معارك صغرى لمسيحيي لبنان: صرف الموظفين ممنوع

22 فبراير 2015
رعت الكنيسة الاجتماعات السياسية والنقابية الخاصة بالكازينو(أنور عمرو/الأناضول)
+ الخط -

شاءت الصدف أن يحمل مطلع العام الحالي نكسة أخرى للمسيحيين، من الباب الاقتصادي والمرافق العامة. توحّدت القوى المسيحية مرة أخرى خلال أزمة كازينو لبنان، الذي بات يعيش ما يشبه الشحّ المالي نتيجة تدني أرباحه وتراجع الزيارات العربية له، جراء تردي الوضع الأمني في لبنان انعكاساً للأزمة في سورية. تراجعت أرباح الكازينو من أكثر من 280 مليون دولار قبل العام 2012، إلى أقل من 200 مليون دولار نهاية العام 2014، تذهب 40 في المائة منها للدولة اللبنانية. وبالتالي تشغّل إدارة الكازينو مرفقها، وتعاقداتها مع الشركات الخاصة عن العمال والتوظيفات والصيانة بالقيمة المتبقية.

تراجعت الإيرادات، وفي الوقت عينه، وجدت الإدارة نفسها أمام موعد تثبيت 250 عاملاً من المتعاقدين، ما وضعها أمام خيارات صعبة، لا يمكن أن تتحمّلها الموازنة الخاصة بهذا المرفق. فقررت الإدارة تطهير جسمها الوظيفي، بصرف 191 موظفاً من المحسوبيات السياسية، لا يعملون ولا يحضرون إلى أماكن الوظيفة، وقسم آخر منهم يعاني من حالات مرضية تمنعه من مزاولة مهامه في الكازينو.

اقرأ أيضاً: كازينو لبنان: صندوق السياسيين الأسود

ولكون هذه المحسوبيات تنقسم على الشريحة اللبنانية الواسعة، تضرّرت جميع الكتل السياسية من هذا القرار. إلا أنّ القسم الأكبر من الموظفين كان من المسيحيين، فشكل 62 في المائة من لائحة المهددين بالصرف، أي 121 موظفاً من أصل 191 على اللائحة السوداء.
وبناءً على هذه اللائحة، خصّ الصرف 26 موظفاً يؤيدون رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، 19 من أنصار التيار الوطني الحر (برئاسة النائب ميشال عون)، 17 للقوات اللبنانية (قائدها سمير جعجع)، 13 لحزب الكتائب (برئاسة رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل)، 8 لتيار المردة (برئاسة الوزير السابق سليمان فرنجية)، 13 للنائب السابق منصور البون، 10 للوزير السابق فريد هيكل الخازن، 3 لوزير الخارجية السابق فارس بويز، و12 آخرين محسوبين على شخصيات مسيحية مستقلة منهم البطريرك بشارة الراعي والوزيران ميشال فرعون وبطرس حرب.
شكّل ملف صرف الموظفين تهديداً للمسيحيين، ولو أنّ للكتل السياسية والطائفية الأخرى حصة منه أيضاً، باعتبار أنّ اللائحة ضمت مثلاً، ما يقارب 40 موظفاً محسوبين على رئيس مجلس النواب نبيه بري، وآخرين من حصة الحزب التقدمي الاشتراكي (برئاسة وليد جنبلاط) وتيار المستقبل (برئاسة سعد الحريري).
نتيجة هذا العامل الطائفي، تحوّل الملف إلى قضية مسيحية، اضطرت الكنيسة المارونية عبر النائب البطريركي العام، بولس صياح، إلى أن تأخذ على عاتقها جمع نقابات الموظفين في الكازينو، وتوحيد قرار الأحزاب المسيحية في ما يخص هذا الملف. وردّد صياح في أكثر من مناسبة العبارة الآتية: "كلمة المسيحيين يجب أن تُسمع"، منتقلاً من اجتماع لآخر مع المعنيين في الكازينو.

وفي حين انضّم رئيس مجلس النواب إلى حملة رفض صرف الموظفين، نتيجة مسّ المحسوبين عليه بهذا القرار، اتّخذ الملف بعداً مسيحياً كاملاً، بسبب طائفة أغلبية المصروفين، وثانياً لوقوع مقرّ الكازينو في قضاء كسروان (جبل لبنان، شمالي بيروت) الذي يعتبر قضاءً مسيحياً صرفاً. فاستذكر المسيحيون خلال اعتصام الموظفين أمام الكازينو، "ثورة طانيوس شاهين" ورئيس الجمهورية السابق فؤاد شهاب، وغيره من الرموز الكسروانية المسيحية لإضفاء الصبغة الطائفية اللازمة على قضيتهم. ونتيجة ذلك تصاعدت لهجة نواب الكتل المسيحية، داعيةً إلى تراجع الإدارة عن قرار الصرف، فقال النائب سيمون أبي رميا (تكتل الإصلاح والتغيير برئاسة النائب عون)، إنّ المسؤولين عن الإدارة "سوف يرون ما يعجب خاطرهم" ملوّحاً بفتح الكثير من ملفات الفساد الخاصة بالكازينو. في حين استكمل نائب رئيس حزب القوات اللبنانية وعضو كتلتها النيابية، جورج عدوان، الهجوم مشيراً إلى أنّ الكازينو "نموذج عن الفساد السياسي وصرف النفوذ، ومعالجة الملف تبدأ بمحاسبة المسؤولين الكبار". كما عبّر وزير العمل ونائب رئيس حزب الكتائب، سجعان قزي، عن الغبن الذي يلحق بحزبه لكون "الكتائب منذ تأسيس الكازينو كان أقلّ حزب لديه أشخاص يعملون فيه".

نتيجة هذه الضغوط، رضخت الإدارة إلى مطالب القوى المسيحية، وتم الاتفاق على إعادة النظر بلائحة الصرف وتشكيل لجنة تعيد دراسة حالة كل موظف على حدة، من دون أن يخرج عنها نتيجة فعلية. كما أنه بفعل الضغط الممارس على إدارة الكازينو، تم رفع تعويضات الموظفين الذين سيصرفون من 12 شهراً كحد أقصى، إلى 60 شهراً إرضاءً للسياسيين وموظفيهم.

يذكر هذا المشهد بملف المياومين في شركة كهرباء لبنان، الذين أمّن رئيس مجلس النواب، نبيه بري، الغطاء السياسي اللازم لتحركاتهم واعتصاماتهم طوال العامين الماضيين، لحين إقرار قانون تثبيتهم في وظائفهم بعد إجراء المباراة اللازمة. والمشهد الطائفي ينطبق أيضاً على ملف النفايات في لبنان، بعد أن طالبت كل طائفة من خلال وزرائها في الحكومة، بحصّتها من شركات رفع النفايات وطمرها مع تأكيد كل طائفة، على منع شركات محسوبة على زعماء وطوائف أخرى من العمل في نطاق نفوذها. وبين لعب الميسر والقمامة مروراً بكل المرافق العامة، يمكن للمحاصصة الطائفية أن تشلّ القطاعات ومصالح الناس، في وقت يطلق اللبنانيون على هذه الحقيقة صفة "العيش المشترك".

اقرأ أيضاً:أحدث معارك مسيحيي لبنان: سائقو شاحنات مرفأ بيروت 

دلالات
المساهمون