للمرة الثانية، بعد انتخابات عام 2017، ينال يانيك جادوت ترشيح حزب "الخضر" للانتخابات الرئاسية، من دون مفاجآت، لكن مع مشهد يوحي بانقسام كتلة الناخبين بينه وبين ساندرين روسو، التي خسرت الانتخابات التمهيدية في مواجهته بفارق 2.6 بالمائة يوم أمس الثلاثاء.
قائد ثالث قوة في البرلمان الأوروبي
ليس منذ وقت طويل، عرف الفرنسيون يانيك جادوت كمنافس قوي في السياسة، ونجح عالم البيئة الفرنسي المولود عام 1967 في وقت قصير بجعل دعاة حماية البيئة، المعروفين باسم "الخضر"، ثالث قوة في البرلمان الأوروبي في الانتخابات الأوروبية عام 2019، خلف حزب "التجمع الوطني" الذي تقوده مارين لوبان وحزب "الجمهورية إلى الأمام" الذي أسسه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ورسم جادوت مسار فريقه بعناية، واتخذ من مشروع التنظيم البيئي والاجتماعي أساساً لمعسكره نحو قيادة اليسار الحكومي، وهو يدعو إلى "بيئة سياسية مفتوحة"، على عكس أنصار طرح الحد من النمو أو مناهضة الليبرالية، وهذا جعله منفتحاً على تحالفات مع أحزاب أخرى في ضفة اليسار، مثل الحزب الاشتراكي، الذي مثل مع مرشحته للانتخابات الرئاسية عمدة باريس آن هيدالغو ثنائياً يصعب هزيمته في المواقع السياسية الكبرى في العاصمة.
علاقة جادوت مع الاشتراكيين أقدم من تحالفاته خلال الانتخابات البلدية مع هيدالغو؛ ففي انتخابات عام 2017، انسحب من السباق الرئاسي لصالح المرشح الاشتراكي بنوا هامون، لكن هذا السيناريو لا يبدو أنه قابل للتحقق مع الانتخابات المقررة بعد 7 أشهر، فسحب ترشيحه آنذاك، لم يغيّر كثيراً من المنافسة التي انحصرت بين ماكرون ولوبان.
الخضر كحزب حاكم
وأمام النجاحات الكبيرة التي حققها جادوت مع حزبه، كان من السهل عليه التأكيد في مرات عديدة ظهر خلالها على وسائل الإعلام أنه "هذه المرة سيذهب حتى النهاية" في الانتخابات الرئاسية، وأنه يسعى ليكون أحد المنافسين في الجولة الثانية، كما أنه عاد ليؤكد ذلك في خطاب فوزه أمس أمام أنصاره، حين قال "سنقوم ببناء مسيرة أكبر وأقوى بكثير للفوز في 2022".
وقطع خطاب النصر أمس كل الشكوك حول سيناريو تكرار انسحاب جادوت لصالح الاشتراكيين، أو على وجه التحديد لصالح حليفته المقربة هيدالغو إذا ما نجحت في تحقيق نتائج جيدة، وذلك مرده أن الوضع الآن مختلف عما كان عليه عام 2019، فدعاة حماية البيئة يشعرون بأنهم "حزب حاكم"، على حد وصف صحيفة "لوموند" نقلاً عن الأوساط السياسية الفرنسية.
وحتى الآن، ينال جادوت نسب تصويت معقولة في استطلاعات الرأي متقدماً على مرشحين كثيرين وعلى رأسهم آن هيدالغو، لذلك إن طرحت فكرة الاتحاد لإيصال مرشح من اليسار إلى الرئاسة بين الأحزاب اليسارية فستكون هذه الشخصية يانيك جادوت إذا ما صدت استطلاعات الرأي.
ولا يعد الفارق بين 2019 و2021 في نقاط قوة فقط لصالح الخضر، بل إن المنافسة التي جرت بينه وبين ساندرين روسو، تظهر ثغرة في صفوف دعاة حماية البيئة، إذ سيكون مضطراً لتعديل خطابه وتطعيمه بأفكار من خطاب منافسته داخل الحزب نحو "إيكولوجيا أكثر راديكالية" وفق ما وصف عالم السياسة المتخصص في البيئة السياسية دانيال بوي لـ"فرانس أنفو" في ليلة فوز جادوت.
يانيك جادوت الناشط
نشأ المرشح الرئاسي في عائلة مكونة من أربعة أطفال في بيكادري، قبل أن يتابع دراسته العليا في الاقتصاد في العاصمة باريس. ومن هناك، سافر إلى بوركينا فاسو للعمل في السياسات الزراعية والبيئية، ثم انتقل إلى بنغلاديش وأصبح مناصراً لحقوق النساء هناك، وواظب على المشاركة في مؤتمرات القمة المضادة لمنظمة التجارة العالمية في سياتل عام 1999. وفي نفس العام بدأ مشواره مع حزب الخضر، لكن ذلك لم يغير كثيراً من صورته كناشط بيئي.
وفي عام 2002، تولى رئاسة الحملات الفرنسية لمنظمة السلام الأخضر، وهي منظمة غير حكومية تحذّر من التهديدات التي تتعرض لها البيئة. وفي مايو/أيار 2015، أُدين بتهمة "مهاجمة مصالح الأمة القومية" بعد اقتحام أعضاء من منظمته قاعدة عسكرية عن طريق البحر تضم غواصات نووية.
وفي عام 2006، تم اختراق جهاز الكمبيوتر الخاص به وسرقة بياناته الشخصية، بأمر من مسؤول تنفيذي سابق في شركة الكهرباء الفرنسية وضابط شرطة سابق وفق محضر القضاء، الذي أصدر حكماً لصالح جادوت بسجن الضابط 3 سنوات، قبل أن تتم تبرئة مؤسسة الكهرباء في عام 2013.
وفي عام 2008، غادر جادوت منظمة "السلام الأخضر"، لقيادة حملة "الخضر" الأوروبية، لينتخب بعد ذلك عضواً في البرلمان الأوروبي ويفوز بعدها بدورتين انتخابيتين على التوالي عام 2014، وفي 2019.