ تحوّل التنافس الانتخابي بين الأحزاب الإسرائيلية إلى صراع عنوانه القدس وتهويدها وفرض مزيد من الأسرلة عليها، سوى بالاستيطان أو الهدم، أو استهداف المقدسات، والاعتقالات المتصاعدة التي تطال الأطفال والنساء".

اقرأ أيضاً: التحريض ضد الفلسطينيين سلاح نتنياهو في مواجهة معارضيه

ويلفت مراقبون إلى أن حادثة الدهس الأخيرة في القدس، قد يستغلها الاحتلال لممارسة قمع إضافي ضد الفلسطينيين، تشارك فيه مختلف الدوائر والأجهزة الإسرائيلية. ومع التوقعات بصعود اليمين الأكثر تطرفاً إلى سدة الحكم في إسرائيل، فقد يتحول المقدسيون إلى كبش فداء، وهو ما تشي به تصريحات مرشحي اليمين المتطرف، في وقت ترى فيه منظمات حقوقية أن هذا الاستهداف المقصود للمقدسيين هو في جله غير قانوني، بل وتعسفي كما ورد في بيان لجمعية حقوق المواطن في إسرائيل.

ووجّهت الجمعية رسالة إلى المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، مطالبةً إياه بالتحقيق الفوري والجاد حول قيام الشرطة الإسرائيلية بتسليم "قائمة سوداء" لبلدية القدس، تشمل معلومات لمشتبهين في المشاركة في التظاهرات الاحتجاجية في القدس، بهدف القيام باتخاذ إجراءات عقابية ضدهم وضد أسرهم، تشمل تطبيقاً للقانون البلدي.

وجاء في رسالة المحامية آن سوتشيو، باسم جمعية حقوق المواطن، التي وصل "العربي الجديد" نسخة منها، "أنه في حال تم التحقق من صحة الخبر، علماً أن بلدية القدس والشرطة لم تنفيا وجود "القائمة السوداء"، فإن هذه الخطوات غير قانونية وتدوس على مبادئ الأساس لسلطة القانون"، مشيرة إلى "أن تطبيق القانون بشكل انتقائي استناداً إلى اعتبارات غريبة، هو غير قانوني ومناقض لمبدأ المساواة أمام القانون".

واعتبرت "حقوق المواطن" أن التطبيق الانتقائي للقانون البلديّ ضد المشتبه بهم وضد أفراد عائلتهم فقط لاتهام أحد أفراد العائلة بالمشاركة بالتظاهرات الاحتجاجية، هو عقاب جماعي يمنعه القانون، مؤكدة أن اتخاذ خطوات لتطبيق القانون ضد أفراد، فقط لكونهم متهمين في ارتكاب مخالفات لا علاقة لها بذلك، يُعتبر انتهاكاً تعسفياً وغير قانوني، يمسّ في الحق الأساس في الحصول على إجراءات عادلة، ويفرغ مبدأ براءة المتهم من مضمونه، كما يُعتبر مساً غير دستوري في حق المشتبه بهم للخصوصية.

ولفتت المنظمة إلى أن تسليم "قوائم سوداء" لبلدية القدس يثير تخوفات حقيقية من أن اتخاذ إجراءات إدارية ضد مشبوهين قد يُستخدم للضغط عليهم للاعتراف بالتهم الموجّهة ضدهم، مشددة على أن الشرطة لا تملك أي صلاحية وفق القانون لتسليم أسماء مشبوهين لسلطات أخرى، فكيف بالحري اتخاذ إجراءات عقابية لا تمت بالشبهات بصلة، معتبرة أنه في حال تحقق من الأمر، فإن الشرطة تخل بواجباتها القانونية وهي الامتناع عن تسليم قاعدة بيانات لأفراد ومؤسسات غير مخولين الاطلاع عليها، وذلك استناداً إلى قانون السجل الجنائي الذي يمنع تداول أو تسليم معلومات منه، وهو يتيح نقل معلومات لسلطات محلية فقط في حال تعيينات لوظائف معينة.

وطالبت الجمعية المستشار القضائي للحكومة بالتدخل العاجل وإصدار أوامر للشرطة ولبلدية القدس بالتوقف الفوري عن اتخاذ هذه الإجراءات، وبفتح تحقيق جنائي و/أو إداري ضد المتورطين. كما طالبت بإلغاء كافة الإجراءات العقابية التي اتخذت حتى اللحظة وفق "القائمة السوداء".

المساهمون