بايدن وقمة الناتو في واشنطن: حليف محبَط وحزب مأزوم

09 يوليو 2024
قمة الناتو تنطلق في مركز والتر إي واشنطن للمؤتمرات، 9 يوليو 2024 (جلال غونيس/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **افتتاح قمة الناتو في واشنطن**: يحتفل حلف شمال الأطلسي بمرور 75 سنة على تأسيسه، وكان من المتوقع أن يستغل الرئيس بايدن القمة لتعزيز موقفه الانتخابي بدعم أوكرانيا، لكن تداعيات المناظرة الأخيرة أثرت سلباً على فرصه.

- **الصراع الداخلي في الحزب الديمقراطي**: يتفاقم الصراع حول مستقبل بايدن في الانتخابات، حيث يدعم بعض الأعضاء استمراره بينما يفضل آخرون استبداله، مما أدى إلى تشرذم داخل الحزب.

- **مخاوف صحية حول بايدن**: زادت المخاوف بعد تقرير عن زيارات متكررة لطبيب أعصاب متخصص بمرض شلل الرعاش، مما يثير تساؤلات حول قدرته على الاستمرار في المعركة الانتخابية.

يفتتح حلف شمال الأطلسي (ناتو) قمته اليوم الثلاثاء في واشنطن، بمناسبة مرور 75 سنة على ولادته، وكان من المفترض أن توفر هذه التظاهرة الدولية التي يشارك فيها شركاء من خارج الحلف (من آسيا) فرصة مميزة للرئيس الأميركي جو بايدن لتوظيفها في حملته الانتخابية فهو مشهود له، من الجمهوريين (ماعدا بعض أنصار دونالد ترامب) قبل الديمقراطيين، بأنه لعب دوراً ملحوظاً في شدّ عصب الناتو وتركيب تحالف دولي لدعم أوكرانيا في الحرب ضد روسيا وتسليحها، وكان يعتزم إبراز هذا الدور خلال القمة على مدى أيامها الثلاث، باعتباره إنجازاً خارجياً هامّاً حققه.

لكن نكسة المناظرة وتداعياتها خرّبت عليه هذه الفرصة، فتحول وضعه من منافس محسوم لترامب إلى مرشح رئاسي شبه معلّق حجب سيرة القمة إلى حد بعيد، التي صارت محكومة بالنظر إليها من خلال عدسة مأزق بايدن الذي يقال إنه وضع الحلفاء الأوروبيين في موقف مربك، فهم مع بايدن ضد ترامب (الذي يرون فيه خطراً على الحلف) وفي الوقت ذاته يميلون إلى خيار استبدال الرئيس بعد أن صار استمراره في السباق مجازفة غير مأمونة، ويقال إنهم منقسمون في هذا الخصوص. وما يزيد من صعوبة التعاطي مع هذه الحالة المحرجة والدقيقة، أنهم لا يقوون على مفاتحة الرئيس بمخاوفهم هذه لئلا "يُحسب ذلك تدخلاً في الشؤون الأميركية الداخلية" بحسب مايكل أوهنلون، خبير الشؤون الخارجية في مؤسسة بروكينغز للدراسات والأبحاث في واشنطن.

وبذلك بات شبح ترامب يخيم سلفاً على قمة الناتو التي تنعقد عند منعطف أميركي مفصلي، بقدر ما يتعلق الأمر بالحلفاء الأوروبيين. وما لا بد أن يزيد من قلق المؤتمرين المتخوفين جدياً من ترامب وتنافره المعروف مع الحلف، أن بايدن مشتبك مع حزبه حول مصيره، وبدأ هذا الاشتباك يأخذ منحى التحدّي بما أدى إلى التشرذم. حيث أعلن أعضاء الكونغرس من الأميركيين الملوّنين تمسكهم بالرئيس في حين ينوي فريق آخر مقابلة بايدن، الثلاثاء، بالتزامن مع افتتاح القمة، لحثه على ترك المعركة لمرشح آخر، وقسم ثالث متردد في الحسم. وتبدو أجواء الديمقراطيين عموماً ضد بقاء الرئيس في ساحة الانتخابات ومعهم قوى وجهات نافذة ومؤثرة في مطابخ الرأي ومرجعيات معروفة ووازنة في نخب الحزب.

ومع وصول ضيوف القمة، تفاقم الصراع، إذ أرسل الرئيس بايدن رسالة خطية مطولة إلى الديمقراطيين في الكونغرس، يؤكد فيها عزمه النهائي على خوض المعركة رغم اعتراضات بعضهم وذلك من باب قناعته "المطلقة" بأنه المرشح "الأفضل" لإلحاق الهزيمة بترامب، مهدداً بعدم التنازل عن المندوبين في مؤتمر الحزب ومحذراً من تحدّيه في مثل هذه المنازلة. رافق ذلك مقابلة مفاجئة بادر إلى ترتيبها بالاتصال المباشر أمس الاثنين مع أحد البرامج الإخبارية الصباحية كرر فيها إصراره على قراره في المضي بالمعركة وأنه لن يبرح ساحتها.

وبموازاة ذلك، كشفت نيويورك تايمز عن رواية جديدة تعزز المخاوف من مثل هذا الإصرار، الاثنين، إذ ذكرت اسم طبيب أعصاب متخصص بمرض شلل الرعاش، زعمت أنه قام بثماني زيارات إلى البيت الأبيض خلال الأشهر الثمانية الماضية. رواية الصحيفة العريقة أثارت تساؤلات لناحية أن علامات هذا المرض، ومنها الرجفة، لم يسبق أن ظهرت للعيان إلا إذا كان المرض في بداياته وجرى استدراكه مبكراً بالعقاقير المناسبة. لكن الشكوك عادت لترتتسم عندما ارتبك البيت الأبيض خلال الإيجاز الصحافي في الرد على الرواية، ليعترف في النهاية تحت ضغوط الأسئلة بأن الطبيب قام فعلاً بزيارة البيت الأبيض لكن "ثلاث مرات وليس ثماني مرات". وعزز الاعتراف الاضطراري، ولو كان جزئياً، صدقية المعلومة وفي أحسن الأحوال زاد من كثافة الارتياب، خصوصاً أن الرئيس رفض في مقابلة يوم الجمعة الماضي أن يخضع لفحوصات ذهنية.

وعلى هذه الخلفية يبدأ اليوم الثلاثاء اليوم الأول من قمة الناتو وشبح مأزق الرئيس يحوم فوقها. وكان من المتوقع أن تكون حرب أوكرانيا محورها وبايدن نجمها باعتباره الراعي الأساسي لبناء جبهة التصدي للروس فيها. وفعلاً جاء المسؤولون اليوم الاثنين على ذكرها من زاوية أن قمة الحلف سوف تتباحث ثم تعلن إقامة "الجسر" المؤدي بأوكرانيا لاحقاً إلى الانضمام إلى الناتو، لكن مثل هذا القرار سبق للحلف أن اتخذه منذ سنوات في قمته التي عقدها في رومانيا على الأرجح، وبقي حبراً على ورق. وبكل حال حتى لو كان القرار هذه المرة جدياً تبقى القمة وقراراتها محكومة، خاصة من جانب الأوروبيين، بهاجس الانتخابات الأميركية ومخاوفهم من عودة ترامب لو تمكن الرئيس بايدن من ترجمة إصراره على البقاء في المعركة مع ما يمكن أن يرافق ذلك من خطر التصدعات المحتملة في حملته الانتخابية.